السياسة الخارجية لإسرائيل في عصر التغيرات العالمية: الولايات المتحدة، إسرائيل والشرق الأوسط
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي

من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.

·       في العامين الأخيرين تضررت العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة بسبب مواقف إسرائيل من المفاوضات مع الفلسطينيين، بين أسباب أخرى، وبدا، أكثر من أي وقت آخر، أن مكانة إسرائيل ورصيدها بالنسبة إلى الإدارة الأميركية مرتبطان بالعملية السلمية وتقدمها. وللمرة الأولى تبرز أصوات الأقلية في المجموعات السياسية الأميركية، والتي تشكك في فائدة الحفاظ على العلاقات الاستراتجية مع إسرائيل. لكن على الرغم من ذلك، فإن من المهم الإشارة إلى أنه خلال هذه الفترة جرى تعزيز التعاون الأمني بين الدولتين، كما أن المساعدة الأمنية ازدادت، ولا سيما بعد القرار الإسرائيلي التنازل عن المساعدة المدنية لمصلحة المساعدة الأمنية، فضلاً عن أن الأساس الذي نهضت عليه العلاقات بين الدولتين، وخصوصاً الموقف من المصالح المشتركة، لم يتبدلا كما ظهر في نتائج انتخابات الكونغرس الأخيرة.

·       إن ضعف الولايات المتحدة في مقابل صعود نفوذ القوى الراديكالية في الشرق الأوسط بقيادة إيران، ينعكس على الوضع في مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية والسلطة الفلسطينية. فخلال الأعوام الأخيرة ازداد اعتراف إسرائيل والدول الحليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط بوجود مصالح استراتيجية مهمة ومشتركة فيما بينها. هذه المصالح المشتركة بين حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة يجب أن تستند إلى مصالح حيوية مثل احتواء سعي إيران وأتباعها للهيمنة على المنطقة، وفي الوقت نفسه تحصين قوة الولايات المتحدة ومكانتها الإقليمية.

·       في هذا الإطار، فإن للعملية السلمية، ولا سيما في المسار الإسرائيلي - الفلسطيني، دوراً مهماً في تحصين المكانة الإقليمية للولايات المتحدة، وفي تعميق العلاقات الاستراتيجية بينها وبين حلفائها في المنطقة بما فيهم إسرائيل. وبات من الواضح، منذ الآن، أن التسوية السياسية لن تمنع سيطرة القوى الراديكالية على الدولة الفلسطينية العتيدة، ولا على دول أخرى في المنطقة، لكن من خلال دفع العملية السياسة إلى الأمام، فإن إسرائيل والولايات المتحدة تستطيعان العمل على تقليص احتمالات حدوث مثل هذا التطور(الذي سبق أن جرى في غزة)، وتلاقي الانعكاسات المترتبة على قيام دولة فلسطينية ردايكالية بين إسرائيل والأردن.

·       ويبدو أنه في مواجهة الوضع الحالي، وفي مواجهة موقف الولايات المتحدة واهتماماتها في المنطقة، فإن على حلفائها في المنطقة تولي زمام قيادة العملية السلمية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه العملية بحد ذاتها مصلحة حيوية بالنسبة إلى إسرائيل، فقد أثبتت التحركات الفلسطينية الأخيرة على الصعيد الدولي أن الوضع القائم (الستاتيكو) لا يشكل وضعاً مستقراً، وأن الزمن لا يعمل لمصلحة إسرائيل. وعلى الرغم من عدم وجود صلة بين العملية السياسية والنزاع الإسرائيلي - العربي، وبين الاستراتيجيا الإيرانية الساعية للهيمنة الإقليمية، فإن احتواء القدرات والتطلعات الإيرانية للهيمنة على المنطقة ستضاعف بصورة كبيرة من حظوظ تحقيق تسوية نهائية على الرغم من معارضة حلفاء إيران، أي حزب الله وحماس.

·       لقد كشفت الوثائق الأميركية التي سربتها ويكيليكس أن أغلبية حلفاء الولايات المتحدة لا تدعم سياسة أميركية أكثر تشدداً تجاه إيران فحسب، وإنما هي أيضاً تولي المشكلة الفلسطينية اهتماماً أقل. من هنا، وحتى لو جرى كبح المشروع العسكري النووي الإيراني، فإن سعي إيران للهيمنة على المنطقة لن يتوقف، وإنما سيزداد عبر حلفائها الذين سيقومون بالتعويض عن تجميد الخيار النووي. ولن يؤدي تبدل السلطة في إيران بالضرورة إلى تغيير كبير في استراتيجيا إيران الإقليمية.

·       يجب عدم تجميد العملية السياسية حتى انتهاء المواجهة مع إيران، وإنما العمل على تحريكها استناداً إلى أهداف سياسية قابلة للتحقيق، وذلك عبر السعي لتحصين موقع الولايات المتحدة وحلفائها، في مواجهة إيران وحلفائها ومَن تحميهم في المنطقة.

·       إن التحدي المطروح أمام إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة هو مواجهة فشل مبادرة الرئيس أوباما في التوصل إلى حل شامل للنزاع العربي - الإسرائيلي خلال عامين، وهي المهمة التي أُلقيت على عاتق السيناتور ميتشل. ويدل الخطاب الذي ألقته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في معهد تسبّان في كانون الأول/ ديسمبر 2010، على أن ليس لدى إدارة أوباما في المرحلة الحالية خطة عمل حقيقية من أجل دفع العملية السلمية إلى الأمام، وثمة شك في نجاح المفاوضات غير المباشرة مستقبلاً. ومن المثير للدهشة التوقعاتُ التي يعلقها الأميركيون على تقديم كل طرف مواقفه التفصيلية من الموضوعات الجوهرية كي يعرضوها على الطرف الآخر، وذلك كسبيل للتقريب بين الطرفين. فهذه الطريقة لم تؤدّ يوماً إلى التوصل إلى أي اتفاق دولي.

·       لقد تجاهلت الاستراتيجيا الأميركية في العامين الأخيرين حقيقة أنه خلال العقود الأربعة الأخيرة فشلت كل محاولة للتوصل إلى اتفاق شامل في المنطقة قدمته أطراف خارجية (الأمم المتحدة؛ الاتحاد السوفياتي؛ الولايات المتحدة؛ الاتحاد الأوروبي) أو أطرف إقليمية (مبادرة الجامعة العربية). فالاتفاقات الوحيدة التي جرى التوصل إليها هي اتفاقات ثنائية (اتفاقات السلام مع مصر والأردن، وكذلك اتفاق أوسلو).

·       إن فشل المفاوضات بين حكومة أولمرت والسلطة الفلسطينية يدل على أن عدم التوصل إلى اتفاق ليس سببه مواقف حكومة معينة فحسب، بل إن هناك أيضاً هوة عميقة وشاسعة تفصل بين المواقف الإسرائيلية والمواقف الفلسطينية الأكثر اعتدالاً من القضايا الجوهرية، مثل الحدود؛ المستوطنات؛ القدس؛ اللاجئين؛ الترتيبات الأمنية. وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها.

·       وإلى جانب احتمال التوصل إلى اتفاقات مرحلية صغيرة رسمية ومتفق عليها، ثمة مجال لمجموعة من الخطوات المتناسقة ـ بصورة علنية أو غير مباشرة – التي يمكن أن يشارك فيها كل من إسرائيل والفلسطينيون والدول العربية المعتدلة. وتعتمد هذه الخطوات على مواصلة تطبيق التعهدات المطلوبة من إسرائيل والسلطة الفلسطينية في إطار خريطة الطريق، وبناء على روحية مبادرة السلام العربية.

·       إن القيام بمثل هذه الخطوات سيكون له أهميته الكبيرة بالنسبة إلى إسرائيل في ظل الضرر الذي لحق بمكانتها الدولية جرّاء عدم تقدم العملية السياسية. كما أن هذه الخطوات من شأنها أن تقلص من الاحتكاكات بين إسرائيل والفلسطينيين، وستسمح بخطوات دبلوماسية أحادية الطرف من أجل فرض النظام والتقليل من احتمالات التصعيد وانفجار أعمال العنف.

·       ويجب أن تجري هذه الخطوات على مسارين متوازيين: المسار الإسرائيلي - الفلسطيني؛ ومسار إسرائيل - الدول العربية المعتدلة. وللمسار الثاني أهمية أساسية على الصعيد الإقليمي، سواء بالنسبة إلى التأثير وتأييد الخطوات الفلسطينية، أو على صعيد الحصول على التأييد الشعبي داخل إسرائيل للخطوات الإسرائيلية.

·       وليس هناك ما يمنع الدول العربية لدى مناقشة مسار إسرائيل من التطرق إلى مبادرة السلام العربية العائدة لسنة 2002. فعلى الرغم من جميع التحفظات الإسرائيلية على هذه المبادرة، فإنه من المهم، وفي إطار الخطوات التنسيقية بين إسرائيل والدول العربية، أن تعلن إسرائيل رسمياً ترحيبها بمبادرة السلام العربية، وبرؤيتها للسلام في المنطقة، هذا مع التحفظ على أن تنفيذ المبادرة مشروط بالمفاوضات، ولن يكون من خلال الفرض أو الإملاء.

·       إننا نقترح على إسرائيل أن تعلن، وبصورة مستقلة عن المفاوضات مع الفلسطينيين، اعترافها بأهمية المساجد في جبل الهيكل بالنسبة إلى العالم العربي، وكذلك بالنسبة إلى إسرائيل والعالم اليهودي، وأن هذه المشكلة ليست مشكلة ثنائية فلسطينية ـ إسرائيلية.

·       وفي المقابل، يجب استغلال الهدوء الأمني النسبي الذي سيترافق مع الإجراءات التي ستتخذها السلطة الفلسطينية من أجل الوفاء بتعهداتها في إطار خريطة

الطريق في مجالَي الأمن والإدارة. فمواصلة الإصلاحات الإدارية والأمنية والاقتصادية التي تقوم بها الحكومة الفلسطينية، شرط ضروري للتقدم على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي. كما ينبغي لإسرائيل الوفاء بالتعهدات التي قطعتها في خريطة الطريق ونقل مزيد من المدن إلى السيطرة الأمنيـة الفلسطينية، ونقل المسؤولية إلى السلطة الفلسـطينية على منطقتَي ب وج، ويتعين عليها أيضاً أن تبدأ بإخلاء المواقع الاستيطانية غير القانونية، الأمر الذي يشجع على تقدم العملية السياسية وعلى تطبيق القانون في دولة إسرائيل.

·       وعلينا أن نعيد النظر في سياسة إسرائيل تجاه قطاع غزة، فمواصلة الإغلاق والحصار لا تساعد على تحسين وضع إسرائيل الأمني، وإنما تعرضها لانتقادات دولية وتزعزع شرعيتها، مع أن الحصار مفروض أيضاً من جانب المصريين.

·       إن تقدم المسارالإسرائيلي - الفلسطيني، ربما يدفع السلطة الفلسطينية إلى التخلي عن مساعيها من طرف واحد للحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية، أو إقدامها على إقامة دولة فلسطينية من طرف واحد أيضاً، الأمر الذي يتعارض مع جميع الاتفاقات الموقعة بين إسرائيل والفلسطينيين.

·       ومن المهم أن نشير هنا إلى أن خطوات محدودة من هذا النوع لدفع العملية السياسية قدماً لا تشكل مصلحة إسرائيلية فقط، لأن المواجهة الدولية بشأن المشكلة الفلسطينية ستضعف الولايات المتحدة، وستضع حلفاءها في المنطقة في وضع استراتيجي صعب للغاية في مواجهة القوى الراديكالية بقيادة إيران وأتباعها.

·       إن هذه الخطوات المقترحة لن تؤدي، في المدى القصير، إلى سلام قابل للحياة، لكنها قادرة على دفع الاستقرار الإقليمي قدماً، وتدعيم مكانة الولايات المتحدة والقوى غير الراديكالية في المنطقة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصلابة السياسية للدول العربية الحليفة للولايات المتحدة والاستقرار الإقليمي ليسا مرتبطين مطلقاً بتطلع إيران إلى امتلاك السلاح النووي، وإنما بخطر التوجهات الإيرانية نحو توسيع نطاق نفوذها في جميع الدول العربية السنية، أكان ذلك بصورة مباشرة، أم عبر أتباعها والخاضعين لوصايتها.

·       إن الاستقرار في الأنظمة العربية القريبة من الولايات المتحدة مصلحة استراتيجية بالنسبة إلى إسرائيل، ولذا، فإن الأوان قد آن لأن تتحمل إسرائيل والفلسطينيون والدول العربية الحليفة للولايات المتحدة المسؤولية، وأن يشارك الجميع بصورة فاعلة في العملية السياسية، وفي صنع الاستقرار الإقليمي.