· زادت جولة العنف الأخيرة في قطاع غزة في حدة مسألة ما هي مصلحة إسرائيل الاستراتيجية في هذه المنطقة، وما هي استراتيجية العمل الأكثر فعالية. في هذه الأثناء تجد إسرائيل نفسها وسط روتين من جولات العنف التي تفصل بينها مدة زمنية أقصر من المتوقع، مما يدل على تأكل الردع الذي أوجدته عمليات عسكرية مثل عمليتي الرصاص المسبوك وعمود سحاب.
· إن عدم وجود توافق أو إجماع واسع حيال المصلحة الإسرائيلية في قطاع غزة لا بد من أن يؤدي إلى خيبة أمل شعبية قد تتحول بدورها إلى ضغط على الحكومة الإسرائيلية كي تقوم بشيء ما. وإذا ترافق ذلك مع ضغط سياسي، فإن الحكومة قد تجد نفسها محشورة في الزاوية ومدفوعة نحو عملية عسكرية واسعة النطاق قد لا تخدم في نهاية المطاف المصلحة الاستراتيجية الشاملة.
· إن مصلحة إسرائيل الاستراتيجية في قطاع غزة هي في بقاء "حماس" العنصر الحاكم والمسيطر، والعنوان الذي يتحمل المسؤولية عما يجري، ولو بشكل غير رسمي، ولكن في الوقت عينه، يجب أن تظل "حماس" مردوعة وضعيفة من الناحية العسكرية. والمفارقة تكمن في الازدواجية المطلوبة في السلوك الإسرائيلي: فمن جهة، من أجل إبقاء "حماس" العنصر الحاكم المسيطر، يجب التعاون إلى أقصى حد معها في المجالين الاقتصادي والمدني وعلى صعيد البنى التحتية كي تستطيع "حماس" تأمين حاجات السكان المحليين وتنال منهم الشرعية. وفي الوقت عينه، يجب ايجاد التوازن الصحيح بشأن كل ما يتعلق بالمس بقدرة "حماس" العسكرية وعتادها العسكري، وضرب مصالحها الحيوية في كل مرة يجري فيها خرق ما هو قائم، وذلك من أجل المحافظة على الردع وتعزيزه. وحتى اليوم، نجحت إسرائيل في هذا التوازن المطلوب والمعقد، مع أن الجولة الأخيرة كانت مختلفة في حجمها وخرجت عن القواعد المشروعة للعبة في نظر إسرائيل.
· في المقابل، فإن من المطلوب أيضاً تفهم إسرائيلي للواقع الغزاوي، حيث ينشط أكثر من لاعب إلى جانب "حماس" ويزداد عدد اللاعبين مع الوقت وجميعهم يتطلعون إلى زعزعة موقع "حماس". ومن هذا المنظور تواجه الحركة تحدياً داخلياً يحول إسرائيل إلى حليف رغماً عنها، إذ توجد مصلحة واضحة لإسرائيل في إضعاف خصوم "حماس" الذين تدفعهم معارضتهم لـ"حماس" إلى العمل ضد إسرائيل بواسطة الارهاب الصاروخي.
· في ظل هذا الواقع المعقد الذي تعمل فيه إسرائيل، لا وجود لخيارات جيدة في مواجهة خيارات سيئة. ويتعين على إسرائيل الاختيار بين خيارات إشكالية وتبين الخيارات الأقل سوءاً عن غيرها. من هنا، يمكن القول إن الدعوة إلى احتلال القطاع وتطهيره من خلايا الإرهاب، ومن ثمّ التفكير بالطرف الذي ستنتقل إليه السيطرة على القطاع، تكشف عن جهل بالعناصر الاستراتيجية التي تميز هذه الساحة.
· إن التصعيد في قطاع غزة وإسقاط سلطة "حماس" لا يخدمان العملية السياسية، ويضعان إسرائيل في مواجهة تحديات أكثر تعقيداً بكثير. ومن الصعب أن نرى عودة السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية إلى قطاع غزة على "حراب الجيش الإسرائيلي"، هذا إلى جانب الحقيقة الأساسية بأن السلطة و"فتح" لا تملكان قاعدة شرعية وتأييداً واسعاً من أجل العمل في القطاع وإدارته بمنطق سياسي - أي من خلال احتكار استخدام القوة. كما أن إعادة ربط قطاع غزة بيهودا والسامرة [الضفة الغربية] في هذا الوقت، معناه زيادة تعقيد الواقع الراهن.
· إن التحدي الذي تواجهه إسرائيل في هذه الأيام يزداد تعقيداً بعد حظر مصر حركة "حماس"، الأمر الذي ستكون له انعكاساته على قدرة الحركة على التصرف كسلطة يمكن أن تنجح في تأمين حاجات مواطنيها. لكن هذه الصعوبة يمكن أن تتحول إلى نوع من فرصة من أجل زيادة المساعدة المدنية [الإسرائيلية] لقطاع غزة وتمكين "حماس" من تعزيز قبضتها على القطاع وفرض إرادتها على التنظيمات المارقة. قد يكون هناك من يرى في هذه الخطوات ابتعاداً عن فكرة الانفصال عن قطاع غزة، لكن سبق أن قلنا إن الخيارات المتاحة أمام إسرائيل ليست بين الجيد والسيئ.