· في سياق مساعيه التي لا تهدأ للتوسط بيننا وبين الفلسطينيين، ذكرنا وزير الخارجية الأميركي جون كيري باحتمال تعرض إسرائيل إلى المقاطعة الدولية إذا لم تتوصل إلى اتفاق. وقد أثارت هذه التصريحات ردود فعل حادة من جانب السياسيين وأشعلت النقاش داخل إسرائيل.
· وسبق أن حدث ذلك بعد تصريحات قال فيها كيري إننا على أبواب انتفاضة ثالثة وإن الإسرائيليين يشعرون بالكثير من الأمن- الاقتصادي والأمني- إلى حد باتوا معه لا يشعرون بضرورة الحاجة الماسة إلى السلام. هناك من وقف ضد هذه الأفكار واعتبرها مسيئة له، لكن المسألة ليست ما إذا كانت تصريحات كيري صحيحة أم لا، بل ما إذا كانت مفيدة للمساعي المبذولة من أجل التوصل إلى سلام بيننا وبين الفلسطينيين.
· في الماضي، كانت إسرائيل مستعدة لأن تضحي بالكثير من أجل السلام وأن تتحمل مخاطر كبيرة، فقط انطلاقاً من شعورها بالأمان. وكان ريتشارد نيكسون أول رئيس أميركي فهم ذلك. ففي مطلع السبعينيات أرسل إلى إسرائيل طائرات فانتوم وسلاحاً متطوراً من أجل أن يمنحها هذا الشعور بالأمن- وبهذه الطريقة جرى التوصل إلى السلام مع مصر، وشهدت سنة 1979 توقيع اتفاق كامب ديفيد الذي نجح بواسطة الحلف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ومما لا شك فيه أن تأييد الرئيس بيل كلينتون الكبير لأمن إسرائيل شكل عنصراً أساسياً في قرار رئيس الحكومة إسحاق رابين العمل من أجل تحقيق السلام مع الأردن، والبدء بالعملية السياسية مع الفلسطينيين.
· إن عدم الشعور بالأمان يجعل الإسرائيليين أقل استعداداً لتقديم تنازلات ويدفعهم إلى التقوقع على أنفسهم. ففي ذروة الانتفاضة الثانية، وعندما كان الانتحاريون يفجرون انفسهم يومياً بيننا، كان تأييد الجمهور [اليهودي] لموضوع الدولتين لشعبين يوازي الصفر. لكن عندما جرى التغلب على الارهاب، واستعدنا الأمن ارتفع التأييد لفكرة الدولتين إلى نحو 70%. وفي الواقع فإن هذا الشعور بالأمن الكامل هو الذي جعل إسرائيل أكثر انفتاحاً على السلام.
· يريد الإسرائيليون أن يشعروا بأنفسهم آمنين لا مهددين، خاصة في ظل الوضع غير المستقر والمشتعل في منطقتنا، وفي ضوء حقيقة أنهم مطالبون بتقديم تنازلات مؤلمة من اجل السلام. وفي هذا السياق، من المهم الاشارة إلى المساعي التي قامت بها إدارة أوباما منذ بداية سنة 2009 من أجل تعزيز شعور إسرائيل بالأمان من خلال المساعدات العسكرية، ودعم مشروع "القبة الحديدية" والمنظومات الأخرى المضادة للصواريخ، والوقوف إلى جانبنا في الأمم المتحدة.
· لكن في مقابل هذه المساعي الكثيرة، تواصل هذه الإدارة التذكير بأنه إذا لم توافق إسرائيل في نهاية الأمر على موضوع الدولتين لشعبين، فإنها ستواجه مقاطعة اقتصادية وعنفاً في المناطق، ولن تبقى دولة يهودية وديمقراطية. ومرة أخرى، ليس الموضوع ما إذا كانت هذه السيناريوات المتشائمة ستحدث أم لا، بل ما إذا كانت تساهم في تحقيق هدف السلام أم لا.
· ندرك كإسرائيليين المخاطر التي نواجهها، والتي عرفناها منذ بداية القرن الماضي. ونحن لسنا بحاجة إلى من يذكرنا بها من جديد، بل نحن بحاجة إلى تعهد مطلق بأننا لن نكون وحدنا، وأن الولايات المتحدة ستقف إلى جانبنا وستدعمنا، فإسرائيل تصنع السلام عندما تشعر بالأمن لا تحت التهديدات.