· أثار كشف قناة الجزيرة عن وثائق المفاوضات التي أجراها الفلسطينيون [ مع حكومة إيهود أولمرت] العديد من ردود الفعل في إسرائيل. فكان هناك من رأى في تفاصيل المفاوضات التي جرى الكشف عنها دليلاً إضافياً على فشل مفاوضات السلام، في حين رأى فيها البعض الآخر تضيعاً لفرصة كبيرة كان يمكن من خلالها التوصل إلى تسوية.
· لكن الفرصة الحقيقية التي ربما ضيعناها موجودة تحديداً في الأقوال المأخوذة من الوثائق التي سجلت ما دار في اجتماع جرى بين أبو مازن وأولمرت بشأن موضوع اللاجئين الفلسطينيين، والذي قال فيه الرئيس الفلسطيني: "إنه من غير المنطقي أن نطلب من إسرائيل استيعاب خمسة ملايين لاجىء، ولا حتى مليون لاجىء، لأن ذلك معناه نهاية دولة إسرائيل."
· إن المغزى العملي لهذا الكلام أن الفلسطينيين قد اعترفوا خلال محادثات رسمية بالطابع اليهودي لدولة إسرائيل، وبحاجتها إلى أغلبية يهودية من أجل ضمان المحافظة على هذا الطابع.
· منذ بداية ولايته، وضع نتنياهو المطالبة باعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية شرطاً مسبقاً للمفاوضات السياسية. وهو لم يكتف بتبني منظمة التحرير في اعلان الجزائر سنة 1988 قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة والذي يعترف بإسرائيل "كدولة يهودية". كما لم يقتنع بأن مثل هذا الاعترف يجب أن يكون متبادلاً، وأن يشكل جزءاً من صفقة ورزمة شاملة على اتفاق دائم، مثل الاتفاق الذي اقترحته مبادرة جنيف سنة 2003.
· لماذا سمح رئيس الحكومة لنفسه بتجاهل اعتراف أبو مازن عملياً De Facto)) بالحاجة إلى الحفاظ على يهودية إسرائيل، وما يستتبع ذلك من تنازل عن عودة ملايين اللاجئين إلى إسرائيل؟ ولماذ اختارت وسائل الإعلام التركيز على الخلافات التي برزت بين أولمرت وأبو مازن بشأن أعداد اللاجئين الذين ستستوعبهم إسرائيل، كبادرة حسن نية، بدلاً من التركيز على الدلالة الأشمل لكلام أبو مازن؟
· قد يكون السبب في أن هذا الكلام لم يؤخذ بعين الاعتبار، هو أن أبو مازن قاله داخل غرف مغلقة مستخدماً اللغة الإنكليزية وليس العربية، أو أنه قد يكون قاله من دون أن يقصده ومن طريق الخطأً. من هنا مواصلة الاصرار على أن يصّرح أبو مازن أمام العالم أجمع أن إسرائيل دولة يهودية إلى أبد الآبدين.
· إن الاحتمال الأكثر منطقية والأكثر إثارة للقلق، أن تكون المطالبة العقيمة بالإعتراف بإسرائيل دولة يهودية ليست أكثر من دعاية إعلامية ناجحة تهدف إلى التخلص من العقبة التي تعترض طريق رئيس الحكومة، والتي هي المفاوضات السياسية، كي يربح الوقت والهدوء ويتفرغ إلى مشاغله الائتلافية، ومعاركه الشخصية مع وزير الخارجية ومع إيهود باراك.
· والآن بعد الجواب الفلسطيني المهم على هذه الواجهة الإسرائيلية، حان دور رئيس الحكومة كي يقدم بعض الإجابات الحقيقية التي تمس جوهر الموضوع، مثل ما هي التنازلات الإقليمية التي هو مستعد لتقديمها، وما هو الحل الذي يقترحه بالنسبة إلى مدينة القدس. وعندما يجيب على هذه الأسئلة سيكون في الإمكان التقدم نحو الحل.