باتجاه الصمود؟ الفلسطينيون بعد انتخابات نوفمبر 2022
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • نتائج الانتخابات الإسرائيلية الـ25 لم تفاجىء الفلسطينيين. كمتابعين دائمين لما يحدث في إسرائيل، استطاعوا تشخيص التغيير الذي يجري منذ أكثر من عشرة أعوام في علاقة المجتمع الإسرائيلي بالقضية الفلسطينية، وارتفاع مكانة وقوة الأحزاب المعارِضة للتسوية السياسية. النتائج عززت التقديرات التي يتم الحديث عنها في أوساط فلسطينيين كثر، وبحسبها: إسرائيل لن تعترف بالفلسطينيين كشعب، وبحقهم في تقرير المصير؛ إسرائيل ترفض حل الدولتين، وفي أفضل الأحوال، ستوافق على حكم ذاتي فلسطيني موسع؛ إسرائيل ستستمر في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، ولن تُخلي البؤر الاستيطانية؛ القوى الإسرائيلية التي تريد مأسسة العلاقات على أساس تعايُش وسلام، ضعفت كثيراً؛ وازداد خطر أن يتحول الصراع من صراع قومي إلى صراع ديني.
  • وبحسب التسريبات من المفاوضات الائتلافية في إسرائيل، تطالب "الصهيونية الدينية" الحصول على السيطرة على "الإدارة المدنية"، وإبطال قانون "فك الارتباط" [عن قطاع غزة الذي نفذ في 2005] وتشريع البؤر وضم المستوطنات. يجري تفسير هذه المطالبات على أنها تهويد للضفة الغربية والقضاء نهائياً على فكرة "حل الدولتين"، التي لا تؤمن بها أغلبية أعضاء الحكومة الجديدة في إسرائيل، وترى في السلطة الفلسطينية إزعاجاً يجب إزالته من الطريق، بحسب رأي أغلبية الفلسطينيين.
  • ولكن، يبدو أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية الجديدة والخوف من أن تغلق الباب أمام الإنجازات السياسية التي حققها الفلسطينيون حتى الآن، والتي يعود الفضل فيها إلى السلطة - التي أثبتت قدرة على البقاء في مواجهة محاولات نزع الشرعية عنها والانتقادات الاستثنائية لسياساتها داخلياً. فحتى أن المعارضين لها يعترفون الآن بالحاجة إلى الاتفاق، أو التعاون معها. ففي أعقاب نتائج الانتخابات، بدأ محمود عباس أيضاً بالحديث عن المصالحة الوطنية. كما أن عزام الأحمد مندوب "فتح" في حوارات المصالحة، التقى في 13 تشرين الثاني/نوفمبر المسؤول في "حماس" موسى أبو مرزوق. كما أن اقتراح السلطة بالتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية، بهدف إصدار قرار يحدد ما إذا كانت السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية بمثابة ضم، مدعوم من الأمم المتحدة، حاز على ردود إيجابية حتى من طرف "حماس". وكذلك الأمر بالنسبة إلى قرار الـFBI، فتح تحقيق في مقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة، كما أن قرار اللجنة الثالثة للأمم المتحدة بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، يُعَد لمصلحة السلطة.
  • داخلياً، بعد الانتخابات، يتطور الحوار الداخلي بشأن جدوى الاستمرار في الاعتماد على الخيار السياسي كطريق أساسي لتحقيق الاستقلال الفلسطيني، وترتفع الأصوات التي تطالب بعدم الالتزام باتفاقيات "أوسلو"، والاستجابة للمطالبة الشعبية بالمصالحة الوطنية بين الفصائل. صحيح أنه ليس في مقدور الحوار الحر والصوت العالي بشأن الحلول والسيناريوهات التي من الممكن أن تخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية، أن يترجما إلى إجماع قابل للتطبيق في هذه الفترة. لكن وعلى الرغم من ذلك، وبسبب محاولات زعزعة مكانة السلطة على يد تنظيمات معارضة إسلامية و"جماعات مسلحة" محلية في الضفة، يبدو أن السلطة هي الجسم الأكثر قدرة على التعامل بنجاعة مع التحديات السياسية والدولية التي تفرضها حكومة إسرائيل الجديدة، ويمكن أن تفرضها على الفلسطينيين.
  • مراجعة المسارات التي يمر بها الفلسطينيون على مدار الـ30 عاماً الماضية يمكن أن تشير إلى الطريقة التي يمكن أن يتعاملوا بها مع التحديات التي ستفرضها الحكومة الجديدة عليهم.
  • التصالح مع وجود إسرائيل في المنطقة بدأ التعبير عنه عملياً مع اندلاع الانتفاضة الأولى في سنة 1987، التي عبّرت عملياً عن الاعتراف بضعف القوة الفلسطينية والاستعداد للعيش بصورة مستقلة إلى جانب إسرائيل وليس مكانها. بعد 29 عاماً، في سنة 2017، اعترفت "حماس" أيضاً بحدود القوة، وقبلت مبدأ الدولة الفلسطينية في حدود الـ67، من دون الاعتراف بإسرائيل والسلام معها، وطلبت إجماعاً وطنياً على هذا الموضوع.
  • الانتقال من مرحلة الثورة إلى بناء المؤسسات - ياسر عرفات الذي سبق عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية، استمر في روح الثورة حتى بعد توقيع اتفاقات "أوسلو" و"أضر كثيراً بتطوير الاتفاق مع إسرائيل." عباس الذي كان نائباً له، عارض سياساته جداً. اختياره للرئاسة في سنة 2005، امتاز بالشفافية، وبطرح علني للسياسة التي سيتبناها والتعبير عن التزامه الكامل باتفاقات "أوسلو" واستعداده لتطبيقها حرفياً. في فترة عباس، والشكر أيضاً لسلام فياض الذي كان رئيساً للوزراء في الأعوام السبعة الأولى لرئاسة عباس، تم بناء النظام الفلسطيني على أساسات مؤسساتية ناجعة أكثر من تلك التي أدارها عرفات كنظام هرمي من دون توزيع واضح للوظائف والصلاحيات.
  • قبول الشرعية الدولية - اتفاقات "أوسلو" هي "الإنجاز" الأهم للفلسطينيين منذ بدء نضالهم ضد "الوجود اليهودي" في المنطقة. هذا "الإنجاز" هو نتيجة استجابة منظمة التحرير الفلسطينية لقواعد اللعبة والقرارات الدولية التي رفضتها سابقاً. واليوم، "حماس" تستثمر، صحيح من دون نجاح كبير في تطوير علاقات خارجية، لكن ذلك يشير إلى الوعي بأهمية الحاجة إليها. أهمية الحفاظ على السلطة مرتبطة، إلى حد بعيد جداً، بالدعم الدولي لها، على الرغم من ضعفها الداخلي المستمر، فإنها تُعَد حتى الآن "البيت الوطني الفلسطيني".
  • لذلك، إذا حاولت الحكومة الإسرائيلية الجديدة إعادة الساحة الفلسطينية إلى واقع ما قبل "أوسلو"، أو إذا حددت من جديد علاقتها بها بشكل يمكن أن يفسّره الفلسطينيون بأنه حكم ذاتي لا يذهب في اتجاه استقلال كامل، فستصطدم بنظام فلسطيني لن يوافق على التنازل عمّا تم تحقيقه حتى الآن، وعن التطلعات والآمال التي تغذي استمرار وجود السلطة الفلسطينية.
  • إن السلطة، ككيان قومي، مقبولة من أغلبية الشعب الفلسطيني، والحاجة إلى الحفاظ عليها هي موضع إجماع تقريباً لكل فلسطيني. الخلاف يتركز على السؤال عن السياسات التي على السلطة اتباعها. حتى الآن، بحسب الادعاءات الكثيرة، السلطة هي مقاول لإسرائيل لم تزعزع مكانتها بشكل محسوس. أمّا "حماس"، فعلى الرغم من معارضتها التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، فإنها تعرف، أكثر من أي وقت مضى، حدود استعمال السلاح. مشاركة "حماس" في الانتخابات، والضغوط التي تقوم بها بهدف إجرائها، ورسائل قياداتها المستمرة إلى عباس وقيادات "فتح"، والتي تقول إنه ليس في امكانهم لوحدهم الدفع قدماً بالموضوع الفلسطيني، وأن التعاون المشترك بين "فتح" و"حماس" وحده الذي سيسمح بذلك، كل ذلك يشير إلى "نضج" سياسي واعتراف بحدود كانوا يسخرون منها سابقاً.
  • الحكومة الجديدة في إسرائيل لم تؤلَّف بعد، لكن تأليفها يثير مخاوف في الجانب الفلسطيني. والسياسة التي ستّتبعها تجاه الفلسطينيين، إذا كانت أكثر حدةً بكل ما يخص قضية الصراع وإدارته أمام الفلسطينيين، من الممكن أن تؤدي إلى ديناميكية تعاوُن مختلفة ما بين مراكز القوى في الساحة الفلسطينية. صحيح أنه بسبب الفجوات الكبيرة بين الأطراف، سيكون من الصعب الحديث عن مصالحة بين الفصائل، لكن الفهم المشترك بأنه يوجد تهديد حقيقي للحلم القومي الفلسطيني، يمكن أن يؤدي إلى تعاوُن بهدف تعزيز الصمود، وهي الفكرة التي يؤمن بها كل فلسطيني كعبرة من هزيمة 1948 - كحلقة تجمع جميع الفصائل والأطراف. هذه العبرة مفادها بأننا لن نعيد الكرّة - لن نهجَّر مرة أُخرى، ولن نسمح بالسيطرة على أراضينا أو سلبها، إنما سنبقى ونقاوم.
  • في هذه اللحظة، من الممكن للبعد الشعبي أن يعود ويجري التعبير عنه بصورة ملموسة، وهو ما سيؤدي إلى انشغال إعلامي ودولي مستمر. السلطة بدأت فعلاً بالعمل في هذا المسار. خطوات شبيهة مخططة منذ وقت على يد السلطة، ومن الممكن أن يسرّعها تأليف الحكومة الجديدة. الساحة الدولية ستكون مركز النضال الفلسطيني ضد إسرائيل، وفي هذه المرة ستزداد احتمالات النجاح في الحصول على دعم دولي واسع، حتى من طرف الولايات المتحدة إذا قامت قيادات "الصهيونية الدينية" بتطبيق نياتها. أو سيكون النضال في الضفة الغربية ذي طابع احتجاجي أكثر وجماهيري أكثر، كما أن إمكانية المصالحة الداخلية الفلسطينية ستكون واقعية أكثر مما هي عليه حتى الآن.
  • سيكون من الجيد أن تقوم الحكومة الإسرائيلية الجديدة بتعريف أهداف علاقتها مع الفلسطينيين. وأن تبحث في القضايا التي تثير المخاوف في الجانب الفلسطيني، وتفحص ما يمكن لأعضائها دفعه قدماً من بين الأمور التي صرّحوا بها خلال الانتخابات، وما يجب تأجيله، وثمن كل خطوة. كما سيكون من الجيد أيضاً اتخاذ خطوات تهدئة وحوار، حيث ستكون لهذه الخطوات فائدة. إن التطوير في مجاليْ البنى التحتية والاقتصاد يمكن أن يساعد أيضاً، إذا امتنعت الحكومة من التصريحات التي يمكن تفسيرها بأنها تغلق الطريق أمام الحل السياسي.