زيارة الرئيس أوباما والسياسات الأميركية في الشرق الأوسط
المصدر
مركز موشيه دايان للأبحاث شرق الأوسطية والأفريقية

تأسس في سنة 1959 بالتعاون مع جامعة تل أبيب. وهو مركز متعدد المجالات، ينشر دراسات تتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، كما يُعنى بالموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية والدول الأفريقية. ولدى المركز أهم مكتبة للمصادر العربية من كتب ومجلات وصحف. وتصدر عن المركز سلسلة كتب مهمة في مختلف المجالات، ولديه برامج تدريب ومنح أكاديمية.

– "تسومت مزراح هتيخون"، المجلد 7، عدد خاص رقم 2
المؤلف

·       إن زيارة الرئيس أوباما لإسرائيل والمنطقة في بداية ولايته الثانية تمنحنا مسوّغاً لإجراء تقويم مرحلي للسياسة الخارجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. وترتدي زيارة أوباما في هذا التوقيت بالذات أهمية استثنائية، ولا سيما في ضوء تساؤلات حلفاء الولايات المتحدة بشأن استعداد الإدارة الأميركية للعمل بحزم على مواجهة التحديات التي تطرحها البيئة الجيوسياسية المتغيرة لمنطقة الشرق الأوسط. وتوحي الزيارة بأنها ترمي إلى تطبيق جزء من العبر المستخلصة من فترة ولاية أوباما الأولى، وإلى تقديم مخطط أكثر واقعية وجدية لمعالجة القضايا التي تهمّ حلفاء الإدارة في المنطقة وتمسّ مكانة الولايات المتحدة الأميركية وهيبتها.

·       ولا شك في أن استئناف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية هو أحد الأسباب لزيارة أوباما منطقة الشرق الأوسط. لكن، على نقيض زيارته للمنطقة في مستهل ولايته الأولى، فإنه يبدو أن رجال الإدارة حريصون على خفض التوقعات، وعلى إيضاح أنه ليس في جعبتهم حلّ سحري أو مشروع سلام جديد. فقد استثمرت الإدارة الأميركية كثيراً ـ مادياً ومعنوياً ـ لدعم السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة عرفات ثم أبو مازن، ولديها مخاوف جدية من أن تضيع هذه الاستثمارات هباء، في ضوء التطورات الأخيرة داخل السلطة الفلسطينية، وفي غياب أي مسار سياسي. وتهدف الزيارة، من جملة ما تهدف، إلى القول لأبو مازن إن الولايات المتحدة لا تزال تعتبره هو، وليس حركة "حماس"، عنصراً رئيسياً، وذلك كي تضمن عدم تراجع رصيده [السياسي والشعبي] أمام حركة "حماس". وعليه، فإن جدول أعمال زيارة أوباما يتضمن مقاربة من خطوتين: استرداد مكانة أبو مازن وتحريك عملية السلام في المنطقة. وعلى هذا الصعيد، سيركز أوباما على إنجاز تفاهمات تهدف إلى كبح مشاريع البناء في المستوطنات في مقابل استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. ومن هذه الزاوية يمكن رؤية زيارة أوباما كمحاولة إضافية لإنقاذ أحد ثوابت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، بدءاً من اتفاق أوسلو، وصولاً إلى الهدف المنشود، وهو إقامة دولتين لشعبين بطرق سلمية.

·       غير أن استئناف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية ليس السبب الوحيد لقدوم أوباما إلى منطقة الشرق الأوسط. فالمسألة الثانية التي ستناقش خلال الزيارة هي برنامج إيران النووي. فعلى الرئيس باراك أوباما أن يثبت، في بداية ولايته الثانية، مدى التزامه كبح جماح إيران في سباق التسلح النووي، لأن فشل جولة المفاوضات في كازاخستان [بين إيران ومجموعة الخمسة +1] في الشهر الماضي من جهة، والتجربة النووية التي أجرتها بيونغ يانغ [كوريا الشمالية] وتهديداتها [بالقيام بأعمال عسكرية]من جهة أُخرى، يقلصان نافذة الفرص الدبلوماسية، ويجعلان احتواء برنامج إيران النووي خياراً أقل معقولية. فحصول إيران على القنبلة النووية كابوس يقضّ مضاجع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة أجمعين، بمَن فيهم المملكة العربية السعودية، ودول الخليج، وتركيا، وإسرائيل طبعاً. ومن هنا، فإن النقد الذي وجّهه وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، إلى طريقة إدارة الأميركيين للمفاوضات التي تتناول برنامج إيران النووي، وقوله: "إننا نرغب بوضع حد للمشكلة وليس باحتوائها"[1]، يعكسان مستوى القلق المتزايد لحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، وازدياد علامات الاستفهام إزاء إرادة الولايات المتحدة وقدرتها على القيام بحزم بما هو مطلوب في هذا الصعيد.

·       ولا تزال إدارة أوباما على موقفها المتمثل في أن مسألة برنامج إيران النووي يمكن أن تُحل بوسائل دبلوماسية، مع مواصلة التشديد على "أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة." وهناك إشارة مهمة تدل على إدراك الإدارة الأميركية ضرورة التشدد في موقفها من المسألة النووية، والتي تجلّت في تصريح أوباما الأخير الذي جاء فيه: "ستكون إيران بحاجة إلى عام ونيف، لتطوير سلاح نووي، لكن الولايات المتحدة الأميركية لا تريد الانتظار حتى اللحظة الأخيرة، وستلجأ إلى جميع الخيارات لمنعها من تحقيق ذلك."[2] واستخدام الرئيس الأميركي لمعيار الزمن ليس من سماته المعهودة (فقد رفض قبل شهرين الاستجابة لطلب نتنياهو تحديد جدول زمني في هذا الشأن)، ويرمي إلى القول إلى جميع المعنيين، وخصوصاً إسرائيل، إن لدى الإدارة الأميركية مخطط عمل قائماً، وهو يتطلب التنسيق والتعاون فيما بين الحلفاء.

·       لكن على الرغم من أهمية عملية السلام وبرنامج إيران النووي، فإن زيارة أوباما لمنطقة اقتضتها بالأساس نتائج تطورات "الربيع العربي". ففي التاريخ المعاصر للشرق الأوسط فشل الغرب أكثر من مرة عندما كان يقف أمام مفترق طرق إشكالي كان عليه فيه أن يختار بين مصالحه الجيوسياسية، أو التزامه القيم الأساسية الغربية. وبهذا المعنى، ساهم "الربيع العربي" في شحذ التوتر بين المصالح القومية والأمنية للولايات المتحدة في المنطقة من جهة، وبين إرادة تعزيز مبادئ التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان من جهة ثانية. ونجم عن ذلك سياسة أميركية تعاني عدم الانتظام وعدم الانسجام. فمنذ اندلاع الربيع العربي لا توجد استراتيجية أميركية متماسكة في الشرق الأوسط. فقد كان الأميركيون أول مَن أيّدوا الثورتين المصرية والتونسية، معربين عن أملهم بقيام مجتمعات أكثر تعددية وديمقراطية. بيد أن صعود أحزاب الإسلام السياسي في هاتين الدولتين، والصراع الشديد الدائر فيهما بين المطالبين بسيادة الشعب والمطالبين بسيادة الدين، كشفا عن ازداوجية السياسة الأميركية تجاههما. وفي محاولة لمواجهة التطورات في كل من مصر وتونس، أوضحت إدارة أوباما أن طريقة تصرّف الأحزاب السياسية على اختلافها سيكون، من وجهة نظر الإدارة، أكثر أهمية من عقيدتها الأيديولوجية. وعبّرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن ذلك بقولها: "إن كيفية تعريف الأحزاب نفسها لا تهمّنا بقدر ما تهمّنا أفعالها."[3]

·       لكن ما هو أخطر من أنظمة ما بعد الثورة التي صعدت في أعقاب الربيع العربي، هو الحرب الدموية الدائرة في سورية، والتي طرحت على الأميركيين سلسلة من التحديات. إن أحد المبادئ السياسية لإدارة أوباما هو تقليص وجود القوات المسلحة الأميركية في المنطقة (العراق وأفغانستان)، أو "القيادة من الخلف" على غرار التدخل الثانوي في الأزمة الليبية (leading from behind). فوفقاً لهذا المبدأ، تبنّى الأميركيون سياسة "الوقوف على الحياد"، في الحالة السورية. بيد أنهم بدأوا يدركون، في مطلع سنة 2013، أن ارتفاع منسوب الدم في سورية يؤدي إلى زيادة تآكل مكانتهم ومصالحهم في المنطقة. فقد أوجدت الأزمة السورية واقعاً مناقضاً تماماً للقيم التي حاولت الإدارة الأميركية إرساءها، وللمصالح التي أرادت الحفاظ عليها في المنطقة في العقود الأخيرة، وهي: تحقيق الاستقرار في المنطقة؛ التصدي للدول الداعمة للإرهاب؛ منع انتشار أسلحة الدمار الشامل؛ دعم منظمات حقوق الإنسان.

·       في مطلع سنة 2013، أصبح واضحاً للأميركيين أن عليهم تحريك مسارات تحقق الاستقرار، ولو بصورة حزئية فقط، في سورية التي تفكّكت إلى مناطق واقعة تحت سيطرة مراكز قوة متعددة. فقد نشأت في سورية ومحيطها صورة جيوسياسية مائعة وخطرة من وجهة نظر حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة ـ انضمام قوى إسلامية متشددة إلى معسكر المتمردين؛ صدامات بين السنّة والشيعة في أرجاء الهلال الخصيب؛ رزوح المملكة الهاشمية الأردنية تحت عبء النازحين السوريين. ولم تتردد هذه الدول (السعودية أساساً، ودول الخليج، وتركيا والأردن) في توجيه الانتقادات إلى الأميركيين، زاعمة أن الواقع الناشئ هو، إلى حد كبير، نتيجة السياسة الانعزالية الأميركية وانسحاب إدارة أوباما من المنطقة. وما التساؤل بشأن هل يجب تقديم أسلحة ثقيلة إلى المتمردين سوى مسألة من المسائل التي تدل، من وجهة نظر إدارة أوباما، على تعقيدات المسألة السورية وتفجّرها. وتدرك الإدارة أن اجتياح الأراضي السورية ليس مطروحاً، وأنها مطالبة بسياسة مركّبة ومبنية على جهد جماعي، لوجستي واستخباراتي وعسكري، يكون ثمرة التعاون مع حلفائها في المنطقة.

·       إن زيارة الرئيس الأميركي لإسرائيل والمنطقة ترمي بالتالي إلى طمأنة الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة. وهي تهدف إلى التوضيح أنه، وخلافاً للانطباع المتكون بشأن انطواء الولايات المتحدة وتركيزها على شؤونها الداخلية، فإن لدى إدارة أوباما الإرادة والقدرة على مواجهة مشكلات المنطقة، وحتى على العمل بفاعلية على حلها.

·       إن التعامل الإسرائيلي الواعي مع الأجندة الأميركية الحالية من شأنه أن يحقق لإسرائيل مكاسب جيوسياسية من خلال زيارة الرئيس. كما أن قرار أوباما أن يشمل إسرائيل بزيارته الشرق الأوسطية هذه المرة، هو دليل أكيد على الدور الخاص المعدّ لإسرائيل في المخطط الآخذ في التبلور، إذ إن الشرق الأوسط يمر بخضمّ مسارات معقدة تطرح تحديات جديدة على إسرائيل. وفي هذا الوقت، زادت الحاجة الضرورية إلى توثيق العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة. ومن شأن هذه الزيارة تعميق منظومة التعاون في مسائل مثل صعود الإسلام المتطرف، ومسألة برنامج إيران النووي، والنضال في سبيل منع انتشار الأسلحة غير التقليدية. وإن انخراط إسرائيل في شبكة التعاون الإقليمي من شأنه أن يساهم في التحسين المنشود للعلاقات الإسرائيلية ـ التركية، وأن يصون التفاهمات الأساسية في معاهدات السلام مع كل من مصر والأردن.

 

 

[1]  Prince Saud al-Faisal, The Telegraph, March 4, 2013.

[2]  مقابلة أوباما التي بُثت على القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي في 14/3/2013 ؛ انظر: http://edition.cnn.com/2013/03/14/world/meast/israel-obama-iran/index.html     

[3]             Bradley Klapper, “Championing Democracy, Clinton Says Us Can Work with Islamist Parties Gaining from Arab Spring”, Associated Press, November 8, 2011.