· في أعقاب الأحداث المأساوية التي تجري في الدول المجاورة لنا، وخصوصاً مصر، برز توجهان أساسيان بشأن الخط السياسي الذي يتعين على إسرائيل أن تنتهجه: الأول، ينصح إسرائيل بالانكفاء على نفسها واتخاذ موقف دفاعي إلى أن تعبر العاصفة؛ الثاني، يرى أنه في ضوء تزايد التهديدات على إسرائيل، فإن عليها القيام بخطوات شجاعة لحل النزاع مع الفلسطينيين أو مع سورية، والأفضل مع الاثنين معاً.
· لم يكن مفاجئاً أن دعاة الانكفاء هم أنفسهم الذين كانوا يعارضون تقديم تنازلات كبيرة، وأن الذين كانوا يؤيدون التقدم في العملية السلمية يعتقدون أن الأحداث الأخيرة زادت في الحاجة إلى ذلك. ويبدو أن الأمر الوحيد الذي تغير هو نوع الذرائع ووزنها. وعلى الرغم من الاختلاف بين التوجهين، فإنه يبدو منطقياً، سواء من وجهة النظر التي تشجع على الحوار، أو تلك التي تشجع على الانكفاء، الإشارة إلى أهمية ترميم العلاقات التركية ـ الإسرائيلية.
· بالنسبة إلى دعاة وجهة النظر الداعية إلى الحوار، فإن على نتنياهو أن يقتنع بأنه في ضوء التطورات الأخيرة سيكون من الصعب الاعتماد على سكون الجبهة الجنوبية، كما أن التهديدات الكثيرة من الشمال ومن الشرق تفرض عليه حل النزاع مع سورية، أو مع الفلسطينيين. وعندما يبدأ تحريك مسار التفاوض، ستبرز مشكلة الوساطة، وسيكون من الواضح أنه من الصعب، إذا لم
يكن من المستحيل، التوصل إلى تسوية من دون وساطة أميركية، لكن هذا لا يعني أن على الولايات المتحدة أن تكون الوسيطة الحصرية.
· إن إشراك تركيا في الوساطة يمكن أن يمنح الاتفاق الذي سيوقَّع شرعية في نظر العالم الإسلامي. وتحديداً، فإن الموقف التركي الانتقادي لإسرائيل في الأعوام الأخيرة، هو الذي سيقوي الدعم التركي لمثل هذا الاتفاق. فعلى سبيل المثال، أشار استفتاء جرى في سبع دول عربية، وكذلك في إيران، إلى أن 80% من الذين شاركوا يؤيدون قيام تركيا بالتوسط في حل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، فضلاً عن أن هناك فوائد عدة لتوسط دولة إقليمية لها نفوذ لدى الطرفين. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أولمرت هو الذي قال عن الوساطة التركية بين سورية وإسرائيل إنها نزيهة وذات قيمة نوعية، بل إن حتى بشار الأسد نفسه طلب من تركيا الحفاظ على علاقاتها الجيدة مع إسرائيل، في حال كانت معنية بمواصلة وساطتها بين الطرفين.
· وإلى جانب الفوائد المتأتية عن المساعدة التركية في التوصل إلى اتفاق سلام، فإن مسألة الوساطة التركية مهمة أيضاً من زاوية العلاقات بين إسرائيل وتركيا. وعلى الرغم من صعوبة الفصل بين الأمور، ولا سيما في ضوء صعوبة التوصل إلى تسوية مع الأتراك في شأن قضية الأسطول، فإن إسرائيل على الأقل، تستطيع من خلال مسألة الوساطة إثبات حسن نياتها تجاه مسألة تحسين العلاقات. لقد ثبت في الماضي أن التقدم في العملية السياسية يؤدي دائماً إلى تحسين العلاقات الإسرائيلية ـ التركية، كما أنه ضمن أجواء عامة أفضل، يصبح ممكناً الحد من الضرر الذي لحق بهذه العلاقات جرّاء قضية الأسطول.
· والمهم في الموضوع، أنه من المفيد لإسرائيل، حتى من وجهة النظر الانكفائية، تحسين العلاقات مع تركيا، أو على الأقل منع الإدلاء بتصريحات معادية لها منعاً تاماً.
· وتتوقع الاستطلاعات أن تؤدي الانتخابات التي ستجري في حزيران/ يونيو المقبل في تركيا إلى أن يؤلف حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان الحكومة من دون مشاركة ائتلافية. وفي ضوء التصريحات الأخيرة لنتنياهو، والتي قال فيها إن إسرائيل هي واحة للاستقرار في الشرق الأوسط، فإن تركيا هي أيضاً واحة استقرار.
· من الصحيح أن تركيا لم تعد حليفة الغرب كما كانت، لكن إسرائيل نجحت في الماضي في إيجاد السبيل للتعاون مع الحكومة التركية برئاسة أردوغان. إن تراجع مكانة مصر الإقليمية سيؤدي إلى تعاظم قوة دول إقليمية أخرى، والرابح الأكبر سيكون إيران وتركيا. إن إسرائيل لا تستطيع أن تسمح لنفسها بأن يكون موضوع العداء تجاهها أساساً للتعاون بين هاتين الدولتين القويتين.
· إن ثمن ترميم العلاقات مع تركيا، على الرغم من الرأي العام المعادي لها حالياً في إسرائيل، هو ثمن ضئيل جداً مقارنة بثمن اتفاق السلام مع الفلسطينيين أو مع سورية. وفي المقابل، فإن نتيجة هذا التعاون بين "جزيرتي الاستقرار" في المنطقة مضمونة أكثر.