توصيات مقدمة إلى إسرائيل من أجل كيفية التعامل مع الثورة في مصر
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مابط عال، العدد 445

 

  • في 24 كانون الثاني/يناير 2011، خرج 7 ملايين مصري أكثرهم شباب من أبناء الطبقة الوسطى ومن المتعلمين من سكان المدن، إلى الشارع وأسقطوا بمساعدة الجيش حكم الرئيس حسني مبارك. وفي 30 حزيران/يونيو 2013 خرج 17 مليون مصري مجدداً إلى الشارع مطالبين باستقالة الرئيس المنتخب محمد مرسي. وهذه المرة انضم إلى الاحتجاج كبار المسؤولين من النظام السابق، والحركة السلفية وأبناء الطبقات الفقيرة في المدن. وبعد ثلاثة أيام وبمساعدة الجيش عزل مرسي وفُرضت الإقامة الجبرية على أكثر المسؤولين الكبار في قيادة الإخوان المسلمين. ومن الملاحظ أنه في المرتين وقف الجيش إلى جانب مطالب الشارع، لا بل تعلم قادة الجيش دروس ثورة 2011 وحرصوا في ثورة 2013 على عدم تصدر المنصة، والدفع بشخصيات مدنية مقبولة من جانب الجمهور إلى قيادة المرحلة الانتقالية.
  • منذ بدء الاضطرابات في العالم العربي راقبت إسرائيل بقلق التوجه الثوري والتغييرات في السلطة والصراعات الداخلية التي نشبت في دول الشرق الأوسط. وامتنعت حكومة إسرائيل عن التدخل العلني في ما يحدث، ولكنها بدأت نظرياً وعملياً الاستعداد للتحديات الجديدة التي تحملها أحداث "الربيع العربي".
  • وفي ما يتعلق بمصر تحديداً، حرصت إسرائيل على الاستمرارية وعملت لتعزيز العلاقات الخاصة مع الجيش المصري الذي يشكل العنصر الأساسي في المحافظة على العلاقات السلمية بين الدولتين. وعلى الرغم من أن حكومة الإخوان المسلمين في مصر امتنعت عن أي علاقة سياسية علنية ومباشرة مع إسرائيل، إلا أنها لم تحاول المس بالعلاقات الرسمية ولم تقم بزعزعتها أو إضعافها. وبقيت المصلحة الأساسية للطرفين المصري والإسرائيلي في منع التصعيد والتدهور العسكري الذي قد يؤدي إلى خطر المواجهة العسكرية.
  • وعلى هذه الخلفية قام الحكم المصري بالتوسط بين إسرائيل وحركة "حماس" وساهم في بلورة تفاهمات وقف اطلاق النار بعد جولة القتال التي بدأت بين إسرائيل والحركة خلال تشرين الثاني/نوفمبر (عملية "عمود سحاب").
  • لقد شكل صمود اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر سابقة مهمة في ظل حكم إسلامي يرفض مبدئياً الاعتراف بحق دولة إسرائيل في الوجود. لكن من المنطقي الافتراض أنه لو قيض لحكم الإخوان أن يستمر ويتعزز ويصبح أقل اعتماداً على المساعدة الاقتصادية الغربية، فإن العداء الأيديولوجي العميق بين الإخوان المسلمين تجاه إسرائيل، كان لا بد أن يظهر ويؤدي إلى زعزعة المصالح الأمنية والسياسية المشتركة للدولتين.
  • لكن يمكن القول إن سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر بعد ثورة تموز/ يوليو 2013 بدعم وقيادة الجيش المصري، ساهم في تقليص احتمال وقوع مثل هذا السيناريو، ولكن يبقى التحدي الأمني قائماً في منطقة سيناء.
  • لقد دخلت مصر في مرحلة انتقالية طويلة، حيث ستكون الحكومة الانتقالية مشغولة بالمسائل الداخلية مثل المحافظة على القانون وفرض النظام والدفاع عن الاستقرار والحؤول دون الانهيار الاقتصادي. وخلال هذه الفترة ستكون السلطة منهمكة في كبح الاحتجاج الشعبي وقمع مراكز تمرد المؤيدين للإخوان المسلمين، وفي تعديل الدستور، والاعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية وتنفيذها.
  • وسوف يؤدي ذلك إلى تحول اهتمام السلطات المصرية عما يجري في سيناء. ومن المتوقع أن ترتفع وتيرة العمليات الإرهابية للمجموعات الجهادية والسلفية في أنحاء سيناء، وأن تحاول هذه المجموعات تحدي سلطات القاهرة سواء مباشرة من خلال مهاجمة الممثلين عنها، أو بصورة غير مباشرة من خلال استفزاز إسرائيل، مما سيؤدي إلى تدهور الأمن في سيناء واحتمال امتداد ذلك إلى داخل أراضي إسرائيل.
  • ومن النتائج المحتملة للتصعيد في هذه الجبهة تضرر العلاقات الخاصة بين المؤسستين العسكريتين في مصر وإسرائيل. ويبدو أن هذا سيكون التهديد الأهم على الجبهة الجنوبية في الأشهر المقبلة.

تحديات ومقترحات لإسرائيل

  • إن هدف إسرائيل الاستراتيجي هو المحافظة على علاقات السلام مع مصر وتعميقها. وثمة أهمية خاصة توليها إسرائيل لقيام حكم علماني ليبرالي مسؤول يعمل بفاعلية في مصر كلها ولا سيما في منطقة سيناء. ويتعين على إسرائيل العمل على أكثر من صعيد من أجل الدفع قدماً بهذه الأهداف.
  • إن المطلوب من إسرائيل تعميق التعاون مع الجيش المصري ومواصلة السماح له باستخدام قواته في سيناء بحجم يتجاوز ما هو مكتوب في الملحق العسكري لاتفاق السلام، كي يستطيع هذا الجيش مواجهة البنية التحتية للجهاديين، ومنع تهريب السلاح إلى قطاع غزة.
  • من ناحية أخرى، تشهد مصر تدهوراً متسارعاً في الأمن الداخلي. ويمكننا اليوم رؤية ميليشيات مسلحة غير خاضعة لقوات الأمن في كل حي من الأحياء. ومن المنتظر أن تزداد سيطرة هذه الميليشيات مع استمرار التدهور الاقتصادي للدولة. ومن المتوقع أيضاً ان تثور الطبقات الفقيرة. بناء على ذلك، فإن الاختبار الأساسي للحكم وللأداء الحكومي الفعال سيبرز من خلال فرض القانون والنظام في الداخل، وتحسين الوضع الاقتصادي وتوفير فرص عمل. في ضوء ذلك، من الأفضل أن تدعم إسرائيل استمرار تقديم المساعدة الأمنية الأميركية للجيش المصري، وزيادة المساعدة المدنية لمصر من جانب دول الغرب والمؤسسات المالية الدولية، مع تشجيع المبادرات الدولية لتطوير البنى التحتية التي يحتاج إليها الاقتصاد المصري حاجة ماسة.
  • إن العلاقة مع الجيش المصري كانت ولا تزال مهمة بالنسبة لإسرائيل، لكن في المقابل لا تستطيع إسرائيل تجاهل تصاعد تأثير القوى المدنية في مصر من الشباب الليبرالي العلماني الذي لعب دوراً أساسياً في إطاحة مبارك ومرسي. وعلى الرغم من القدرة المحدودة التي تملكها إسرائيل للتأثير في الحياة السياسية المصرية، فإن عليها أن تحاول إقامة حوار مع الأطراف التي قامت بالثورة، مع الحرص على عدم تحدي الجيش المصري.
  • وفي إمكان إسرائيل أن تقدم المشورة إلى هذه الأطراف المدنية في الموضوعات الاقتصادية والإدارة الجيدة، كما في استطاعة هذه الأطراف الاستعانة بإسرائيل وعلاقاتها من أجل تشجيع الاستثمار في مصر.
  • يبدو أن الطرف الذي تضرر بصورة كبيرة من سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر هو "حماس" التي خسرت ركيزتها الإيديولوجية والسياسية الأساسية. ويأتي ذلك بعد خسارتها موقعها في دمشق وتدهور علاقاتها مع حزب الله، والقطيعة بينها وبين النظام في إيران في إثر توطد علاقات الحركة مع حكم الإخوان المسلمين في مصر. وتعتبر "حماس" في نظر الشباب المصري الذي قاد الثورة، متعاونة مع الحكم الذي أسقطوه، وأنها تقف وراء عمليات العنف التي تعرض لها المجتمع والجيش في مصر. وكذلك تتعرض "حماس" إلى انتقادات كبيرة في الشارع في قطاع غزة.
  • وفي جميع الأحوال، من المنتظر أن تزداد الدوافع للقيام بهجمات ضد إسرائيل من جانب "حماس" ومن أطراف جهادية في سيناء. لذا يتعين على إسرائيل أن تعزز قدرتها على الدفاع عن حدودها مع القطاع ومع سيناء، ويجب عليها الامتناع عن خرق السيادة المصرية وبنود الملحق العسكري لاتفاق السلام، وذلك كي لا تتدخل في المسائل الداخلية المصرية وكي لا تحول الاهتمام إلى إسرائيل.
  • إن في مقدور إسرائيل العمل لتخفيف الدافع للقيام بأعمال عنف داخل صفوف "حماس" وسائر الفصائل المتطرفة الناشطة في القطاع، من خلال انتهاج سياسة توسيع عمل المعابر إلى غزة، والسماح بالصيد، والتفاهم بشأن استخراج الغاز الطبيعي.