قرار الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين غير مرتبط بمعاودة المفاوضات
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف

 

  • إن قرار بنيامين نتنياهو الإفراج عن السجناء الأمنيين الفلسطينيين نابع من اعتبارات استراتيجية - أمنية مشروعة. ولا شك في أن تحديد عدد الأسرى المزمع الإفراج عنهم والإفراج عن أسرى من عرب إسرائيل، يشكلان استجابة لتصلب الموقف الفلسطيني والضغط السياسي الأميركي، ومن هنا يصعب عاطفياً علينا تقبل قرار نتنياهو.
  • علاوة على ذلك فإن قرار الإفراج عن قتلة هم مواطنون إسرائيليون والسماح لهم بالعودو إلى بيوتهم هو انتهاك خطير للسيادة الإسرائيلية وللسلطة القضائية والعدالة التي تعتز بها دولة إسرائيل. ولعله يمكن القول إن هكذا أمور حدثت من قبل عندما جرى الإفراج عن قتلة من حاملي الجنسية الإسرائيلية في صفقات تبادل أسرى سابقة. بيد أن هذا يتم اليوم استجابة لضغط السلطة الفلسطينية، وليس لمنظمة إرهابية مثلما حدث من قبل. فقد أصبحت السلطة الفلسطينية عملياً، هيئة تمثيلية لعرب إسرائيل من الناحيتين القضائية والسياسية.
  • لكننا عندما ننظر إلى المشهد برمته وندرس الأمور بعقلانية، ندرك أن رئيس الحكومة بدعم وزير الدفاع، اتخذ القرار الصحيح.
  • ويعزى القرار إلى سببين رئيسيين بالغي الأهمية: أولهما وهو الأهم برنامج إيران العسكري النووي، إذ يبدو أن إيران تتجه في الأشهر القادمة وتحديداً بحلول ربيع العام القادم، إلى الحصول على قدرات إنتاج سلاح نووي متكاملة، وهو ما يعرف بقدرات العتبة النووية، ما يعني أن إيران في طريقها إلى أن تصبح فعلاً "دولة عتبة نووية". وتستطيع إسرائيل في الوقت الراهن وقف برنامج إيران النووي إذا تلقت الدعم والمشروعية من الغرب عامة، ومن الولايات المتحدة الأميركية خاصة.
  • إن التنازل المؤلم في موضوع الأسرى الفلسطينيين هو ثمن معقول مقابل مسألة حرجة للغاية بالنسبة لدولة إسرائيل، على الأقل بحسب المسوغات الاستراتيجية لرئيس الحكومة نتنياهو. والسبب الثاني هو تزايد العزلة الدبلوماسية التي عانت منها دولة إسرائيل في الأشهر الأخيرة، وتحوّل هذه العزلة إلى تهديد استراتيجي حقيقي لاقتصاد الدولة ومعنويات مواطنيها.
  • وينبغي الاعتراف بصراحة بأن العزلة الدبلوماسية المتزايدة هي نتيجة الحملة الدعائية الفلسطينية الناجحة في المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، بالترافق مع تصاعد الاضطرابات التي تأخذ منحى عنيفاً في الضفة الغربية. وهناك مؤشر واضح إلى أن العزلة الدبلوماسية تحولت إلى تهديد اقتصادي - سياسي تمثل في القرارات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي أخيراً بشأن المستوطنات. وهناك المزيد من الخطوات المماثلة في الجعبة الفلسطينية التي لا تقتصر على الساحة الأوروبية، بل تصل إلى أستراليا البعيدة.
  • إن معاودة المفاوضات مع الفلسطينيين من شأنه وقف هذا المسار ولا سيما المساعي الفلسطينية الاستعراضية داخل المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة، كما من شأنه أن يمنح دولة إسرائيل متنفساً ومجالاً للاستعداد بشكل أفضل من وجهة ما يعرف بـ"الدبلوماسية العامة" للدول.
  • ولهذين السببين اتخذ نتنياهو هذا القرار، وهذا جلي في تصريحات صانعي القرار في الحكومة الإسرائيلية الذين شاركوا في النقاشات بشأن الأسرى. لكن يجوز اعتقاد أن هناك سبباً إضافياً هو إحباط أو تأخير انتفاضة عنيفة ثالثة في الأراضي المحتلة.
  • فقد لاحظ الجيش الإسرائيلي وجهاز الشباك تزايداً لافتاً لعمليات إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة، وكذلك لأحداث إطلاق النار في الضفة الغربية في آخر 18 شهراً. وحتى الآن يبدو أن السلطة الفلسطينية نجحت في احتواء الانفجار، لكن تتفق تقديرات الجيش الإسرائيلي والشباك على أنه إذا لم يُحرَز أي تقدم على المسار السياسي، فمن المحتم أن تندلع انتفاضة عنيفة في الأراضي الفلسطينية أيضاً. 
  • والتشديد على كلمة "أيضاً" ضروري للتذكير بأنه في جميع الدول العربية من دون استثناء، هناك انتفاضات عنيفة تدور رحاها بدرجات متفاوتة من الخطورة. ولا تشذ عن هذه القاعدة سوى منطقة السلطة الفلسطينية وقطاع غزة. ولإسرائيل مصلحة واضحة في تمديد هذا الوضع تسعة أشهر على الأقل، وهو الوقت المفترض لاستمرار المفاوضات، مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين.
  • وتجدر الإشارة إلى أن إحباط أو تأجيل انتفاضة في الأراضي المحتلة يصبّ في تعزيز القدرة على مواجهة التهديد الإيراني، لأن تشتيت الانتباه بين مسألتين أمنيتين يعوق القدرة على مواجهتهما، سياسياً وعسكرياً.
  • وعليه، فإن قرار الإفراج عن السجناء الأمنيين صعب ومؤلم، لكنه عقلاني بسبب المزايا الاستراتيجية التي يوفرها لدولة إسرائيل. وبغض النظر عن ذلك كما سبق، فقد حدثت أمور مشابهة من قبل عندما أذعنت إسرائيل المرة تلو المرة وأفرجت عن إرهابيين استجابة لضغوط مورست عليها.
  • ولكن هذه المرة يجري الأمر على الأقل تحية لرجل يرفع لواء النضال اللاعنفي، ظاهرياً على الأقل، وهذا أيضاً شيء لا يستهان به.