الصراع ضد التوجه إلى محكمة لاهاي بشأن الاحتلال الإسرائيلي في مناطق 1967 سيكون من الآن فصاعداً معقداً وأشد صعوبة
تاريخ المقال
المصدر
- لم يسبق أن كانت مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية أفضل مما هي عليه في الوقت الحالي، فقوتها العسكرية والاقتصادية جعلتها دولة يسعى الجميع للتقرب منها ونيل مساعدتها. ولعلّ ما ساهم في ذلك في الآونة الأخيرة الحرب في أوكرانيا، وقبلها فإن التهديد الإيراني المتعاظم ساعد في تثبيت وتعزيز العلاقات بين إسرائيل ومعظم الدول العربية، ومع دول أوروبا التي كانت تُعَد من أكبر منتقدي إسرائيل.
- ولا بد من أن نعيد إلى الأذهان بهذا الشأن أن أول رئيس حكومة في إسرائيل دافيد بن غوريون هو الذي كرّر الادعاء أن مستقبل إسرائيل متعلق، ليس بقوتها وبعظمتها فقط، بل أيضاً بعدالة طريقها، والتي ينبغي أن تتسبّب باعتراف العالم، المتنور والديمقراطي على الأقل، بشرعية إسرائيل وشرعية سياستها وخطواتها.
- غير أن هذه الشرعية تعيش منذ عدة أعوام تحت وطأة هجوم الفلسطينيين ومؤيديهم، لكن أمواجه تتحطم في الغالب أمام الجدار الحديدي الإسرائيلي. ولذا، فلا معنى لحملات المقاطعة والتحريض والقرارات التي تتخذها المؤسسات الدولية، والتي توجد للفلسطينيين أغلبية تلقائية فيها. لكن من الخطأ الاستخفاف بحملة نزع الشرعية الجارية ضد إسرائيل؛ فبعد كل شيء، وقبل أقل من عقد، اضطر زعماء وضباط كبار من إسرائيل إلى الفرار مثل لصوص الليل من دول في الغرب زاروها، خشية اعتقالهم وتقديم لوائح اتهام ضدهم بشبهة خرق القانون الدولي في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]. وهذا الموضوع تمت تسويته، وفي بعض دول أوروبا، مثل بريطانيا، تم تغيير القانون الذي سمح لجهاز القضاء بتنفيذ حملات اعتقال كهذه بسهولة. ومع ذلك، تم ترسيخ السابقة، وقد تتكرر.
- وفي كانون الأول/ديسمبر 2016، في أواخر عهد إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، اتخذ مجلس الأمن قراراً تُعَدّ بموجبه المستوطنات الإسرائيلية في المناطق [المحتلة] غير شرعية، ودعا إسرائيل إلى وقفها. والولايات المتحدة، التي بادرت على ما يبدو إلى القرار، امتنعت من التصويت، لكنها سمحت بذلك بإقراره عملياً. ولحُسن الحظ، لم يتضمن القرار تطرُّقاً إلى المادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تقضي أن بوسع مجلس الأمن فرض عقوبات اقتصادية، أو أن يأمر باستخدام القوة العسكرية، في حال خرق القانون الدولي. ومع ذلك، لا شك في أن هذا القرار هو بمثابة سيف مُصلت فوق رأس إسرائيل، وفيه ما يقيد حرية عملها في المناطق [المحتلة].
- وأضيفَ إلى ذلك القرار قرارٌ آخر اتخذته إحدى لجان الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، وبموجبه، طُلب من المحكمة الدولية في لاهاي إبداء رأيها في "المعنى القانوني للاحتلال الإسرائيلي المتواصل" في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، وأن تقرر ما إذا كان هذا يُعتبر خرقاً للقانون الدولي، أو جريمة حرب. وسبق لهذه المحكمة أن قضت، قبل أكثر من عقد، بأن إقامة إسرائيل للجدار الفاصل ليست قانونية، لأنه يخرج عن تخوم أراضي دولة إسرائيل، والتي حددتها المحكمة بالخط الأخضر لـ4 من حزيران/يونيو 1967.
- إن احتمال اتخاذ محكمة لاهاي قراراً يقضي بأن الوجود الإسرائيلي في يهودا والسامرة هو جريمة حرب ستكون له آثار بعيدة المدى على مكانة إسرائيل الدولية، إذ إنه يمكن أن يُشكّل أساساً لاتخاذ قرارات حادة وصعبة أكثر، مثل تبنّي عقوبات ضد إسرائيل، كالتي فُرضت على روسيا. فهل يمكن التعويل على الولايات المتحدة في منع مثل هذا القرار؟ ربما. لكن مثلما سبق أن رأينا، قد يؤدي التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة إلى الامتناع، أو حتى إلى تأييد أميركي للقرار.
- كان ينبغي إيقاف خطوة التوجه إلى لاهاي فور انطلاقها. أما الآن، فيبدو أن القطار غادر المحطة، وسيكون الصراع ضده في المستقبل معقداً وأشدّ صعوبة مما كان عليه حتى الآن.