الولايات المتحدة ـ إسرائيل: استراتيجيا مشتركة حيال تحديات الشرق الأوسط
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

خلفية

·       تشكل زيارة الرئيس أوباما لإسرائيل، وتأليف الحكومة الجديدة، فرصة لبلورة استراتيجيا مشتركة للولايات المتحدة ولإسرائيل في مواجهة تحديات الشرق الأوسط. وفي الواقع، فإن كلاً منهما يراقب بقلق التوجهات الإقليمية الأساسية في المنطقة مثل: إصرار إيران على الحصول على قدرة نووية عسكرية؛ استمرار الصراع في سورية بين نظام الأسد وقوات المعارضة من دون حسم، والمخاوف من تسرّب سلاح استراتيجي إلى عناصر متطرفة؛ عدم حدوث أي تقدم إيجابي في المسألة الفلسطينية؛ عدم التوصل إلى حل لـ "أزمة الكرامة" بين إسرائيل وتركيا [في أعقاب رفض إسرائيل الاعتذار إلى تركيا عن أحداث أسطول المساعدات إلى قطاع غزة]؛ مواصلة الإسلام السياسي تعزيز قوته، وتعمّق سيطرة الإخوان المسلمين على مصر.

·       يشهد الشرق الأوسط مسارات معقدة جداً يصعب السيطرة عليها، أو التأثير في تطورها، وقد أثّرت تعقيدات هذه التغييرات في سياسة حكومة إسرائيل في ضوء  الافتراض السائد اليوم بأن الوقت الحالي ليس ملائماً للقيام بمبادرة وخطوات جذرية، وأثرت في سياسة الرئيس أوباما التي ترى أن للولايات المتحدة قدرة محدودة على معالجة مشكلات العالم عامة، ومشكلات الشرق الأوسط خاصة، إلى جانب المصاعب الداخلية التي تواجهها الولايات المتحدة. ومن هنا، فإن الاتجاه الذي يتبلور في الإدارة الأميركية هو الابتعاد عن حل مشكلات الشرق الأوسط، وسحب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان، وتأجيل الخيار العسكري حيال إيران والامتناع من التدخّل في سورية.

·       لكن يتبين من جملة التوجهات والاعتبارات في المنطقة أن لحظة الحسم تقترب، وهي تتطلب معالجة جذرية للمشكلات، والتي من دون معالجتها يمكن أن تتعرض المنطقة لخطر فقدان السيطرة وحدوث تفجرات في عدد من الساحات. ولذا من الضروري بالنسبة إلى إسرائيل أن تنسق تنسيقاً استراتيجياً وثيقاً مع إدارة الرئيس أوباما الجديدة.

·       عندما نقوم برسم خريطة المصالح بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يمكننا تحديد مجموعة من المصالح الأساسية المشتركة، إلى جانب بعض المصالح الظرفية المتضاربة، بسبب الاختلاف في الرؤيا فيما يتعلق بطبيعة الرد على التحديات. فثمة مصلحة مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في منع إيران من امتلاك قدرة نووية عسكرية، لكن ثمة اختلاف بينهما بشأن الطريقة التي يجب بواسطتها منع إيران من الحصول على مثل هذه القدرة. كما تتطلع إسرائيل والولايات المتحدة إلى سقوط حكم بشار الأسد وابتعاد سورية عن المحور الراديكالي بقيادة إيران. وكلتاهما تتطلعان إلى ترسيخ اتفاقات السلام والحفاظ على استقرار الأردن. كما قبلت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بحكم الإخوان المسلمين في مصر، وذلك ضمن الحفاظ على اتفاق السلام، وعلى الاستقرار المصري وعلى الحكم الناجع. وعلى الرغم من عدم الاتفاق بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن التغيرات الإقليمية التي تنبع من حل النزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، فإن حكومة إسرائيل مستعدة للعودة إلى طاولة المفاوضات من دون شروط مسبقة.

بلورة استراتيجيا إقليمية مشتركة

لكل من إسرائيل والولايات المتحدة

·       إن المبادىء الأساسية التي نوصي بها فيما يتعلق بالاستراتيجيا الإقليمية لكل من إسرائيل والولايات المتحدة هي:

1.ألاّ تنقطع الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط، وأن تتعهد بالحؤول دون سقوطه في يد الإسلام المتطرف.

2.تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ومواصلة تعميق العلاقات الأمنية الخاصة.

3.الشفافية التامة بين زعامة البلدين، والامتناع من اتخاذ خطوات قد تفاجىء الطرف الآخر.

4.امتناع الولايات المتحدة من تحدي حكومة إسرائيل من خلال مطالبتها بوقف البناء في القدس، الأمر الذي يتعارض مع الإجماع في إسرائيل. وفي المقابل، فإن المطلوب من إسرائيل هو وضع سياسة منضبطة تحصر البناء في الكتل الاستيطانية فقط.

5.إجراء حوار مستمر من أجل بلورة تصوّر للوضع مشترك ومتفق عليه، وتحديد سلّم الأفضليات والأولويات في بلورة رد مشترك على التحديات السياسية والأمنية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية.

6.فهم مشترك يقوم على أن "الشرق الأوسط لا يؤمن بالأقوال"، وإنما بالأفعال. وبالتالي، فإن المطلوب هو إظهار الإصرار على تحقيق الأهداف، بما في ذلك الاستعداد لاستخدام القوة.

·       وبناء على هذه المبادىء نوصي ببلورة تصور استراتيجي شامل متعدد الطبقات، يرسم الارتباطات والانعكاسات غير المقصودة، يسمح بالتصدي لعدة تحديات في وقت واحد.

·       الطبقة الأولى - وقف البرنامج النووي العسكري الإيراني: على الرئيس أوباما أن يمنح إسرائيل ضمانات بأنه سينفّذ استراتيجيا المنع ولن ينتقل إلى استراتيجيا الاحتواء. ويمكن أن تُبنى الثقة بين الطرفين على ثلاثة مداميك أساسية: 1- التخطيط المشترك للخيار العسكري، بما في ذلك حفظ وتعميق نتائج الهجوم العسكري لوقت طويل؛ 2- التوصل إلى تفاهمات متبادلة بشأن تسوية معقولة مع إيران. ويبدو أن إسرائيل ستكون مطالبة بأن تبدي مرونة في موضوع تخصيب اليورانيوم في إيران بشرط ألاّ تُجمع وألا تُخزّن المواد المخصبة التي تتعدى نسبة 3% في الأراضي الإيرانية؛ 3- تشديد العقوبات ضد إيران ما دامت تواصل المماطلة وتؤجّل المفاوضات.

·       الطبقة الثانية - الساحة الفلسطينية: على رئيس حكومة إسرائيل أن يتعهد أمام الرئيس أوباما بأنه سيبذل الجهود اللازمة كلها لتحريك المسيرة السياسية مع السلطة، لكن يتعين على إسرائيل أن توضح ضآلة حظوظ التوصل إلى تحقيق تسوية دائمة في الوقت الحالي. إلى جانب ذلك، على رئيس حكومة إسرائيل أن يضع على طاولة المفاوضات اقتراحاً يتضمن ثلاثة خيارات: الأول، استمرار السعي لتسوية دائمة، والاستعداد للعودة إلى طاولة المفاوضات من دون شروط مسبقة، والبحث في المسائل كافة؛ الثاني، إجراء مفاوضات على مجموعة من التسويات المرحلية التي تستند إلى خطوات مدروسة تمهيداً للتسوية الدائمة، في ظل قاعدة "كل ما يُتفق عليه يُطبّق"؛ الثالث، في حال فشل جميع الإمكانات يجب طرح الخيار الأحادي الجانب، وفحواه أنه في ظل غياب شريك فلسطيني من أجل التسوية الدائمة، فإن إسرائيل ستصمم بنفسها الواقع، وفقاً لمفهوم الانفصال، مع الاستعداد لإخلاء مناطق في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، وإعادة الانتشار على طول خط الجدار الأمني وفي غور الأردن، مع الحفاظ على حرية عمل الجيش الإسرائيلي في أنحاء الضفة الغربية كافة، ومع المحافظة على منع انهيار السلطة الفلسطينية (اقتصادياً،وأمنياً، ومؤسسات حكم). ويجب أن تبقى غزة خارج التسويات ما دامت حركة "حماس" ترفض الشروط الثلاثة للجنة الرباعية الدولية.

·       الطبقة الثالثة - الإعداد لليوم التالي لما بعد نظام الأسد. ويجب في المرحلة المباشرة بلورة سياسة مشتركة أميركية ـ إسرائيلية لمنع استخدام السلاح الكيميائي والبيولوجي ومنع تسرّب وانتقال السلاح الاستراتيجي إلى حزب الله، وإلى جهات متطرفة. كما يجب التنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة والغرب بشأن كيفية التعامل مع سورية في اليوم التالي لسقوط نظام بشار الأسد، مع التشديد على تعطيل نفوذ إيران وحزب الله في سورية (قطع سورية عن المحور الراديكالي)، ومنع سيطرة الجهاديين عليها، ودعم قيام حكم مستقر مؤيد للغرب يلتزم بالمصالحة الداخلية وبوحدة سورية.

·       الطبقة الرابعة - استقرار الحزام الذي يحيط بسورية من أجل تقليص خطر الآثار السلبية على الدول المجاورة لها. ويجب توجيه انتباه خاص إلى بقاء واستقرار المملكة الهاشمية التي تواجه خطراً بسبب ضعفها الاقتصادي، وذلك في ضوء دورها الخاص كمرساة للاستقرار الإقليمي، وكحليف مخلص للولايات المتحدة ولإسرائيل، ومحافظتها على اتفاق السلام مع إسرائيل. وتجدر الإشارة إلى دور تركيا المهم في بناء استقرار سورية ما بعد الأسد، ولذلك يتعين على إسرائيل الاستجابة للطلب الأميركي وإيجاد صيغة للاعتذار من تركيا. وسنكون بحاجة هنا إلى مسعى غربي، ربما بقيادة فرنسا، من أجل تغيير موازين القوى الداخلية في لبنان لمصلحة الأطراف المعتدلة والمعارضة لحزب الله.

·       الطبقة الخامسة - الاستقرار في مصر والسيطرة الحكومية على سيناء: يجب أن يكون الهدف الأول هو الحفاظ على اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر، والتزام مصر بالتعهدات الأمنية الواردة في الملحق العسكري للاتفاق. ويتعين على الولايات المتحدة تشكيل ائتلاف من الدول الغربية من أجل تقديم المساعدة وترميم الاقتصاد المصري المنهار، وذلك ضمن الشروط التالية: تعهد النظام المصري الحفاظ على اتفاق السلام مع إسرائيل؛ السيطرة الحكومية الفاعلة على سيناء؛ وقف تهريب السلاح إلى غزة. ومن أجل تحقيق هذا الغرض، فإن على الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي مساعدة مصر على توفير الوسائل لمواجهة عشائر البدو في سيناء، وإيجاد مصادر للرزق وللدخل غير أعمال التهريب. وفي المقابل تستطيع إسرائيل التخفيف من الضغوطات على النظام في القاهرة من خلال تقديم تسهيلات لقطاع غزة، وتطبيق التفاهمات التي جرى التوصل إليها في نهاية عملية "عمود سحاب".

خلاصة

 

·       لمّا كانت قدرة إسرائيل على أن تواجه بنجاح جميع هذه التحديات في آن معاً محدودة، فإن من الضروري التوصل إلى تنسيق استراتيجي وثيق مع الولايات المتحدة. ولذا يتعين على رئيس حكومة إسرائيل أن يستغل زيارة الرئيس أوباما من أجل بلورة استراتيجيا مشتركة لمواجهة تحديات الشرق الأوسط استناداً إلى المصالح المتطابقة، وضرورة تحديد أهداف متفق عليها في الموضوعات التي يوجد فيها اختلاف، ولا سيما فيما يتعلق بتوجهات العمل وطريقة التصدي للمشكلات. ومن أجل تحقيق هذه الأغرض، فإن المطلوب تطبيق سياسة "خذ وأعطِ"، التي يحترم فيها كل طرف مصالح الطرف الآخر، ويحظى، في المقابل، بالمساعدة في تحقيق مصالحه الحيوية. وأساس ذلك هو حوار استراتيجي متواصل، وأقصى قدر من الانفتاح.