· ليس من المبالغة القول إنه سواء تم في نهاية المطاف الإفراج عن [الجاسوس الإسرائيلي] جونثان بولارد المحتجز في أحد سجون الولايات المتحدة أو لم يتم الإفراج عنه، فإن الحكومة الإسرائيلية أثبتت أنها خلافاً للإدارات الأميركية، يمكن أن تتنازل حتى في مسألة حساسة للغاية مثل إطلاق أسرى فلسطينيين محتجزين في السجون الإسرائيلية.
· في ضوء هذا، فإنه في حال دخول أي فلسطيني السجن الإسرائيلي من جراء ارتكاب جناية أمنية، ثمة احتمال جيد بأن يُطلق في جولة المفاوضات التالية أو بعد عملية اختطاف جنود أخرى أو لدى قيام الجانب الآخر بالاحتفاظ بجثث جنود إسرائيليين. ولا يهم هنا كثرة الكلام لأن الأفعال تظل هي الأهم.
بناء على ذلك، فإن كل الجدل حول قضية الأسرى جدل فارغ، والجدل الحقيقي الذي كان يجب أن يتم ما زال مؤجلاً.
· إن ما يجري في منطقتنا من الناحية النظرية هو مفاوضات حول التسوية، لكن من الناحية العملية ما يجري هو خدعة، كما يوضح وزراء الحكومة الإسرائيلية مراراً وتكراراً. فلا أحد من هؤلاء الوزراء مهتم بالتوصل إلى تسوية (كذلك الفلسطينيون غير مهتمين أيضاً بهكذا تسوية)، ولا أحد يعتقد أن التسوية ممكنة أو مرغوب فيها.
· وبرأيي، فإن الجانبين ينظران إلى جولة المفاوضات الحالية باعتبارها أمراً مزعجاً فرضه وزير الخارجية الأميركي جون كيري لأسباب تعود إلى دافع نفساني لا سياسي (فهو مسياني، ويريد جائزة نوبل، ويريد أن يكون رئيساً للولايات المتحدة). أما فكرة أن كيري يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يحل مشكلة من شأن ثمن تأجيل حلها أن يكون باهظاً أكثر، فتبدو لنا على الأقل غير واقعية.
· إزاء هذا كله، لا بُد من أن نعيد الأذهان إلى جوهر المشكلة، وهي السيطرة الإسرائيلية المفروضة على الفلسطينيين في المناطق [المحتلة]. إن هذه المناطق تبدو الآن "مضبوطة" فلا يكاد يوجد إرهاب، وأوضاع حركة "حماس" سيئة، وحزب الله في أزمة، وأجهزة الأمن الفلسطينية في مناطق السلطة الفلسطينية تهتم بفرض النظام الذي نريده، والمستوطنات في هذه المناطق آخذة في التوسع، ووضعنا العام لم يكن قط أفضل مما هو عليه الآن.
· غير أن كل هذا الهدوء أشبه بفترة هدوء بين نوبتي حمى، وما يجري في العمق لا يمكن كبحه، فإسرائيل تسيطر على سكان غاضبين وفقراء تم منذ عقود سلبهم حقوق الإنسان والمواطن وكل أشكال التعبير القومي الحقيقي. وصبر الغرب على مشروعنا الاستيطاني آخذ في التقلص، وعدد الذين يؤيدون دعوات المقاطعة آخذ في الازدياد. وبالتالي، فإن هذا الهدوء يمكن أن ينتهي على حين غرة في لحظة واحدة وتندلع انتفاضة شعبية يائسة مقرونة بأعمال عنف وراء الحدود، الأمر الذي قد يضطرنا دفعة واحدة إلى استعمال قوة كثيفة وإلى أن نمارس القتل ونتعرّض للقتل.
· ولعلّ الأمر الأسوأ من ذلك أن يصبح الفصل بيننا وبين الفلسطينيين في غضون أعوام قليلة غير ممكن، وعندها يُطلب إلينا بصفتنا دولة ذات شعبين في واقع الأمر أن نتحوّل إلى دولة ذات شعبين بصورة قانونية، أو أن نعلن على رؤوس الأشهاد تبني نظام الفصل العنصري، ما يعني نهاية الحلم الصهيوني.
لا شك في أن كيري يدرك هذا، أما نحن فلا ندركه تماماً.