هل تهديدات المسؤولين الفلسطينيين تحمل خطة عمل أم تعبر فقط عن القلق؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       إن موسم التهديدات الفلسطينية في ذروته، لكن ما يبدو أمام مسامع الإسرائيليين تهديدات، هو بالنسبة إلى الفلسطينيين الذين يئسوا من الاحتلال وعد بتحويل الضعف إلى نقطة قوة في ميزان القوى غير المتكافىء.·       ثلاثة وعود أساسية قدمها الناطقون الرسميون الفلسطينيون في الأسابيع الأخيرة لجمهورهم. فصرح جبريل رجوب للصحافيين الإسرائيليين بأن هجمات المستوطنين لن تمر بعد اليوم من دون رد فلسطيني، وأنه بعد رفع مستوى التمثيل الفلسطيني في الأمم المتحدة، فإن الفلسطينيين سيتوجهون إلى المحكمة الجنائية الدولية. وهناك أخيراً الوعد/التحذير الذي أطلقه محمود عباس على مسامع مراسل "هآرتس" باراك رابيد الأسبوع الماضي ومفاده أنه في حال استمر الجمود السياسي بعد الانتخابات فإنه [سيحلّ السلطة الفلسطينية] ويسلّم المفاتيح إلى بنيامين نتنياهو.·       والسؤال هل هذه الوعود تخفي وراءها خطة أو تحركاً بالاضافة إلى كونها تعبر عن قلق المسؤولين الفلسطينيين؟ تجدر الإشارة إلى أن الفرصة الوحيدة المتاحة أمام الفلسطينيين للتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية هي تلك المتعلقة بموضوع المستوطنات ( وتدل تجربة الدول الأفريقية على أن رفع دعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب قد يتحول إلى سيف ذو حدين، ويمكن أن ينتهي مثلاً بتقديم إسرائيل دعاوى ضد المخططين للعمليات الانتحارية الفلسطينية). كما أن التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية يتطلب اختياراً لأفضل القضاة الفلسطينيين وفقاً لمؤهلاتهم والتزامهم وليس وفقاً لعلاقاتهم الشخصية مع شخصية مهمة. كما سيكون على هؤلاء القضاة العمل معاً والتنسيق مع عدد من الهيئات المدنية التي لديها خبرة طويلة في موضوع المستوطنات. وهذا يتطلب الكثير من التنسيق وجمع المعلومات والعمل الجماعي من دون منافسة، وهذا ما يفتقر إليه أسلوب العمل الفلسطيني، ومن الصعب تحقيقه في فترة قصيرة من الزمن.·       أما فيما يتعلق بالوعد بالرد على تعديات المستوطنين، فإن ما قصده رجوب، الذي حرص على الغموض، هو الردود الفردية على هذه التعديات التي تحدث حالياً. أما إذا كان يقصد بكلامه أن الشرطة الفلسطينية لن تتدرب بعد اليوم على توقيف أبناء شعبها والتحقيق معهم وإنما على كيفية الدفاع عنهم وصد هجمات المستوطنين ضدهم، فلماذا الانتظار وإلى متى؟ ثمة ما هو أكثر من ذلك، إذ كل حديث عن "رد" معناه اعتقال أجهزة الأمن الإسرائيلية لمزيد من الفلسطينيين، في الوقت الذي لم تنجح فيه السلطة الفلسطينية حتى الآن في تدريب هؤلاء المعتقلين المتمردين ضد الاحتلال الإسرائيلي على كيفية التصرف في غرف التحقيق، وفي المحاكم العسكرية الإسرائيلية. وفي الواقع فإن السلطة الفلسطينية والتنظيمات الأخرى تواصل تسهيل عمل الأجهزة القضائية العسكرية الإسرائيلية بسبب عدم مقاطعتها لها. لذا يمكن القول إنه من دون تغيير جذري في آليات عمل الأجهزة القضائية العسكرية الإسرائيلية ليس من المتوقع حصول رد فلسطيني حقيقي ومنظم ضد عنف المستوطنين.·       أما فيما يتعلق بتصريح أبو مازن حلّ السلطة الفلسطينية، فهناك ناطقون رسميون فلسطينيون يقولون العكس تماماً. والأكثر احتمالاً هو انهيار السلطة بصورة خاصة بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إسرائيل عليها والتي تتعارض مع الاتفاقات الموقّعة كلها ومواقف العالم.·       إن تهديدات محمود عباس بحلّ السلطة الفلسطينية تكشف مدى تمسكه بالأسلوب الدبلوماسي النخبوي، فهو مستعد لتصور حلّ السلطة وتسليم مفاتيحها، لكنه لا يتصور نضالاً شعبياً، الذي هو بعكس الكفاح المسلح، يتطلب تنسيقاً وتخطيطاً وتنظيماً وإيماناً بقوة الشعب.