الشرق الأوسط في مواجهة الإعصار
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

·       تشير الأزمة في مصر إلى أن الشرق الأوسط يتوجه نحو أعاصير، سيكون لها انعكاساتها المهمة على السياسة الإسرائيلية.

·       كانت مصر تبدو مستقرة، لكن هذا كان وهماً مصدره النظرة السطحية إلى الأمور، لأن الفحص العميق للمجتمع المصري كان سيكشف لنا أن النظام في مصر غير مستقر، وأن هناك احتمالاً كبيراً لحدوث "انفجار"، بسبب زيادة عدد الشبان العاطلين عن العمل، والإحباط الذي تعانيه الطبقة الوسطى، والسياسة الاقتصادية السيئة، والسلوك الاستفزازي للرئيس المصري الذي كان يسعى لتوريث ابنه.

·       يفرض علينا الفشل الاستخباراتي في تقويم الوضع في مصر والإخفاقات الأخرى، إصلاحاً داخلياً وجذرياً للأجهزة الاستخباراتية، مع التشديد على تطوير القدرة على فهم الأحداث في العمق، وما تحمله من أعاصير مرتقبة.

·       تدحض الدراسة المتعمقة لما يجري كل "البديهيات" بشأن نفوذ القوى العظمى. فهذه القوى لا تستطيع منع وقوع الأعاصير، وحتى التدخل العسكري الواسع مثلما حدث في العراق لن يؤدي إلى التهدئة. من هنا، نرى الدول العظمى، بدلاً من محاولة بلورة الوقائع على الأرض [بما يخدم مصالحها]، مرغمة على التأقلم وفقها، حتى لو فرض عليها ذلك التخلي عن "صديق"، مثل مبارك. ومغزى هذا الدرس القاسي أن التأييد الأميركي لإسرائيل في المدى البعيد ليس أمراً بديهياً، وهذا ما يفرض على الأخيرة أن تعمل جاهدة للحفاظ على وجودها ولتعزيز قوتها.

·       لكن من جهة أخرى، فإن الأعاصير التي تعصف بالمنطقة تزيد في الأهمية الجيو - استراتيجية لدولة مستقرة وديمقراطية وقوية مثل إسرائيل، في منطقة لها أهميتها العالمية. فعلى سبيل المثال، تستطيع إسرائيل في أوقات الأزمات المساهمة في ضمان تدفق النفط الذي تحتاج إليه أوروبا. من هنا، على إسرائيل تدعيم مكانتها الدولية بناء على هذه الحقائق، مع التشديد على أن النزاع العربي - الإسرائيلي لا يشكل السبب الأساسي في عدم الاستقرار في المنطقة.

·       تثبت الأحداث التي تمر بها المنطقة أن قوة "الشارع" تزداد، الأمر الذي يبشر بصعود أطراف جديدة إلى السلطة. وبالتالي، فإن الاستعدادات الإسرائيلية لمواجهة الوضع الجديد يجب أن تعمل على التخفيف من عداء الجماهير لها، وذلك عبر التوجه إلى الشباب في الدول العربية من خلال وسائل الاتصال الاجتماعي وقنوات أخرى، مع التأكيد على تطلع إسرائيل إلى السلام، وقدرتها على المساهمة في تحقيق تقدم المنطقة اجتماعياً واقتصادياً. كما أن من شأن جمع إسرائيل بين الديمقراطية وقوة المؤسسة الدينية، أن يقدم صورة إيجابية لها في الدول الإسلامية.

·       إن القيام بتغييرات في السياسة الداخلية الإسرائيلية، التي هي مهمة بحد ذاتها، سيساهم في دعم موقع إسرائيل في العالم الإسلامي - العربي. إننا مضطرون إلى دمج الأقليات في المجتمع على أساس المساواة، ودعم التعليم العربي في المدارس، والتزام الاحترام في الكلام عن الإسلام.

·       يشكل المسلمون 23% من سكان العالم، وعددهم آخذ في الازدياد. في المقابل تبلغ نسبة اليهود 0,2% وعددهم آخذ في التناقص. وعلى الرغم من الأهمية المحدود لهذه الأرقام، فإن الديموغرافيا عنصر مهم في تحديد عناصر القوة في المدى البعيد. إن حالة عدم الاستقرار في عدد من الدول الإسلامية يجعل من الضروري وضع استراتيجيا إسرائيلية عليا تساهم فيها الجوالي اليهودية في الشتات، وتهدف إلى تعزيز الأواصر مع العالم الإسلامي. كما يجب بذل الجهود من أجل تحسين العلاقات مع تركيا، التي تتحمل إسرائيل مسؤولية فعلية عن تدهورها.

·       ويجب أن تنسجم السياسة الأمنية في إسرائيل مع الجوهر الجديد لهذه الأعاصير، وعلينا ألا نستبعد مواجهة حربية واسعة النطاق. من هنا ضرورة تعزيز الردع، بحيث يكون واضحاً للطرف الآخر أن من يشن حرباً على إسرائيل سيسحق هو ومَن يقدم المساعدة له. وفي الوقت نفسه، يجب تطوير قدرات غير فتاكة من أجل احتواء عدوانية جماهير غاضبة والتصدي لها.

·       في الخلاصة، إن أهم الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من التدقيق العميق في دينامية التغيير في الشرق الأوسط وغربي آسيا هي تلك المتعلقة بالعملية السلمية، إذ لا يمكن الاعتماد على ثبات اتفاقات سلام محلية في بيئة تتجه نحو التغييرات السريعة. والمطلوب بدلاً من ذلك هو "كتلة حرجة" من اتفاقات السلام تقلص توجيه الطاقة الكامنة في الأعاصير ضد إسرائيل. ولهذا الغرض على دولة إسرائيل التقدم نحو اتفاق شرق أوسطي شامل، يشمل دولة فلسطينية، وانسحابات إسرائيلية، وتسوية موضوع اللاجئين، وإعطاء الأطراف الإسلامية مكانة خاصة في الحوض المقدس، والسعي إلى تطبيع علاقات إسرائيل مع أغلبية الدول العربية والإسلامية. إن هذا لن يمنع الأعاصير، ولكن سنضمن عدم توجيه طاقتها ضد إسرائيل.

·       قبل الأحداث في مصر وتونس، كان هناك حاجة إلى إعادة التفكير في أسس السياسة الإسرائيلية. لكن بعد حدوثها تحول هذا من أمر مرغوب فيه إلى أمر يجب القيام به فوراً.