قررت المحكمة الإسرائيلية العليا أمس (الأربعاء) أن تعيين رئيس حزب شاس لليهود الحريديم [المتشددون دينياً] أرييه درعي وزيراً للداخلية والصحة في حكومة بنيامين نتنياهو السادسة غير معقول إلى أقصى حدّ بسبب إداناته الجنائية المتكررة، والتي كان آخرها إدانته بتهمة الاحتيال الضريبي في سنة 2022.
وتسبّب صدور قرار الحكم الدراماتيكي هذا بصبّ الزيت على نار التوتر بين الحكومة والجهاز القضائي فيما يتعلق بخطط الإصلاحات القضائية، وأثار دعوات فورية من الائتلاف الحاكم إلى مضاعفة الضغط من أجل تشريع يهدف إلى تقييد قدرة هذه المحكمة على الحكم في قرارات الحكومة أو الكنيست، بينما أشادت المعارضة بالقرار، ودعت درعي إلى التنحي عن منصبيه الوزاريين على الفور.
وجاء في قرار الحكم: "قررت هيئة قضاة المحكمة العليا بأغلبية أصواتها [عشرة قضاة في مقابل قاضٍ واحد] أن هذا التعيين غير معقول إلى حدّ كبير، وعلى هذا النحو، يجب على رئيس الحكومة عزل درعي من منصبه".
وذكر القرار أن درعي أشار إلى أنه كجزء من صفقة الادّعاء معه، أعطى محكمة الصلح في القدس الانطباع بأنه سيعتزل الحياة السياسية، ومع ذلك استمر في رئاسة قائمة حزب شاس للكنيست في انتخابات 2022. وقال القرار إن ادّعاءه أنه سيستقيل من الكنيست وسيعتزل السياسة ظاهرياً أثّر، في حينه، في العملية الجنائية فيما يتعلق بقضية الاحتيال الضريبي، وتلقى حكماً مع وقف التنفيذ بسبب إدانته بالاحتيال الضريبي، لكن هذا لا يعني أن التعيين الآن لم يتجاوز حدود المعقولية.
وأشارت رئيسة المحكمة العليا القاضية إستير حيوت إلى أنه في صفقة الادّعاء التي وقّعها درعي ووافقت عليها محكمة الصلح في القدس بشأن تلك المخالفات الضريبية، كتبت المحكمة ما يلي: "سجلنا إعلان درعي قراره الاستقالة من الكنيست، وبالتالي، فلن يطلب المدعي العام قراراً لتحديد ما إذا كان هناك فساد أخلاقي أو وصمة عار".
كما أشارت حيوت إلى أن المستشار القانوني للحكومة في إبان إدانة درعي أفيحاي مندلبليت، وخليفته غالي بهراف ميارا، يعتقدان أن إدانته تنطوي على فساد أخلاقي. كما أن هذه الأخيرة قدمت إلى المحكمة العليا رأياً قانونياً أكد أن تعيين درعي وزيراً لا يجتاز اختبار المعقولية الذي يمكن للمحاكم استخدامه لقياس قرارات الحكومة.
وجاء قرار المحكمة العليا هذا ردّاً على طلبات التماس ضد تعيين درعي وزيراً قدمتها "الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل" و"الحركة من أجل السلوك الأخلاقي" ومجموعة من الأفراد، وجادلت هذه الطلبات في أن إدانته في سنة 2022 بتهم الاحتيال الضريبي، وكذلك إدانته في سنة 1999 بتهم رشوة، تجعله غير مؤهل ليكون وزيراً، كما أشارت إلى أن درعي، ونظراً إلى صدور حُكم بحقه مع وقف التنفيذ من طرف محكمة الصلح في القدس في العام الماضي، كجزء من صفقة ادّعاء، لم يتم تحديد ما إذا كانت الإدانة تنطوي على مخالفة أخلاقية، وهي نتيجة كانت ستُلزمه الابتعاد عن السياسة مدة 7 أعوام.
كما أشارت طلبات الالتماس إلى أن التعديل الذي أقرّته الحكومة الجديدة لـ"قانون أساس: الحكومة"، بغية السماح للحكومة بتعيين درعي وزيراً، هو بمثابة إساءة استخدام لسلطة الكنيست، إذ تم تمرير التعديل على القانون لمصلحة فرد، ومن أجل الحاجات الفورية للحكومة الجديدة. ومع ذلك، رفضت المحكمة إبطال تعديل قانون الأساس.
وكان محامي الدفاع عن درعي ادّعى في إحدى جلسات المحكمة العليا في وقت سابق، أن محكمة الصلح في القدس أساءت فهم تصريحه بأنه سيستقيل من الكنيست، وسيؤدي من الآن فصاعداً خدمة عامة من خارجه. واعترض العديد من قضاة المحكمة العليا على هذا الادّعاء في أثناء الجلسة نفسها، وقال بعضهم إنه لا يمكن للمرء أن يقول إنه سيتقاعد من الحياة العامة، وأن يستفيد من صفقة ادّعاء مريحة له، وأن يقول بعد مدة قصيرة من الزمن عكس ذلك، ويتم تعيينه عضواً في الكنيست ووزيراً.
كذلك أكد قرار المحكمة ذاته أن البيان الذي قدمه درعي في أثناء الجلسة أمام محكمة الصلح بشأن تقاعُده من الحياة العامة، والتي على أساسها حُكم عليه بارتكاب جرائم ضريبية، وتنصُّله من هذا العرض بعد ذلك مباشرة، يثيران الشكوك فيما يتعلق بنزاهته ونظافة يديه في سلوكه أمام المحكمة، وهو ما يثير صعوبات حقيقية فيما يتعلق بفترة ولاية درعي في منصب الوزير، ويعزز الاستنتاج بشأن عدم معقولية التعيين.
وتعقيباً على هذا القرار، اتهمت أحزاب الائتلاف الحكومي المحكمة العليا بالدوس على إرادة الناخبين. ودعا بعضها إلى تسريع سنّ مشروع القانون الذي يمنع المحاكم من إلغاء قرارات الحكومة على أساس المعقولية.
والتقى درعي ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في القدس مساء أمس. ووصل نتنياهو إلى منزل درعي في القدس، ليعرب عن تضامنه معه بعد قرار المحكمة العليا.
وأكد وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين انه سيعمل كل ما في وسعه من أجل إبطال ما وصفه بأنه ظلم بحق الوزير درعي وحزب شاس والنظام الديمقراطي في إسرائيل.
وجاء في بيان صدر عن حزب شاس: "اليوم قضت المحكمة فعلياً بأن الانتخابات لا معنى لها. إن قرار المحكمة سياسي ومُلوّث بعدم معقولية مفرطة".
ووصف بيان أصدره حزب الليكود ووقّعه رؤساء أحزاب الائتلاف الحكومي آرييه درعي بأنه جزء مركزي ومهم من الحكومة الحالية، وتعهد إبقاءه في منصبه. وجاء في البيان أن دولة إسرائيل بحاجة إلى قدرات درعي الاستثنائية وخبرته الواسعة في هذه الأيام المعقدة أكثر من أي وقت مضى.
في المقابل، دعا قادة أحزاب المعارضة الحكومة إلى احترام قرار الحكم.
وقال زعيم المعارضة عضو الكنيست يائير لبيد [رئيس "يوجد مستقبل"] إنه إذا لم تتم إقالة درعي، فإن الحكومة ستخالف القانون، وحذّر من أن إسرائيل ستنجرّ إلى أزمة دستورية غير مسبوقة، ولن تكون ديمقراطية بعد الآن.
وقالت رئيسة حزب العمل عضو الكنيست ميراف ميخائيلي إنه في دولة ديمقراطية، يتعين على اليمين واليسار احترام قرار المحكمة.