· كان ينبغي على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن يقيل وزير الدفاع موشيه يعلون من منصبه من جراء الفظاظة والاستفزاز ونُكران الجميل الذي لا يُحتمل إزاء الولايات المتحدة. وعلى الأقل، كان ينبغي على رئيس الحكومة أن يشجب أقوال يعلون وأن يطالبه بالانضباط.
· ولكن الأمر الأكيد هو أن نتنياهو لن يقيل يعلون لاعتبارات سياسية، ولأنه في الثقافة السياسية السائدة في إسرائيل الآن، حلّ التسيب والثرثرة والتبجّح محل المسؤولية والانضباط ورجاحة العقل. كما أن نتنياهو لن يشجب أقوال وزير الدفاع لأنه هو أيضاً يفكر مثله، وهو الذي يتحمل المسؤولية المباشرة عن إرخاء العنان لحملة الانفلات عديمة المسؤولية حيال الولايات المتحدة من خلال سلسلة مناوشات لا لزوم لها مع الرئيس الأميركي باراك أوباما منذ سنة 2009.
· لا شك في أن يعلون شخص مستقيم، وجندي شجاع، ووطني إسرائيلي بامتياز. غير أن ما يبرّر إقالته في هذه الحالة هو انعدام وجود فهم أساسي وجذري لديه لعمق ومعنى العلاقات الإسرائيلية - الأميركية ومقدار مركزيتها التي لا بديل منها في كل ما يتعلق بأمن إسرائيل القومي.
· والأمر الأكيد أنه في الوقت الذي تعيد فيه الولايات المتحدة النظر في جملة علاقاتها الخارجية، فإن إسرائيل لديها مصلحة واضحة في أن تبقى هذه القوة العظمى مشاركة وقوية في منطقة الشرق الأوسط لا منفصلة عنها.
· دائماً كانت هناك خلافات بين إسرائيل والولايات المتحدة، لكن لم يسبق قطّ أن تجرأ وزير دفاع إسرائيلي على أن يهين بشكل شخصي وزير خارجية أميركي، وبعد ذلك بعدة أسابيع أن ينتقد عموم السياسة الخارجية الأميركية ويقول إنها تعكس ضعفاً وتؤدي إلى إضعاف حلفائها.
· إن وزير الدفاع في إسرائيل لا يحصل من الولايات المتحدة فقط على مساعدات عسكرية بحجم 3 مليارات دولار سنوياً، وعلى استعمال حق النقض [الفيتو] بصورة متكررة في مجلس الأمن الدولي، وعلى منظومة "القبة الحديدية" والقدرة على الوصول إلى التكنولوجيات الأكثر تطوراً، وعلى تعاون استخباراتي، بل يتبين أيضاً أنه يعتبر نفسه بمثابة مراقب داخلي للإدارة الأميركية في موضوع السياسة الخارجية. وهذه المرة، فإن يعلون لم يهن وزير الخارجية الأميركية فحسب، وإنما أيضاً أساء بصورة مباشرة إلى الولايات المتحدة، وإلى قدرتها على أن تظهر قوية في ذروة الأزمة في أوكرانيا، من خلال إثارة الانطباع بأن الولايات المتحدة لا تمتلك أدنى تأثير لها على حلفائها.
لا شك في أن الولايات المتحدة لن تمرّ على هذا مرور الكرام. صحيح أن المساعدات لن تلغى، وأن الطيارين سيواصلون التدرب، وأن نقل المعلومات الاستخباراتية سيستمر، لكن وزير الدفاع الإسرائيلي سيعتبر من الآن فصاعداً شخصاً لا يمكن الاعتماد عليه. وسيكون لهذا تأثير حقيقي على مدى الاستعداد الأميركي للاستماع بجدية إلى ما تفكر به إسرائيل ووزير دفاعها، إزاء موضوعات حيوية مثل إيران أو الموضوع الفلسطيني.