تحذير استراتيجي: الأزمة الداخلية الناجمة عن الدفع قدماً بـ"الإصلاحات القضائية" تهدد أمن إسرائيل القومي
المصدر
  • إسرائيل موجودة في الوقت الحالي أمام التقاء تهديدات خطِرة لأمنها القومي: تراجُع اقتصادي في ظل أزمة اقتصادية عالمية، وشقوق تتوسع في علاقتها بالولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، فإن المجتمع الإسرائيلي غارق في صراع داخلي غير مسبوق بسبب الدفع قدماً بالإصلاحات القضائية، وهو ما يعزز التهديدات، ويُلحق الضرر بقدرة إسرائيل على التعامل معها. ومن دون الخوض في مضمون الإصلاحات القضائية الخلافي، فلا شك في أن الحديث يدور حول تغييرات كبيرة في قواعد اللعبة والنظام السياسي والقضائي الإسرائيلي، الأمر الذي يتعامل معه كثيرون على أنه تهديد حقيقي للديمقراطية الإسرائيلية، يتم الدفع به بسرعة البرق من دون منح فرصة حقيقية للوصول إلى تفاهمات واسعة. ونتيجةً لذلك، تتصاعد الاحتجاجات الجماهيرية الواسعة، وتتمدد بشكل لا يمكن منعه إلى مؤسسات الدولة، وضمنها الجيش.
  • قبل نحو 20 عاماً، كان على إسرائيل التعامل مع مزيج من أزمتين حادّتين على جبهتين: الانتفاضة الثانية؛ وانفجار فقاعة الـ com. حينها، استطعنا التعامل مع التحديات، لأن الرد جاء من داخل مجتمع متماسك، وصفوفه مرصوصة. هذه المرة، لا يدور الحديث فقط حول ثلاث جبهات - أمنية، ودبلوماسية واقتصادية- بل إن الدفع بالإصلاحات يرفع من حدة الاستقطاب الداخلي، وهو بذلك يضرّ بالحصانة الاجتماعية التي تشكل أحد أعمدة الأمن القومي. والأكثر من ذلك، فإن الدفع بالإصلاحات والاحتجاجات الاجتماعية ضدها يضللان الانتباه النظامي والطاقة الجماعية حيال المواجهات حولنا، ويدفعان إلى إهمال التعامل مع التحديات الخارجية التي تتعاظم بسبب الضعف الداخلي.

التهديدات الأمنية

  • بغض النظر عن الإصلاحات القضائية، فإن التهديدات الأمنية لإسرائيل قد تصاعدت كثيراً في الآونة الأخيرة: أولاً، هناك ارتفاع في التهديد الصادر عن إيران، التي تحولت عملياً إلى دولة على عتبة نووية، تحصل على خبرة عسكرية كبيرة وثمينة من الحرب الأوكرانية، وحتى أنها يمكن أن تحصل من روسيا على أسلحة متطورة. وفي الوقت نفسه، تعمّق إيران تأثيرها الإقليمي، عبر تقوية علاقاتها مع جاراتها في الخليج، برعاية صينية. ثانياً، نشهد منذ فترة حالة تصعيد خطِرة على الجبهة الفلسطينية: موجة عمليات "إرهابية" مستمرة، في ظل ضُعف السلطة الفلسطينية ونموّ مجموعات مسلحة على نمط "عرين الأسود"، وذلك عشية رمضان وما يرافقه من احتمالات انفجار واسع، وخصوصاً بسبب المسجد الأقصى. ثالثاً، حزب الله صار أكثر عدوانية، وهو ما يشير إلى احتمال أنه لم يعد مردوعاً.
  • إن المتوقع من إسرائيل هو أن تركز بكامل قوتها على التعامل مع هذه التحديات الخطِرة بما يكفي، إلا إن الأزمة الداخلية تضرّ بقدرتها على القيام بذلك. الضرر الأكبر لحِق بالجيش، وهو الذي كان في السابق المنظومة التي تُعتبر فوق كل الخلافات الداخلية، وبالاستعداد للخدمة فيه الذي لا يستند فقط إلى التجنيد الإجباري، بل إلى الشعور بالانتماء أيضاً، وإلى الرواية المشتركة. لذلك، فإن الضرر الأكبر لحِق بمنظومة الاحتياط، وبصورة خاصة بوحدات النخبة التطوعية - طواقم سلاح الجو، والقوات الخاصة، وأجهزة الاستخبارات. ضباط كبار يواجهون صعوبة في الموازنة بين ضرورة الحفاظ على الجيش وحمايته من التأثير السام للأزمة، وبين معرفتهم بالمحتجين - كثيرون منهم جنود متميزون، ومن أفضل جنود وضباط الجيش. هذا بالإضافة إلى أن مقترحات القوانين التي ستمنح الإعفاء الكامل لفئات واسعة، ستُلحق ضرراً كبيراً وجوهرياً بفكرة الجيش كـ"جيش الشعب"، وبذلك يتم الإخلال بالاتفاق بين الدولة والمواطنين الخادمين عسكرياً فيها. ضرر كبير لحِق منذ الآن بالتكتل والثقة المتبادلة داخل الوحدات المقاتلة، وبينهم وبين الضباط المسؤولين عنهم. إذا استمر الدفع بالإصلاحات، فسيؤدي ذلك بشكل شبه مؤكد إلى أضرار كبيرة أكثر، حتى في أعمال الجيش اليومية، وجهوزيته للتعامل مع حالات الطوارئ.
  • وأكثر من ذلك، فإن التعامل مع الأزمة الداخلية يسيطر على القيادات السياسية والدبلوماسية والأمنية، ويستنفد قدرة هذه القيادات على التعامل مع القضايا الأمنية الحارقة - إيران، وما يجري في الضفة الغربية والجبهة الشمالية. وهو الأمر نفسه بالنسبة إلى الوضع الاقتصادي والعلاقات مع الولايات المتحدة.
  • وختاماً، لا شك في أن ما يجري في إسرائيل شفاف كلياً نحو الخارج، ويشجع أعداءها الذين يمكن أن ينجرفوا بسبب ذلك إلى خطوات خطِرة.

الضرر بالعلاقات مع الولايات المتحدة وبمكانة إسرائيل الدولية

  • العالم يتابع عن قُرب ما يجري في الساحة الداخلية في أعقاب الدفع بالإصلاحات، وكذلك الأمر فيما يخص الموضوع الاقتصادي. الرد العالمي تقريباً هو استغراب وقلق عميق، يتم التعبير عنه من خلال تصريحات رؤساء الدول والتظاهرات في الشوارع. العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة، والتي لا تستند فقط إلى مصالح، بل إلى قيم مشتركة، يبدو أنها تتراجع باستمرار بسبب الإصلاحات والخطوات الأحادية الجانب في الساحة الفلسطينية. وهذا يضاف إلى الاتجاهات المقلقة التي تجري أصلاً في الولايات المتحدة من دون علاقة لإسرائيل، وتتميز بتغييرات ديموغرافية وسياسية وابتعاد الجاليات اليهودية هناك عن إسرائيل.
  • هذه التطورات مقلقة جداً، وخصوصاً أننا بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة الصلب، أكثر من أي وقت مضى، في مقابل التهديد الموجود أمامنا- الإيراني. دعم الولايات المتحدة مصيري لحفظ تفوّق إسرائيل النوعي والدفاع عنها في المؤسسات الدولية. وأكثر من ذلك، فإن السعي لتوسيع "اتفاقيات أبراهام" مع دول إضافية كهدف مركزي للسياسة الخارجية الإسرائيلية، يتعلق بشكل حاسم بما تريده الولايات المتحدة. لذلك، فإن التراجع في هذه العلاقات بسبب الإصلاحات القضائية، يزعزع أحد أهم أعمدة الأساس في الأمن القومي الإسرائيلي، ويضع علامة استفهام واضحة على المنطق الكامن وراء هذه السياسة. مكانة إسرائيل في الدول الغربية الأُخرى، يلحق بها ضررٌ لا يقل عما يجري مع الولايات المتحدة، حتى أن دولاً غير ديمقراطية تتساءل عمّا يجري هنا، بسبب عدم الاستقرار والانشقاق الداخلي الذي تكشفه الأزمة. الإقليم يردّ هو الآخر: الإمارات العربية المتحدة تتحفّظ عن تعميق العلاقات، وحتى أنها تقلص بعضها، ودول أُخرى تبتعد بدورها.

التراجع الاقتصادي

  • إن جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، والمواجهة المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، كلها أحداث تسببت بزعزعة الاقتصاد العالمي خلال الأعوام الأخيرة، وأدت إلى تضخّم مالي كبير، وارتفاع في نسبة الفائدة، وتراجُع في العولمة. الارتدادات تصل إلى إسرائيل وتغذي التضخم المالي هنا، وهو ما يؤدي إلى إقالات جماعية في قطاع التكنولوجيا العالية الدقة، ويضرّ بالنمو. الأمور سيئة بما فيه الكفاية، وكان يجب تجميع كافة الموارد للتعامل مع الأزمة التي تتشكل- وهي وزارة المال، وبنك إسرائيل، ورئيس الحكومة- كما جرى خلال أزمة 2008. وبدلاً من ذلك، يؤدي الدفع بالإصلاحات القضائية إلى ضرر إضافي بالاقتصاد، وإلى مخاوف كبيرة في أوساط اقتصادية واسعة في إسرائيل وخارجها تحذّر من إسقاطاتها الصعبة، وما يمكن أن تُلحقه من ضرر بالسوق الإسرائيلية.
  • إن الانهيار المفاجئ لبنك SVB عكَس ضُعف الاقتصاد الدولي، كما عكَس حجم الإسقاطات المصيرية عندما تتزعزع الثقة بالمؤسسات. قطاع التكنولوجيا العالية الدقة الإسرائيلي حساس جداً إزاء هذه المخاطر، ذلك بأنه يعتمد على التصدير، ويستند إلى رأس مال خارجي. الدفع بالإصلاحات القضائية سيعزز عدم الاستقرار السياسي، والمجهول في الاقتصاد الإسرائيلي، وبذلك يُلحق الضرر بالمستثمرين الأجانب واستعدادهم للاستثمار هنا. هذا بالإضافة إلى أن موظفي قطاع التكنولوجيا العالية الدقة، هم جزء فاعل في الاحتجاجات ضد الإصلاحات القضائية، حتى أن بعضهم أعلن رغبته في إخراج أعماله من البلد. وكما هي الحال مع جنود الاحتياط، القضية ليست تصريحات فارغة، إنما تعكس مشاعر حقيقية بأن لديهم قوة للتأثير في الواقع الذي يُصاغ.
  • إذا استمر الدفع قدماً بالإصلاحات القضائية، فمن المؤكد تقريباً أن التقييم الائتماني لإسرائيل سيتراجع، وستنجم عن ذلك إسقاطات كارثية على السوق. والأكثر من ذلك، سيكون من الصعب جداً ترميم الضرر الذي لحِق بمكانة إسرائيل كدولة ترتبط بالنجاح الاقتصادي، بنَت خلال عشرات الأعوام من السياسات الاقتصادية المسؤولة استقراراً سياسياً ونظاماً قضائياً مستقلاً و"موضع ثقة".
  • بسبب هذه الأزمة الخطِرة، ومن منطلق المسؤولية، وبحزن شديد، يُصدر "معهد أبحاث الأمن القومي" لأول مرة تحذيراً استراتيجياً كهذا.