كيف تستطيع الولايات المتحدة الخروج من المأزق الاستراتيجي في سورية؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف
  • تواجه الولايات المتحدة مأزقاً استراتيجياً بسبب التحديات التي يطرحها استمرار الحرب في سورية بعد أن بدأت ثورة داخلية ضد حكم بشار الأسد ثم تحولت إلى حرب أهلية مذهبية، وتطورت إلى نزاع إقليمي بين السّنة والشيعة.
  • إن الوسائل التي تملكها الولايات المتحدة ومعها شركاؤها الغربيون من أجل التأثير في ما يحدث في سورية تبقى محدودة من دون استخدام القوة العسكرية. ومن الواضح اليوم أنه لا الولايات المتحدة ولا أوروبا ترغبان في تورط عسكري جديد في المنطقة بعد تجربتي العراق وأفغانستان. ويمكن أن نضيف إلى ذلك شلل المجتمع الدولي الذي لا يستطيع اتخاذ قرارات بسبب الفيتو الذي تمارسه روسيا والصين في مجلس الأمن.
  • وترجّح التقديرات الأميركية للتدخل العسكري القائم على استخدام القوة الجوية فقط أن يؤدي ذلك غلى فقدان السيطرة على الأحداث وحدوث تدهور يقود إلى إرسال قوات برية إلى سورية، وهذا أشد ما تتخوف منه واشنطن. وبناء على ذلك، من الممكن رفض التدخل العسكري تحت ستار المقاربة القائلة إنه يوجد استنزاف متبادل في قوة العناصر المتطرفة المتقاتلة في سورية، أي  إيران وحزب الله، والعناصر الجهادية السنية السلفية (مثل جبهة النصرة والقاعدة)، من دون قدرة أي طرف على تحقيق الحسم. بيد أن المشكلة التي يواجهها الرئيس أوباما الذي يحاول الابتعاد عن مشكلات الشرق الأوسط  أو "إدارتها من بعيد"، أنه لا يستطيع تجاهل قتل المدنيين، ولا الاكتفاء بالتفرج على المواجهة الشيعية – السنية الإقليمية، كما لا يستطيع السماح للعناصر المتشددة بزيادة قوتها وركوب موجة تحقيق انتصار وهمي. وعلى الرغم من استمرار القتال في سورية، لم يبرز حتى الآن في نظر الولايات المتحدة لاعب مهيمن وموثوق به يقدر على قيادة الصراع والسيطرة على سورية مع المحافظة على وحدتها واستقرارها. لذا، فإن السيناريو الأكثر منطقية توقع حدوثه هو الفوضى وتزايد التوجه نحو تقسيم طائفي مع ما لذلك من انعكاسات سلبية على الدول المجاورة لسورية.
  • لقد برز عجز الولايات المتحدة بصورة واضحة عندما قرر الرئيس أوباما عدم الرد على تجاوز "الخط الأحمر" الذي يحظر على نظام بشار الأسد استخدام السلاح الكيميائي. وحتى قرار تدريب مجموعات من المعارضة السورية وتزويدها بصواريخ مضادة للطائرات، فإنه لم يتخذ إلا بعد تردد كبير، وهو لا يكفي لتغيير موازين القوى داخل سورية. وفي الحقيقة، فإن تدفق السلاح إلى سورية له انعكاسات سلبية مثل إطالة أمد الصراع وتصعيده وزيادة شدته وتعزيز حدة الانقسامات بين قوى المعارضة وانتقال السلاح المتطور إلى أيدي الجهاديين المتطرفين. ومن شأن هذا كله أن يقود إلى الفوضى وعدم الاستقرار حتى في حال سقوط نظام الأسد.
  • في ظل هذا الوضع، يبدو أنه ليس هناك استراتيجية أميركية واضحة يمكن أن تؤدي إلى تغيير مسار الحرب ومعالجة الانعكاسات السلبية لانتصار المعسكر الراديكالي أو الوقوف ضد تمركز العناصر الجهادية المتشددة في سورية. وفي الواقع فقد شكل قرار الولايات المتحدة الذهاب إلى مؤتمر جنيف-2 مع روسيا من دون التشاور مع شركائها الأوروبيين، دليلاً آخر على إدارة الأزمة من موقع الضعف ومن دون وجود بدائل عملية حقيقية.النتائج الاستراتيجية لامتناع الولايات المتحدة عن التدخل العسكري في سورية
    • إن الكشف عن النقاش الذي دار داخل المؤسسة الأميركية بين وزير الخارجية كيري المؤيد لعملية جوية في سورية، ورئيس هيئة الأركان المشتركة ديمبسي الذي يتخوف من نتائج مثل هكذا عملية عسكرية، وفي الأساس من الانزلاق إلى تدخل عسكري أعمق بما ينطوي عليه من كلفة باهظة وتآكل في القوة العسكرية الأميركية، أضر بصورة الولايات المتحدة كدولة عظمى.
    • ومما لا شك فيه أنه عندما أدرك المعسكر الراديكالي أن الخيار العسكري الأميركي غير مطروح على الطاولة، ازداد إصراراً على مواصلة الحرب في ساحة القتال في سورية، وفي الوقت عينه ازداد الموقف الروسي قوة فارضاً شروطاً قاسية للبدء بالعملية السياسية في جنيف-2 ووقف الحرب في سورية.
    • وإذا درسنا الأزمة السورية من المنظور الإيراني الواسع، نجد أن الذين يعارضون الهجوم الأميركي على سورية يعتقدون أنه يتعين على الولايات المتحدة الإعداد والمحافظة على الخيار العسكري لاستخدامه ضد إيران في حال فشلت المفاوضات بشأن الموضوع النووي ومضت إيران قدماً نحو تحقيق قدرة نووية عسكرية. في المقابل، يعتقد المؤيدون للهجوم على سورية، أن عدم اظهار الحزم الأميركي في سورية مقابل تصميم إيران وحزب الله هناك، سيعزز التقدير الإيراني بتراجع الخيار العسكري الأميركي لمهاجمة البنية التحتية النووية الإيرانية، مما سيقود إلى خسارة الولايات المتحدة محركاً مهماً للضغط  من أجل إقناع إيران.
    • أما المعارضون للهجوم على سورية فيطرحون أيضاً مسألة الحصول على الشرعية الدولية. لكن حتى مع الشلل الذي يسود مجلس الأمن بسبب الفيتو الروسي والصيني، فإن في إمكان الولايات المتحدة العمل استناداً إلى أساس قانوني هو طلب المساعدة من جانب المعارضة التي تسيطر على أكثر من نصف الأراضي السورية. ثمة إمكانية أخرى هي التدخل بالاستناد إلى  مبدأ الدفاع عن السكان الأبرياء (R2P) الذين يعانون من الهجمات القاسية.

    ما هو الخيار العسكري الأكثر احتمالاً؟

    • إن العملية العسكرية التي يمكن أن تحظى بدعم واسع دولياً وإقليمياً، هي إنشاء منطقة حظر جوي (No Fly Zone) في الأجواء السورية، لمنع استخدام قوات الأسد الطائرات ضد قوات المعارضة والمدنيين، ومن أجل تقليص القدرة على استخدام مواد حربية كيميائية. ومن أجل تحقيق هذا الغرض، أمام الولايات المتحدة خياران عسكريان: يستند الأول إلى فكرة تحقيق تفوق جوي في الأجواء السورية. واستناداً إلى وجهة نظر رئيس الأركان المشتركة الجنرال ديمبسي، فإن ذلك يحتاج إلى مئات الطلعات الجوية من أجل القيام بهجوم مسبق على بطاريات الصواريخ أرض - جو والردارات. وسيسمح هذا التفوق الجوي بشلّ المطارات في سورية، وتعزيز طلعات الأميركيين الجوية في الاجواء السورية لاعتراض أي طائرة أو طوافة تابعة لقوات الأسد ومنع وصول المساعدات الخارجية لقواته ولا سيما من إيران. أما الخيار الثاني، فيستند إلى هجوم مضاد يستهدف المطارات التي تنطلق منها الطائرات والطوافات السورية من دون التسلل إلى الأجواء السورية، من خلال استخدام النيران الدقيقة التي تطلق من مدى بعيد.
    • إلى جانب ذلك، يمكن القيام بطلعات جوية فوق البحر المتوسط واستخدام صواريخ جو - جو بعيدة المدى من أجل اعتراض الطائرات التي تتسلل إلى المناطق الواقعة في منطقة الحظر. وفي كلتا الحالتين ليست الولايات المتحدة مضطرة إلى العمل من الدول المجاورة لسورية بل من داخل البحر المتوسط، أي من حاملات الطائرات، أو من خلال طائراتها التي تنطلق من القواعد الأميركية في أوروبا (مع التزود بالوقود جواً).