الولايات المتحدة – إسرائيل: دلالات الحكومة الجديدة
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف
  • منذ إعلان نتائج انتخابات الكنيست، تتصرف الإدارة الأميركية بحذر شديد، وتمتنع من اتخاذ موقف يتعلق بسياستها حيال الحكومة الجديدة التي تتشكل في إسرائيل. وفي تعليق رسمي وحيد حتى الآن، استغل وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن ظهوره في مؤتمر اللوبي اليهودي اليساري الموالي لإسرائيل جي - ستريت، ليشدد على أن الإدارة تحترم الانتخابات الديمقراطية التي جرت في إسرائيل، وتنوي التعامل مع "سياسة الحكومة الجديدة، وليس مع أشخاص محددين موجودين فيها." مع ذلك، عاد بلينكن فأشار إلى أن الولايات المتحدة ستطلب من الحكومة الجديدة "الالتزام بالمعايير المتبادلة للعلاقات القائمة بيننا خلال الـ70 عاماً الأخيرة." ووفقاً لكلامه، ستظل الولايات المتحدة تؤيد القيم الديمقراطية، بما فيها حقوق المثليين والعدالة والمساواة بين كل المواطنين الإسرائيليين.
  • لكن، ومن وراء الكواليس، حرصت أطراف أميركية على تسريب خبر إلى وسائل الإعلام في إسرائيل عن حدوث نقاشات في الإدارة بشأن الحكومة الجديدة والعلاقات مع الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، لكن حتى الآن، لم يُتخذ أي قرار. كما سُمعت انتقادات في الكونغرس، بالأساس في صفوف الحزب الديمقراطي، بشأن التركيبة المنتظرة للحكومة، والتخوف من السلوك الإسرائيلي، وخصوصاً فيما يتعلق بحقوق الإنسان في الإطار الفلسطيني. وذكرت النيويورك تايمز في افتتاحيتها (17 كانون الأول/ديسمبر) أن "حكومة نتنياهو تشكل تهديداً لمستقبل إسرائيل"، وأن على إدارة بايدن مساعدة "القوى المعتدلة في السياسة الإسرائيلية" في نضالها ضد الإصلاحات التي تخطط لها الحكومة الجديدة، و"تقديم الدعم للمجتمع الإسرائيلي الذي يمتاز بالمساواة في الحقوق وسلطة القانون" كما تفعل في دول أُخرى في أنحاء العالم.
  • أظهرت الولايات المتحدة منذ بداية ولاية إدارة بايدن التزاماً كبيراً بأمن إسرائيل ورفاهها، والعلاقات بينها وبين رئيس الحكومة المكلف بنيامين نتنياهو (التي عرفت صعوداً وهبوطاً) جيدة. ومن المتوقع أن تبدي الإدارة طول أناة، وألاّ تسارع إلى اتخاذ موقف رسمي، وستمتنع من الدخول في مواجهات مع الحكومة الجديدة بقدر الممكن. في مقابلة مع صحيفة "هآرتس"، شدّد السفير الأميركي في إسرائيل توم نيدس على أن "نتنياهو هو المسؤول عن هذه الحكومة. وأنا أتعامل مع رئيس الحكومة الذي أوضح لنا جميعاً أن يديه تمسكان تماماً بعجلة القيادة."
  • مع ذلك، فإن اختباراً مركزياً بالنسبة إلى الإدارة، هو السياسة التي ستنتهجها الحكومة الجديدة حيال الفلسطينيين. في خطابه أمام جي-ستريت، شدد وزير الخارجية بلينكن على أن الإدارة الأميركية متمسكة بحل الدولتين للقضية الفلسطينية، وأن الخطوات التي تؤدي إلى ابتعاد الطرفين عنه تشكل خطراً على أمن إسرائيل في المدى البعيد، وعلى هويتها اليهودية. ووفقاً لكلامه، فإن الإدارة تعلم بأن فرص الحل السياسي في المرحلة الحالية ضئيلة، لكنها تنوي المحافظة على فرص للتقدم في المستقبل. بناءً على ذلك، أشار بلينكن إلى أن الإدارة ستعارض الخطوات التي ستزيد التوترات وتبعد فرص التوصل إلى حل سياسي. كما شدد، علناً، على أن الإدارة تعارض توسيع المستوطنات في الضفة الغربية وخطوات الضم والمسّ بالوضع القائم في الحرم والتحريض على العنف. ورداً على سؤال في مقابلة "هآرتس" عن موقف الإدارة في حال عملت الحكومة الإسرائيلية الجديدة على شرعنة بؤر استيطانية غير قانونية، شدّد السفير الأميركي على أن الأميركيين لا يؤيدون هذا، قائلاً "نحن لا نؤيد ذلك". وأضاف أن فكرة المحافظة على حل الدولتين جرى توضيحها جيداً: "لقد قلنا ذلك مرات ومرات، وسنعمل مع الحكومة للتشديد، بقدر المستطاع، على تحقيق المواقف التي نؤمن بها."
  • يبدو أن تكرار بلينكن مواقف الولايات المتحدة بالتفصيل يعكس تخوفاً كبيراً حيال السياسة المتوقعة للحكومة الإسرائيلية الجديدة. وإذا تحقق جزء من الخطوات التي تعتبرها أحزاب الائتلاف المقبل ضرورية فيما يتعلق بالمستوطنات الإسرائيلية وبالقضية الفلسطينية، فلا مفر من الاشتباك مع الإدارة الأميركية. طبعاً، امتنع بلينكن من التهديد، لكن كان واضحاً من كلامه أنه إذا خرقت إسرائيل الستاتيكو عموماً، ودفعت قدماً بخطوات أحادية الجانب خصوصاً، فإن ذلك سيؤثر في سلوك الإدارة حيالها. والرد الأميركي يمكن أن يتأرجح بين تنديدات علنية، وصولاً إلى تآكل فعلي في الدعم الذي تحظى به إسرائيل من الولايات المتحدة في المؤسسات الدولية عموماً، وفي مجلس الأمن.
  • يتعين على الحكومة الجديدة أن تأخذ في حسابها أن مواجهات مع الإدارة الأميركية ستؤذي قدرتها على إجراء حوار استراتيجي معها، وخصوصاً في هذه الفترة الممتلئة بالتطورات على الساحتين الدولية والإقليمية، بما فيها المواجهة مع إيران، واشتداد المنافسة مع الصين في الشرق الأوسط، واستمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وحتى لو كانت الإدارة الأميركية تؤمن بأن الدبلوماسية هي الطريق الأفضل لمنع إيران من الوصول إلى سلاح نووي، فإن التقدم الكبير لإيران في مراكمة قدرات على تخصيب اليورانيوم يفرض على الإدارة بلورة خطة بديلة لتعزيز الردع حيالها - وهذه عملية تتطلب من إسرائيل محاولة التأثير في الإدارة في بيئة "خالية من الضجيج". ولليهود في الولايات المتحدة دور مهم في التأثير في مواقف الإدارة. وفي ضوء التآكل في تأييد الجالية اليهودية لإسرائيل، من المهم تعزيز العلاقة مع المنظمات اليهودية المختلفة والامتناع من القيام بخطوات يمكن أن تثير معارضتها.
  • علاوة على ذلك، وفيما يتعلق بالساحة الدولية، ترى الإدارة الأميركية في الدفع قدماً بجدول أعمال ليبرالي وتعزيز الديمقراطية هدفاً مركزياً في سياستها، أيضاً في النصف الثاني من ولايتها. لذا، يتعين على إسرائيل المحافظة على هذه المبادىء، وخصوصاً تلك التي تتعلق بالمسّ بحقوق الإنسان، وباستقلال منظومة القضاء. إن رصيد إسرائيل لدى الولايات المتحدة ناجم عن كونها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وقيام إسرائيل بخطوات تعتبرها الولايات المتحدة متعارضة مع هذه القيم يمكن أن يضر بأساس هذه العلاقات.
  • ويتعين على إسرائيل مراعاة المصالح الأميركية لدى بلورة مواقفها من مسائل أساسية مطروحة على جدول الأعمال، وهذه المقاربة يمكن أن تنعكس بصورة إيجابية على النظر إليها كحليفة، سواء في الإدارة أو في الكونغرس. بالإضافة إلى ذلك، فإن النصف الثاني من ولاية بايدن سيتأثر بالانتخابات الرئاسية التي ستجري في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، والتي من المتوقع أن تكون عاصفة، وأن تزيد في حدة الاستقطاب والصراع بين الديمقراطيين والجمهوريين. لذا، من المهم أن تكون الحكومة الجديدة حذرة من الانجرار إلى الخلاف السياسي في واشنطن. وتقضي المصلحة الإسرائيلية أن يظل التأييد لها موضوعاً يحظى بإجماع الحزبين.
  • منذ اليوم، تزداد الأصوات في واشنطن، بالأساس وسط المشرّعين الديمقراطيين ومن جانب المجموعة التقدمية، وأحياناً من جانب التيار المركزي في الحزب، الذين لا يتفهمون السياسة التي تنتهجها إسرائيل، ويطالبون بالتشدد في الرد عليها - إلى حد المطالبة بالربط بين المساعدة لإسرائيل وبين سياستها في الموضوع الفلسطيني. حتى لو كانت الإدارة الأميركية إدارة مؤيدة، فإنها لا تستطيع التغاضي، إذا قدّرت أن سلوك إسرائيل يتعارض مع القيم المشتركة التي كانت الأساس الذي قامت عليه العلاقات الخاصة بين الدولتين. حتى الآن، الإدارة الحالية استطاعت تجاوُز الفجوة بنجاح في معظم الأحيان، لكنها ليست محصّنة إلى الأبد.
  • إن السلوك الإسرائيلي وسِمات العلاقات بين البلدين في العامين المقبلين سيكون لهما أهمية كبيرة في المدى البعيد، في ضوء المسارات الديموغرافية والاقتصادية والثقافية التي تحدث في الولايات المتحدة، حتى لو أن جزءاً منها لا علاقة له مباشرة بإسرائيل، فإنها يمكن أن تؤدي إلى تآكل الالتزامات الأميركية حيال إسرائيل. تجاهُل إسرائيل لهذه المسارات يمكن أن يكون كارثياً على المصالح الإسرائيلية، لأن ذلك يمكن أن يضرّ بمنظومة العلاقات الخاصة بين الدولتين، عاجلاً أم آجلاً. المطلوب من حكومة إسرائيل الاستعداد بصورة ملائمة، ومن الأفضل أن يحدث هذا في أقرب وقت، من أجل مواجهة هذه التوجهات الإشكالية.
  • في الخلاصة، على الزعامة الإسرائيلية أن تدافع عمّا تعتبره الأهم بالنسبة إلى الأمن القومي لإسرائيل، حتى لو كان ثمنه المواجهة مع الإدارة الأميركية. مع ذلك، عليها أن تدرك أن واشنطن والإدارة والكونغرس يتوقعون احترام إسرائيل المصالح الأميركية. لذا، يجب على إسرائيل أن تنتهج نهجاً واقعياً من خلال الحرص على الشفافية والحوار المستمر. النقاشات العلنية يمكن أن تتدهور بسرعة إلى نقطة قد تفسّرها واشنطن بأنها ضد الإدارة الأميركية وضد المصالح الأميركية.
  • لا خلاف على أن المساعدة الأميركية هي مكوّن حاسم في الأمن القومي لإسرائيل، وأن التحديات السياسية والأمنية المعقدة التي ستواجهها إسرائيل في الأشهر القريبة تفرض تنسيقاً كاملاً مع واشنطن. على هذه الخلفية، من المهم جداً أن تأخذ إسرائيل في حسابها أيضاً حاجات الإدارة الأميركية وسياساتها في كل ما له علاقة بصوغ سياسة منسجمة في مواجهة تحديات سياسية وأمنية، وكذلك فيما يتعلق بقضايا تشغل الساحة الدولية وتلك الموجودة في صلب المصالح الأميركية. بالنسبة إلى إسرائيل، العلاقات مع الولايات المتحدة لها أولوية كبرى تفرض عليها اختيار سياسة تتلاءم مع سياسة الولايات المتحدة - حتى على حساب مصالح أُخرى.