· يمكن القول إن العبوات الناسفة التي تم زرعها الأسبوع الفائت بالقرب من السياج الحدودي بين إسرائيل وسورية [في هضبة الجولان] كانت وليدة الهجوم الأخير على قافلة الأسلحة التي كانت في طريقها إلى حزب الله وجرى تحميل إسرائيل المسؤولية عنه في وسائل الإعلام الأجنبية.
· ووفقاً لتقديرات متطابقة، فإن حزب الله ردّ هذه المرة من منطقة الحـدود مع سورية، ولم يتأخر رد إسرائيل الذي تمثل بهجوم ضد القوات التابعة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد اتسم بطابع ردعي.
· ومع ذلك فإن أحداثاً من هذا القبيل من شأنها أن تدفع إسرائيل نحو منزلق خطر يمكن أن تكون نهايته الانجرار إلى الحرب الأهلية الدامية الدائرة في سورية، وتحوّل خط الحدود في هضبة الجولان الذي كان هادئاً على مدى أربعين عاماً إلى خط صاخب وعنيف.
· إن محاربة إسرائيل عمليات تهريب أسلحة [إلى حزب الله] يجب أن تستمر، وهي بمثابة استثمار للمدى البعيد على صعيد حماية حياة الكثير من السكان الإسرائيليين. غير أنه مثل أي استثمار ينطوي أيضاً على قدر من المجازفة. ولا شك في أن إسرائيل لديها وسائل متعددة تتيح لقادتها إمكان المرونة عند اختيار طريقة العمل، بصورة تتيح للجانب الآخر أيضاً إمكان أن يبقى في مجال يسمح له أن ينفي أنه تعرّض للاعتداء وأن يمتنع عن دهورة الوضع إلى ما لا يُحمد عقباه.
· لقد قدمت محاربة عمليات تهريب الأسلحة في الفترة القصيرة الفائتة نموذجين مغايرين: الأول، نموذج السيطرة على سفينة الأسلحة الإيرانية "كلوز سي" التي تستلزم في الظاهر التعامل مع إيران وسورية؛ والثاني، نموذج الهجوم على قافلة الأسلحة لحزب الله المنسوب إلى إسرائيل في منطقة الحدود السورية - اللبنانية. وكلتاهما عمليتان صاخبتان من الصعب إخفاؤهما. غير أنه في الوقت الذي بقيت فيه عملية السيطرة على سفينة الأسلحة المرتبطة ظاهرياً بسورية وإيران في حدود مجال نفي هاتين الدولتين، فإن الهجوم على قافلة حزب الله كانت قصة أخرى، وذلك لكون هذا الحزب منظمة "إرهابية" يعتمد وجودها على فكرة مقاومة إسرائيل، وهي ملزمة بالرد حفاظاً على هذه الفكرة، ونماذج الماضي تثبت هذا.
· بناء على ذلك، فإن نتائج العمليات المنسوبة إلى إسرائيل تجسّد حاجة قيادة الجيش والدولة إلى اختيار الوسيلة السليمة في كل مرة، مع ضرورة مراعاة قدرة الجانب الآخر على النفي توخياً لتقليص الخطر.
· أما الهجوم على أهداف في سورية رداً على زرع العبوات الناسفة فيبدو منطقياً من الناحية الظاهرية. فالعبوات زرعت في منطقة الحدود، والأسد تعاون مع من زرعوها، وبالتالي يجب معاقبته كي نردعه. غير أن هذه خطوة كما أسلفنا تنطوي على مجازفة كبيرة من شأنها أن تجرّ إسرائيل رغماً عن أنفها إلى التدخل في الحرب الأهلية في سورية. كما أنه من الصعب الافتراض بأنها ستردع الأسد، ولذا من غير المتوقع أن تحقق الهدف.
· إذا كان ممكناً ردع الأسد فيجب ردعه عن نقل السلاح إلى حزب الله والامتناع مسبقاً عن كل المواجهات المتعلقة بعمليات تهريب السلاح. وقد تم في الماضي تمرير رسائل في هذا الشأن إلى الأسد لكنه حبّذ تجاهلها.
إن الرئيس الأسد يصارع من أجل الحفاظ على نظامه منذ أكثر من ثلاثة أعوام. وعدم قدرته على إلحاق الهزيمة بالمتمردين أدى به إلى إقامة تحالف دموي مع إيران وحزب الله وروسيا. وعلى ما يبدو، فإنه فقد استقلاله، وبات يعمل أولاً وقبل أي شيء من أجل بقائه. وفي ضوء ذلك، فإن رسائل الردع أو الهجمات على جيشه لن تؤدي إلى ردعه لكونه يعمل تحت تأثير إيران وحزب الله ويخضع لرحمتهما.