عودة العلاقات الإيرانية-السعودية: ما هي المعاني والإسقاطات وكيف تؤثر إسرائيلياً؟
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- أعلنت السعودية وإيران، بوساطة صينية، عودة العلاقات وإعادة السفيرين بين الرياض وطهران، بعد شهرين على أبعد تقدير. وفي إطار الالتزامات المتبادلة، اتفقتا على تطبيق الاتفاقيات القديمة، والامتناع من التدخل في الشؤون الداخلية، بالإضافة إلى إطلاق حوار واسع بشأن القضايا الخلافية والإقليمية، مع التشديد على الأمن والاستقرار الإقليمي.
- انقطعت العلاقات بين الدولتين في سنة 2016، بعد قيام السعودية بإعدام رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر، الذي كان معارضاً شرساً للعائلة المالكة السعودية. وذروة النزاع بين الدولتين كانت في الهجوم الإيراني غير المسبوق على مخازن النفط "أرامكو"، بواسطة مسيّرات وصواريخ (أيلول/سبتمبر 2019). هذا الهجوم قلّل من إنتاج النفط السعودي إلى النصف بشكل موقت، وكان حدثاً مفصلياً بالنسبة إلى السعودية إزاء كل ما يخص قدرتها على التعامل مع التهديد الإيراني، وبصورة خاصة كل ما يخص "تجاهُل" إدارة ترامب التي لم تتجند لمساعدتها عسكرياً. كل هذا دفع بالسعودية إلى تنويع مصادر دعمها على الصعيد الدولي، وإدارة المخاطر على الصعيد الإقليمي.
- خلال العامين الماضيين، تم إجراء عدة جولات حوار ما بين طهران والرياض، بوساطة عراقية وعُمانية، بهدف استئناف العلاقات الدبلوماسية. أساس المصلحة الإيرانية كان الرغبة في تحقيق رؤية النظام كما أعلنها الرئيس إبراهيم رئيسي بشأن تحسين العلاقات مع الجوار، كجزء من السياسة العامة الأكبر التي تطمح إلى تقليل التأثير الأميركي في المنطقة، وتخفيف الحصار على طهران. أما المصلحة السعودية، فإنها بالأساس تكمن في إنهاء الحرب الدائرة ضد الحوثيين في اليمن المدعومين من إيران، وكذلك الهجمات المتكررة عليها كما جرى في الهجوم على "أرامكو". والعلاقات بين الدولتين شهدت تقارباً وتباعداً، ثم حدثت الأزمة الأكبر بينهما في أواخر سنة 2022، في أعقاب الاحتجاجات الداخلية في إيران والاتهامات التي وجّهتها طهران إلى السعودية بأن وسائل الإعلام التابعة لها تحرض المواطنين الإيرانيين. وقام مسؤولون إيرانيون، بينهم وزير الاستخبارات، بتهديد السعودية علناً. واستناداً إلى معلومات استخباراتية واضحة تفيد باحتمال هجوم على السعودية، دفعت الولايات المتحدة بسفن حربية، وبذلك مرّرت رسالة تحذير إلى إيران؛ حتى أن السلطات البريطانية، التي تبث قناة "إيران إنترناشيونال" الممولة سعودياً من أراضيها، أشارت، مرغمةً، إلى أنها لا تستطيع حماية الطاقم في لندن، وذلك بعد وصول عدة تحذيرات من إلحاق الضرر بالصحافيين، ونقلت القناة عملها إلى الولايات المتحدة.
- المفاجأة كانت في أن الصين هي التي كانت الوسيط بين الدولتين، وقامت برعاية حوارات أُجريت بين الدولتين في بكين وأدت إلى الاتفاق والإعلان المشترك. جاء الإعلان بعد زيارة علنية مهمة قام بها الرئيس الصيني إلى السعودية، وبعد القمة التي عقدها مع دول مجلس التعاون الخليجي، وجاءت بعد زيارة الرئيس الإيراني رئيسي إلى الصين، والتي كان الهدف منها ضمان عدم حدوث أي خلل في العلاقات الثنائية بين البلدين، في أعقاب تصريحات للرئيس شي جين بينغ، رأت إيران أنها تتعارض مع مصالحها. ومن دون شك، هذا الإنجاز الدبلوماسي مهم جداً للصين التي تريد تعزيز تأثيرها في طرفيْ الخليج الفارسي-إيران والدول العربية الخليجية. هذه المصلحة تنعكس في اعتماد الصين الكبير على النفط من الدولتين، وتحسين العلاقات فيما بينهما هو جزء من استراتيجيا صينية واسعة، هدفها حفظ الاستقرار في الإقليم. الإنجاز الصيني بحد ذاته يعكس زيادة التدخُّل في الخليج، وخاصة في مجال رعاية عمليات تصالُح ما بين الدول الكبرى في منطقة ممتلئة بالتوتر، وبذلك تعزز مكانتها على صعيد صورتها العامة، على الأقل في مقابل الولايات المتحدة التي كانت الحليف الثابت للدول الخليجية على مدار عشرات الأعوام.
- من جانبها، باركت واشنطن تجديد العلاقات ما بين السعودية وإيران، وحتى أن المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي أشار إلى أن الرياض أعلمت الإدارة بالحوار الذي جرى من أجل تجديد العلاقات. وشدد المتحدث أيضاً على أن تقديرات الإدارة تشير إلى أن "ضغوطاً خارجية وداخلية، وضمنها قوة الردع السعودية الفعالة ضد الهجمات من طرف إيران وأذرعها، هو ما دفع بطهران إلى طاولة المفاوضات." ويجب التشديد هنا على أن مجرد تجديد العلاقات بين طهران والرياض هو مصلحة للإدارة الأميركية التي تولي تخفيض التوتر في الخليج أهمية كبيرة، وتطمح إلى الاستمرار في جهودها للعودة إلى الاتفاق النووي. وهو ما سيتعزز طبعاً، في حال أدى الاتفاق إلى تمديد وقف إطلاق النار في اليمن، وحتى إلى تفاهمات أوسع كما يطمح السعوديون. وهذا، حتى لو لم تكن الولايات المتحدة معجبة بالتدخل والإنجاز الصيني الدبلوماسي، واعتقاد واشنطن أن الهدف من الخطوات الصينية هو زرع الفتنة وتعزيز الخلافات الموجودة أصلاً ما بين واشنطن والرياض. هذه الخلافات مستمرة، كما ذكرنا سابقاً، منذ الهجوم على "أرامكو" والشعور السعودي بالخذلان بسبب عدم الرد بعد الهجوم الإيراني، واستمرت بعد وصول إدارة بايدن إلى السلطة، وبعد زيارة الرئيس الأميركي إلى الرياض.
- هذه الخطوة برعاية صينية تُعدّ خطوة إضافية بعد عدة خطوات بدأت بخفض إنتاج النفط، بالتنسيق مع روسيا، وبعكس ما طلبه الرئيس بايدن بوضوح، كما انعكس أيضاً في المطلب السعودي الواضح من الأميركيين بضمانات أمنية وأسلحة متطورة، نشر الإعلام الأميركي تفاصيله (WSJ)، ومن غير الواضح ما إذا كانت الإدارة قادرة على تلبيتها. كما تضاف هذه الخطوة إلى استمرار الاستثمارات الصينية الكبيرة في المدينة الجديدة نيوم، التي ينوي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إقامتها. وتطرّق الناطق الرسمي بلسان البيت الأبيض إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تتابع النشاط الصيني الذي يهدف إلى الحصول على تأثير أكبر حول العالم، خلال ردّه على تجديد العلاقات بوساطة صينية، والذي يعكس جيداً الرؤية الأميركية لِما يتم التعامل معه على أنه محاولة من الصين لطرح نفسها كقوة عظمى تريد السلام وتصنعه.
- السعودية تلحق بالكويت والإمارات، اللتين أرسلتا خلال العام الماضي سفيريهما من جديد إلى طهران. إلا إن إيران والسعودية قائدتان لمحاور أيديولوجية متصارعة وتقاتل بعضها البعض، بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي كل مناطق الشرق الأوسط، حيث تطمح كلٌّ منهما إلى صوغ الإقليم كما تريد، وتقوية معسكرها الذي تقوده-السنّي في مقابل الشيعي، والعربي في مقابل الفارسي. إعلان استئناف العلاقات هو محاولة لتقليل التوتر بينهما وبثّ رسالة، مفادها أن "كل شيء بخير"، لكنها ليست الحقيقة. كلٌّ منهما ستستمر في رؤية الأُخرى على أنها تهديد وتطمح إلى تعزيز سيطرتها في الساحات المختلفة، إيران ستستمر في رؤية العلاقات بين الرياض وواشنطن، كما الوجود العسكري الأميركي في الدول الخليجية، بأنها تهديد لمصالحها، ولكن يجب الافتراض أن تجديد العلاقات سيؤدي إلى خفض حدة التوتر، ويمكن أن يجعل الخطوات العدائية أكثر اعتدالاً. الامتحان الحقيقي سيكون في حرب اليمن، والتي أدت خلال الأعوام الأخيرة إلى عدد لا يُحصى من الضربات الحوثية الصاروخية على السعودية إلى أن تم اتفاق وقف إطلاق النار. الجهات المقربة من إيران باركت تجديد العلاقات، وعلى رأسها قائد حزب الله حسن نصر الله والعراقيون.
- إسرائيلياً، هل يُعد استئناف العلاقات مفاجأة استراتيجية/استخباراتية؟ في جميع الأحوال، إن الخطوة السعودية، وعلى صعيد الوعي، شكلت ضربة للجهود التي أعلنها رئيس الحكومة من أجل الوصول إلى تطبيع رسمي مع الرياض؛ وضربت الجهود الإسرائيلية لتأسيس معسكر ضد إيران في المنطقة. الخطوة السعودية تشير إلى أن مصالحها الجيواستراتيجية نابعة من علاقات القوة الواضحة لمصلحة إيران. وعلى الرغم من أن التخوف السعودي من إيران لم يقلّ حتى بعد تجديد العلاقات، كما أن المصلحة في علاقات أمنية عميقة مع الولايات المتحدة مستمرة، فإن الاتفاق يعكس فهماً/ تخوفاً من أن الالتزام الأميركي غير كافٍ، وأن إيران دولة عتبة نووية، ويمكن أن تكون في الطريق إلى دولة نووية، وأن إسرائيل لا تشكل شبكة أمان في مقابل التهديد الإيراني. لذلك، عليها إدارة المخاطر وتقليل حدة المواجهة مع منافستها المركزية، ومن الأفضل "الحفاظ على عدوك إلى جانبك". هذا بالإضافة إلى أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن استئناف العلاقات مع السعودية، بوساطة صينية، سيقوّي شعور الأمان لدى إيران وقدرتها على التعامل مع تشديد العقوبات الذي تريده واشنطن وإسرائيل، وهذا في وقت حدوث تقدُّم مقلق في المشروع النووي الإيراني. يمكن أن تدفع الخطوة أيضاً في اتجاه تقوية الجبهة مع روسيا والصين، والتي تستند إليها إيران.
- وعلى الرغم من هذا كله، فإن استئناف العلاقات السعودية-الإيرانية لا يمنع تطبيعاً مستقبلياً مع إسرائيل. ففي حالة الإمارات أيضاً، لم يمنع التطبيع مع إسرائيل إعادة السفير إلى طهران وتعزيز العلاقات، ومن ضمنها العلاقات العسكرية. إن حسابات الرياض أوسع، وتتعلق أيضاً بالقضية الفلسطينية، وبالقضايا العميقة مع الولايات المتحدة، وبالأساس كما تمت الإشارة إليه سابقاً، ببيع السلاح والضمانات الأمنية والمكانة الخاصة للسعودية كحامية للأماكن الإسلامية المقدسة.