تأسس في سنة 1959 بالتعاون مع جامعة تل أبيب. وهو مركز متعدد المجالات، ينشر دراسات تتعلق بالنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، كما يُعنى بالموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية والدول الأفريقية. ولدى المركز أهم مكتبة للمصادر العربية من كتب ومجلات وصحف. وتصدر عن المركز سلسلة كتب مهمة في مختلف المجالات، ولديه برامج تدريب ومنح أكاديمية.
· خلال الأسابيع الأخيرة ازداد الانطباع بان الصراع على سورية الدائر منذ عامين بلغ مرحلته الأخيرة وبات قريباً من الحسم، وأن الثوار اقتربوا أكثر من أي وقت مضى من التقويض النهائي لنظام بشار الأسد. وفي الواقع ظل هذا النظام على قيد الحياة على الرغم من النعي المتكرر له منذ نشوب الثورة، لا بل اظهر قدرة مدهشة على الصمود، لكن خلال الأسابيع الأخيرة بدأ يتبين أنه يتعرض لخطر حقيقي. وبعد خسارة سيطرته على أجزاء كبيرة من الدولة، يبدو أنه على وشك أن يخسر حلب- ثاني أهم مدينة في سورية، وهو حالياً يخوض معركة بقاء ضد الثوار على مداخل دمشق. لكن على الرغم من ذلك، فإن الثورة السورية في المرحلة الأخيرة من الصراع ستكون طويلة ومستمرة.· وفي الواقع، تتّسم المعركة الدائرة في سورية بأنها ليست صراعاً تتخلله تطورات دراماتيكية، بل هي أقرب إلى أن تكون معركة استنزاف طويلة ودموية، يتقدم خلالها الثوار إلى أهدافهم خطوة خطوة. من الاحتجاج الشعبي إلى الحرب الأهلية· في آذار/مارس 2011 وصل الربيع العربي إلى سورية واشتعلت النيران في أرجاء الدولة كلها، ودخلت سورية في صراع داخلي بدأ كحركة احتجاج محدودة، ثم تحول إلى تمرد شعبي، ليصير في النهاية حرباً أهلية دموية، وذلك في مواجهة معارضة متعددة ومنقسمة جداً من حيث تركيبتها. وعلى الرغم من استخدام النظام السوري منذ اللحظة الأولى اليد الحديدية، فقد فشلت محاولاته لقمع الانتفاضة التي امتدت وعمقت جذورها داخل أجزاء كبيرة من المجتمع السوري. ورغم ذلك صمد النظام في وجه الموجات الأولى للاحتجاجات وحافظ على وحدة صفوفه وعلى سيطرته على مؤسسات الدولة وعلى الجيش.· إن نجاح الثورات في الدول العربية دفع بالكثيرين إلى توقع أن تنجح الثورة في نهاية الأمر في سورية أيضاً، وأن لا يستطيع بشار الأسد الصمود في وجه الانتفاضة ضد نظامه. لكن هذا النظام أظهر وحدة وقوة، ونتيجة لذلك تحول الصراع إلى حرب بقاء المنتصر فيها هو الطرف الذي يتمتع بنفس طويل وقدرة كبيرة على الصمود.· وهكذا غرقت سورية في مستنقع وحول من النزاع العنيف من دون حسم دفع ثمنه نحو أربعين ألف قتيل من السوريين أغلبيتهم من المدنيين. وخلال المعارك تحولت سورية إلى ساحة جهاد تدفق إليها المتطوعون الشباب من كل أرجاء العالمين العربي والإسلامي بهدف محاربة النظام. وخلال عامين، قام النظام والثوار على حد سواء بتقويض معظم ما يمكن اعتباره إنجازات حقققتها العائلة الأسدية، وحوّلا سورية إلى دولة فاشلة تقف على حافة الانهيار. لقد أصبحت سورية دولة توقفت فيها معظم المؤسسات الرسمية عن العمل، وتمزق بسرعة نسيج الحياة المشتركة بين طوائف الدولة وعشائرها وأبناء المناطق المختلفة، والذي كان ثمرة تراكم عمل طويل، وتحولت سورية إلى دولة تتلقى اللكمات وإلى مركز للتدخل الإقليمي والدولي.· في الأسابيع الأخيرة حدث تصعيد كبير في المعارك، الأمر الذي قد يوحي باقتراب ساعة الحسم. وتحدثت وسائل الاعلام عن استخدام النظام للمرة الأولى منذ اندلاع المعارك صواريخ أرض - أرض متطورة من طراز سكود، في قصفها للثوار في منطقة حلب. وفي الوقت نفسه حذر الرئيس أوباما بشار من مغبة استخدام السلاح الكيماوي الذي لديه. وذكرت مصادر في واشنطن أن هذا التحذير جاء في إثر المعلومات التي تحدثت عن استعداد النظام السوري لاستخدام هذا السلاح. ولهذا ارتأت واشنطن أن توضح للأسد بأن استخدام هذا السلاح هو بمثابة تجاوز للخط الأحمر. في فترة لاحقة ادعى الأميركيون بأن التهديد حقق هدفه، وأن بشار تراجع عن نيته استخدام السلاح الكيماوي. وفي أية حال، فإن اقدام النظام السوري على استخدام الصواريخ المتطورة، وتفكيره باستخدام السلاح الكيماوي ضد معارضيه دليل على شعوره بأنه بات محشوراً في الزاوية.· لقد شهدت المعركة الدائرة في سورية سلسلة من الحوادث ومن المعارك التي جرت في أماكن محلية مما جعل من الصعب رسم صورة واضحة لسير هذه المعركة. ومن حين إلى آخر برزت تقديرات بأن نظام بشار الأسد يقترب من نهايته، وذلك في ظل ما اعتبر نجاحات معينة حققها الثوار، ومن أبرزها الهجوم على رؤساء الأجهزة الأمنية في سورية الذي وقع في 18 تموز/يوليو 2012 والذي أدى إلى مصرع آصف شوكت صهر بشار. لكن بعد مرور الصدمة الأولى تبين مرة أخرى أن هذه التقديرات ما زالت سابقة جداً لأوانها.· وقد تكون هذه التقديرات اعتمدت بصورة خاصة على واقع استناد الثوار إلى التأييد العميق للمجتمعات في مناطق الريف وفي مدن الأطراف التي شكلت خزاناً لا ينضب لمد الثوار بالمقاتلين والنشطاء المتعطشين لتحقق النصر. لكن هؤلاء كانوا يفتقرون إلى الوحدة الداخلية، وإلى تنظيم أعلى يوحدهم ويشكل زعامة وقيادة فاعلة. وقد برزت بين هؤلاء الثوار مجموعات مسلحة وميليشيات تركزت عملياتها في الأماكن التي يسكنونها وكانت ذات نتائج محلية فقط ولم تكن لها أهمية استراتيجية. إنما تبين فيما بعد أن عمليات هذه المجموعات من الثوار لها أثر تراكمي وبطيء وتدريجي بدأ يقضم قواعد النظام في كل أنحاء الدولة.· إن التمعن في الخريطة السورية بعد عامين من الصراع يظهر الصورة التالية:· أولاً: فقد النظام السيطرةعلى المناطق الحدودية مع تركيا والعراق، وبصورة جزئيةعلى الحدود مع لبنان والأردن، وباتت جميعها اليوم في قبضة الثوار. في المقابل، فإن المناطق الواقعة شمال الدولة باتت في قبضة الأكراد الذين يعملون من أجل إقامة حكم ذاتي كردي.· ثانياً: إن منطقة الجزيرة الواقعة شرق سورية، والمعروفة بوجود حقول النفط والغاز وخزانات المياه فيها وبوفرة المحاصيل الزراعية، لم تعد واقعة تحت سيطرة النظام.· ثالثاً: إن مدينة حلب، ثاني أكبر المدن في الدولة، باتت أجزاء كبيرة منها تحت سيطرة الثوار، بينما تتلاشى سيطرة النظام عليها، كما يفقد النظام السيطرة على الطريق التي تربط شمال سورية بجنوبها والتي باتت اليوم جزئياً في قبضة الثوار.· في الختام: إن الصراع على العاصمة دمشق هو الآن في ذروته. كما أن النظام لم ينجح في اقتلاع الثوار من حوران، ومن الجولان السوري، ومن مناطق الأرياف المحيطة بالمدن. علاوة على ذلك يحكم الثوار قبضتهم على مداخل دمشق، وفي الأسابيع الأخيرة اقتربت المعارك من مطار العاصمة، الذي يشكل البوابة الوحيدة التي بقيت لسورية مع العالم الخارجي. بالإضافة إلى ذلك، سيطر الثوار على بعض أحياء العاصمة مثل مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين. ويمكن القول إن استمرار الهدوء في جبل الدروز في الجنوب، وفي منطقة العلويين في الشمال، وفي منطقة الساحل وفي قلب العاصمة دمشق، يعكس رغبة البرجوازية السورية بالاستقرار، لكنه لا يضمن بقاء النظام الحالي.· ويمكننا الافتراض بأن النظام قرر التخلي عن السيطرة على المناطق الحدودية البعيدة، وكذلك عن منطقة الجزيرة كي يركزجهده للدفاع عن محور دمشق- حلب، العمود الفقري للدولة السورية. لكن على الرغم من ذلك فإن خسارته لحلب والصعوبات التي يواجهها في المحافظة على سيطرته على دمشق، سوف تؤدي مستقبلاً إلى جعل النظام السوري محشوراً في منطقة الساحل. في ظل مثل هذا الواقع، فإن الخيار الوحيد الذي يبقى لديه هو إقامة حكم علوي مستقل كثر الحديث بشأنه في الفترة الأخيرة، على الرغم من الشكوك في صحته.· في المقابل فإن معسكر الثوار يلاقي صعوبة في تنظيم وتوحيد صفوفه وفي طرح نفسه بديلاً من النظام الحالي، وذلك على الرغم من كونه لا يفتقر إلى التمويل ولا إلى السلاح الذي يتدفق عليه من دول الخليج عبر تركيا، بالإضافة إلى المتطوعين الذين يأتي أغلبيتهم من الأرياف ومن الضواحي. ويبدو أن ضعف هؤلاء الثوار الناتج عن سوء تنظيمهم، تحول إلى نقطة قوة نظراً للصعوبة التي يلاقيها النظام في إيجاد الرد الملائم على حرب العصابات التي يشنها هؤلاء ضده. وفي هذه الظروف فإن محاولات النظام استخدام صواريخ سكود ضد مجموعات الثوار محكوم عليها بالفشل المسبق.· وفي الواقع، فإن النظام السوري يجد صعوبة في الدفاع عن رصيده، وفي ترجمة الدعم الشعبي الذي ما زال يحظى به إلى قوة عسكرية يستطيع استخدامها ضد الثوار. كما أن هذا النظام مضطر إلى مواجهة مشكلة الفرار الدائم من صفوفه، وخسارة سيطرته على المناطق التي تنتقل إلى قبضة الثوار، والتراجع المستمر في موارده الاقتصادية.· في الفترة الأخيرة أعطى نائب الرئيس السوري، فاروق الشرع، مقابلة لصحيفة "الأخبار" اللبنانية، قال فيها إن النظام غير قادر على إخضاع خصومه وأنه لا يؤمن بالحل العسكري. ويشير هذا الاعتراف إلى الأزمة التي يعانيها النظام في دمشق. وما يمكن قوله هو أن الصراع في سورية سيستمر لفترة من الوقت لأن النظام يقاتل دفاعاً عن حياته، وهو ما زال يملك مصادر قوة لا يمكن الاستهانة بها. كما أن الجيش النظامي لم يتفكك وما زال النظام يحظى بتأييد الأقليات ومعهم جزء من أبناء الطائفة السنية، بصورة خاصة سكان المدن الكبرى. لكن، في حال استمرت وجهة التطورات على النحو الذي شهدناه في العامين الأخيرين وتصاعدت كما حدث في الأسابيع الأخيرة، من الصعب أن يبقى بشار الأسد في منصبه فترة طويلة من الزمن.