· إن الهدوء النسبي الذي تنعم به إسرائيل ويتناقض تماماً مع الاضطربات العنيفة التي تسود في الدول المجاورة لها، يثير غيظ أعداء إسرائيل في الجنوب والشمال، من الذين يرغبون في تغيير هذا الوضع وجر إسرائيل إلى دائرة العنف على أمل أن يساعدهم ذلك في تحويل الانتقادات العنيفة الموجهة إليهم من جراء أعمالهم وإخفاقاتهم. وضمن هذا المنظور يتعين علينا دراسة الأحداث الأخيرة في غزة ولبنان وسورية.
· في الجنوب شاهدت حركة الجهاد الإسلامي، حليف إيران، كيف جرى الاستيلاء على شحنات الصواريخ البعيدة المدى التي كانت مرسلة إليها بهدف تعزيز قدرتها على مهاجمة عمق إسرائيل. وقد أضيف إلى ذلك مقتل ثلاثة من أعضائها أثناء محاولتهم إطلاق النار على دورية إسرائيلية كانت تمر بالقرب من الحدود مع غزة. ودفع الشعور بالإحباط هذا التنظيم إلى إطلاق صليات من الصواريخ في اتجاه إسرائيل، لكنه اضطر إلى التوقف عن ذلك في أعقاب الرد الإسرائيلي المركز، ونتيجة الضغوط التي مارستها عليه مصر وحركة "حماس".
· في المقابل، منعت "حماس" سائر التنظيمات- ولا سيما السلفيين الجهاديين الذين يعملون باستمرار لتقويض سياسة ضبط النفس التي تنتهجها الحركة – من المشاركة في إطلاق الصواريخ وتصعيد المواجهة الدائرة. ولحركة "حماس" أسباب خاصة بها تمنعها من الانجرار إلى المواجهة مع إسرائيل، لا علاقة لها بالضرورة بتصريحات وزير الخارجية ليبرمان التي قال فيها إن على إسرائيل احتلال غزة إذا استمر إطلاق الصورايخ، ولكنها تتعلق بوضعها الاستراتيجي الداخلي والخارجي.
· تواجه "حماس" اليوم مجموعة من التحديات تعتبر الأصعب منذ سيطرتها بالقوة العسكرية على القطاع. وعلى عكس التفاؤل الذي ساد لدى قيادة "حماس" بعد وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر، فإن علاقة الحركة بالحكم المصري الحالي تعاني أزمة حادة. فقد أعلنت السلطات المصرية حظر حركة "حماس" واعتبارها تنظيماً إرهابياً، ويعمل الجيش المصري على تدمير الانفاق التي تربط غزة بسيناء بصورة ممنهجة. ومن المعلوم أن هذه الأنفاق لا تشكل فقط القناة الأساسية لتهريب السلاح إلى القطاع، فهي تشكل أيضاً شرياناً اقتصادياً مهماً، ومصدراً أساسياً لمداخليها.
· إن هذه المواجهة مع النظام المصري هي إلى حد كبير، السبب في الأزمة الاقتصادية الحادة في القطاع. ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن علاقات "حماس" بتركيا ودول الخليج التي قدمت لها الدعم السياسي والاقتصادي، لم تعد كما كانت عليه من قبل، إذ يخوض إردوغان صراعات سياسية داخلية صعبة ولم يعد متفرغاً لمساعدة "حماس"، أما السعودية والإمارات الخليجية فمشغولة بالحرب على حركة الإخوان المسلمين وتعتبرها متآمرة على الأنظمة الحاكمة فيها.
· وفي الشمال نجد حزب الله يغرق في القتال في سورية ويدفع ثمناً باهظاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فنحو ربع قواته يشارك في القتال على أرض غريبة. وبرغم كل الجهود الدعائية التي يبذلها قادة الحزب، إلا أنهم لا يستطيعون أن يصوروا هذه الحرب على أنها حرب دفاعية. وقد خسر الحزب المئات من مقاتليه وأصبح يعاني من مشكلات خطيرة تتعلق بصورته داخل لبنان وفي العالم العربي بسبب دعمه نظام بشار الأسد الدموي. وانتقلت المواجهات الجبهوية مع تنظيمات الجهاد السلفية من سورية إلى المدن اللبنانية وأشعلت مواجهة شيعية - سنية تبدو نتائجها واضحة وسط مؤيدي الحزب من الطائفة الشيعية الذين يدفعون ثمناً دموياً من جراء الهجمات الإرهابية التي يقوم بها أتباع الجهاد الإسلامي سواء عبر إطلاق الصواريخ والقذائف، أو من خلال إرسال انتحاريين إلى الأحياء الشيعية في سهل البقاع وبيروت. وبدت محاولات حزب الله في اتهام إسرائيل بأنها تقف وراء هذه الهجمات محاولات يائسة من جانب نصر الله في الدفاع عن سياسة من الصعب الدفاع عنها.
· يسعى حزب الله من خلال عملياته الأخيرة في سورية ولبنان إلى ردع إسرائيل عن مهاجمته، والتلميح إليها أنه برغم غرقه في القتال في سورية، فإنه لا يزال قادراً على مهاجمتها على حدودها مع لبنان وسورية في آن معاً. وبذلك يحاول المحافظة على صورته بوصفه المدافع عن لبنان.
· إن سياسة مدروسة ومركزة ومحدودة تقوم على توجيه ضربة فورية من جانب إسرائيل إلى من يهاجمها، أفضل من التصريحات العلنية بشأن احتلال أراض وفرض النظام على أرض غريبة. ويصح هذا أيضاً في مواجهة التحديات التي من المنتظر أن تواجهها إسرائيل من جانب أعدائها بمن فيهم أعداء لا دخل لهم في الأحداث الأخيرة، مثل تنظيمات الجهاد العالمي في سورية وسيناء الذين ينتظرون الفرصة لمهاجمة إسرائيل والدخول في مواجهة شاملة معها.