التحديات الاستراتيجية الآنية أمام الحكومة الجديدة
المصدر
  • الحكومة المتوقع تأليفها قريباً ستتعامل مع واقع استراتيجي مركّب، وتحديات سياسية وأمنية كثيرة في الساحة الداخلية، والإقليمية والدولية. وبسبب ضرورة التعامل مع هذه التحديات، على الحكومة أن تقوم بصوغ استراتيجيا شاملة واستجابة نظامية، عبر تبنّي سياسة حذرة تمنع اندلاع مظاهر عنف وإلحاق الضرر بأرصدة نمتلكها وبالتعاون الاستراتيجي، وعلى رأسه التحالف مع الولايات المتحدة والعلاقات مع الدول السنّية.

الساحة الفلسطينية - بحاجة إلى صوغ

استجابة بأسرع وقت ممكن

  • التصعيد المستمر في الحالة الفلسطينية، وبصورة خاصة في الضفة الغربية، يدفع الحكومة المستقبلية إلى صوغ استراتيجيا منهجية واستجابة سريعة جداً نسبياً. من المتوقع أن يكون الموضوع الفلسطيني على رأس سلّم أولويات الحكومة الجديدة، وخصوصاً أن الحديث يدور عن "قنبلة موقوتة". التحدي الأساسي هو التهديد الأمني المتصاعد في شمال الضفة، ويهدد بالانتشار إلى مناطق أخرى في الضفة، في وقت تظهر السلطة حالة ضعف عميقة وصعوبة، أو عدم رغبة، في تحمُّل مسؤولية مراكز "الفوضى" التي تحدث في المنطقة، وعلى رأسها نابلس.
  • حقيقة أن أبو مازن تنازل عملياً عن قدرته على تحقيق أي إنجاز لشعبه، ترفع حالة الغضب في الشارع الفلسطيني، يضاف إلى ذلك صراع عناصر قوة مختلفة على مواقع القيادة المستقبلية. وفي ظل عدم وجود خليفة طبيعي، من المتوقع أن يتصاعد الصراع على الزعامة من جانب هؤلاء الذي يرون في أنفسهم قيادة محتملة مستقبلية للشعب الفلسطيني. وفي هذا الصراع على القيادة، لن يشارك فقط المسؤولون في "فتح"، بل أيضاً مسؤولون من "حماس" سيحاولون استغلال الوضع والسيطرة على مواقع القوة في السلطة في الضفة أيضاً. هذه الحقيقة، إذا ما تقاطعت مع الافتراض بأن كل مرشح سيصل سيتبنى خطاً قومياً، بهدف تقوية مكانته، تقوّي الاستنتاج بأننا سنكون أمام تصعيد جدي في منظومة العلاقات السياسية والأمنية حيال السلطة الفلسطينية، ومن دون تغيير جوهري في السياسة الإسرائيلية.
  • ومن أجل الانتقال إلى إحباط التهديدات الأمنية المباشرة (بالأساس خلايا كعرين الأسود في نابلس، أو شبكات تحاول "حماس" و"الجهاد الإسلامي" تفعيلها)، سيكون على الحكومة الجديدة أن تتخذ عدة خطوات بهدف تهدئة الشارع. وفي هذا الإطار، يجب الاستمرار في الحفاظ على قنوات التنسيق مع السلطة كافة، وبصورة خاصة في المجال الأمني؛ والحفاظ على نمط الحياة المدني، الذي سمح حتى اللحظة بالإبقاء على أغلبية المجتمع الفلسطيني خارج الصراع الدائر؛ كما يجب الإشارة إلى أن إسرائيل غير معنية بتغيير حاد للواقع الحالي في المدى المنظور، وبصورة خاصة ضم مناطق من الضفة الغربية و/أو تقليص كبير في الدعم الاقتصادي الإسرائيلي للسلطة. وفي المقابل، فإن خطوات إسرائيلية بصورة أحادية الجانب، مثل ضم مناطق (ج)، من شأنها أن تضر كثيراً بالعلاقات والتعاون مع الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي والدول السنّية، وهو ما سينعكس على الوضع الأمني على الأرض.
  • هذا بالإضافة إلى أنه على إسرائيل أن تكون حساسة جداً إزاء كل ما يخص القدس والأماكن المقدسة، والامتناع من اتخاذ خطوات يمكن أن تفسَّر بأنها خرق للتوازن الهش الموجود على الأرض، وتؤدي إلى تصعيد عنيف، يتم تصويره في العالم الإسلامي كحرب دينية. وفي هذا السياق، على إسرائيل العمل لتقوية التنسيق مع السلطة والأردن، الذي عبّر عن تخوّف من خطوات إسرائيلية محتملة في القدس. الحفاظ على التعاون - التنسيق مع المملكة ضروري لضمان المصالح العليا للأمن القومي الإسرائيلي.

مراجعة السياسة حيال "حماس"

  • من المفضل مراجعة السياسة المتخذة تجاه غزة في الأعوام الأخيرة بحذر، والتي تركز على حفظ الهدوء الأمني وتسمح، عملياً، لـ"حماس" بضبط الوضع مقابل إسرائيل. وفي الوقت نفسه، تسمح بمأسسة حكمها السياسي والعسكري وتحسين جاهزيتها على طريق السيطرة على المنظومة الفلسطينية برمتها (هدف معلَن للحركة)؛ وفي المقابل، الدفع والتحريض من داخل غزة لإقامة وتفعيل بنى عسكرية ترفع التحديات الأمنية من جانب الضفة.
  • على إسرائيل البدء بطرح شروط واضحة أمام "حماس" بشأن استمرار التسهيلات الاقتصادية مقابل جهود وقف التحريض و"الإرهاب"، عبر استغلال أغلبية أوراق الضغط الخارجية على "حماس"، ومن دون اتخاذ خطوات جذرية من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد سريع في غزة.
  • يمكن لهذه الخطوات على الجبهتين أن تؤدي إلى هدوء وإحباط التهديدات الأمنية. وهو ما سيسمح بالتقدم إلى المرحلة الضرورية المقبلة، وهي حوار معمق بشأن الاستراتيجيا المطلوبة إزاء الحالة الفلسطينية (غير الموجودة منذ أعوام طويلة عملياً). وهذا بسبب الفهم أنه لا يمكن الاستمرار في المحافظة على الواقع الحالي من خلال الأدوات القائمة (خاصة الاقتصادية)، وأنه من دون اتخاذ المبادرة باتجاه أو بآخر، من الممكن أن تجد إسرائيل نفسها أمام ظروف حرجة (بعضها سيتطور من داخل المنظومة الفلسطينية نفسها)، فيدفعها إلى تطوير ردّ استراتيجي كردّ فعل مشابه للحالة التي حدثت في أعقاب الانتفاضة الأولى والثانية. صوغ خطة سياسية استراتيجية طويلة الأمد لترتيبات يمكنها أيضاً أن تساعد إسرائيل على تحسين صورتها أمام الدول الغربية والسنّية.

الساحة الداخلية: إمكانية ارتفاع

حدة التوتر بين العرب واليهود

  • الساحة الإضافية القابلة للاشتعال هي الساحة الداخلية، وفي مركزها العلاقات المتوترة ما بين اليهود والعرب. الجمهور العربي يعيش بعد الانتخابات مزيجاً من الإحباط والخوف. الأمل بتعزيز القدرة على التأثير تراجع، وحلّ محله يأس عميق، إلى جانب الخوف من خطوات الحكومة المقبلة. كل هذا إلى جانب استمرار المشاكل الأساسية، وعلى رأسها الجريمة والعنف، وأزمة الجيل الشاب والشعور بالتهميش العميق.
  • على الحكومة المستقبلية أن تفهم هذا الواقع وتوضح أنها تنوي الاستمرار، وحتى توسيع التعامل مع أزمة المجتمع العربي، وفي المقدمة وقف الجريمة والعنف، والاستمرار في تنمية الجيل الشاب وتطوير الوضع الاقتصادي، إلى جانب البنى التحتية والمدنية داخل البلدات العربية، بالإضافة إلى إدارة حوار يومي مستمر وواسع ومباشر مع القيادات العربية في الكنيست، ومع الجمهور العربي. تجاهُل الواقع المتوتر، والأسوأ الاعلان عن خطوات جديدة تحدّ من قدرة الجمهور العربي، أو تقلل من دعم الدولة له، من الممكن أن تُفسر بأنها بمثابة "إغلاق الباب" الحكومي والجماهيري، مما سيؤدي إلى انهيار التوقعات بشكل حاد، وهو ما سيؤثر سلباً في الواقع الداخلي، وفي الحصانة القومية الداخلية لإسرائيل.

التهديد الإيراني - يجب صوغ ردّ استراتيجي شامل

  • في الشهرين الماضيين، كان هناك ارتفاع في التهديد الإيراني لإسرائيل، كنتيجة لالتقاء عدة مسارات - العبثية المستمرة في المحادثات النووية، وعدم وجود رقابة عملية على نشاطات إيران في هذا المجال إلى جانب تعاوُن عسكري مع روسيا يسمح لها بتحسين قدراتها الهجومية في مجال المسيّرات، ومن الممكن أيضاً الصواريخ. هذا بالإضافة إلى البعد الإقليمي، إذ نجحت إيران في تحسين ظروفها، بعد أن نجح محمد السوداني، الداعم لإيران، في الوصول إلى منصب رئيس الحكومة العراقية.
  • أمام هذه المسارات، سيكون على الحكومة الجديدة أن تضع على رأس سلّم أولوياتها الحاجة إلى صوغ خطة استراتيجية شاملة لكبح التهديد الإيراني، بينما يبدو أن الفرصة الزمنية لوقف الخطة النووية تكاد تنفذ. لذلك، يجب أن يكون هناك تعاوُن عميق مع الولايات المتحدة ودول الخليج. وهو ما يجب أن يدفع الحكومة الجديدة إلى العمل على بناء الثقة والامتناع من اتخاذ خطوات من شأنها أن تضر بالعلاقات مع هذه الدول، وتضر بجاهزيتها للاستجابة إيجابياً لطلبات إسرائيل. هذا بالإضافة إلى أنه على إسرائيل أن تستغل الامتعاض المتصاعد في الغرب من المساعدة العسكرية لروسيا وقمع التظاهرات الداخلية، بهدف الدفع قدماً بشن معركة على الوعي وعلى الاقتصاد تكون واسعة، وتزيد في الضغوط الداخلية والخارجية على النظام.
  • وبسبب التخوف من سيناريو قيام إيران بالذهاب إلى الخيار النووي، على الجيش أن يسرّع مسارات تعاظُم وبناء القوة. هذه المسارات تستند، إلى حد بعيد جداً، إلى المساعدة الاقتصادية الأميركية والتعاون الوثيق معها، بشكل يبرز أكثر حاجة الحكومة الجديدة إلى بناء منظومة علاقات ثقة مع الإدارة.

المحافظة على السياسة الحذرة إزاء روسيا

  • ينبع الوضع المركّب للموقف الإسرائيلي من الحرب المندلعة في أوكرانيا منذ 8 أشهر، ومن الوضع الاستراتيجي والأمني الخاص الذي تعيش فيه إسرائيل. فمن جهة، هناك الحسابات الاستراتيجية والـ"قيمية" (الحلف مع الولايات المتحدة وجرائم الحرب الروسية)؛ ومن جهة ثانية، هناك الحسابات الأمنية القومية (حفظ حرية العمل في سورية ووضع اليهود في روسيا). وبسبب ذلك، على الحكومة الجديدة تبنّي سياسة مركّبة، في مركزها التعبير عن الدعم العلني لأوكرانيا والدفع قدماً بتعاون سري معها، إلى جانب سياسة حذرة بتزويدها بمنظومات الدفاع الجوي.
  • يمكن للتعاون مع أوكرانيا أن يأتي بفائدة كبيرة لإسرائيل، بتعلُّم القدرات التكنولوجية للمسيّرات وطرق تفعيلها، بشكل سيساعدها على تحسين طرق الدفاع. وفي الوقت نفسه، على الحكومة أن تكون حذرة من الانجرار إلى مواجهة عسكرية، والامتناع من تزويد أوكرانيا بمنظومات دفاع جوي. وهذا بسبب التخوف من ردّ روسي، كما تم التعبير عنه بالتحذيرات التي مرّرها مسؤولون روس. ويجب الإشارة إلى أنه على الرغم من التقارب الروسي الإيراني، فإنه لم يتم الضرر بحُرية الحركة الإسرائيلية في سورية.

الحساسية إزاء الإدارة الأميركية

  • طبيعة وتركيبة الحكومة الجديدة تؤدي إلى مخاوف كثيرة في أوساط الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة، وفي أوساط اليهود هناك، بالإضافة إلى مخاوف لدى الاتحاد الأوروبي. لا يوجد بديل من العلاقات الاستراتيجية الخاصة مع الولايات المتحدة، وإسرائيل لا يمكن أن تسمح لنفسها بإلحاق الضرر بها، حتى لو كان قليلاً جداً، إذ تستند هذه العلاقات بالأساس إلى قيم "ديمقراطية ليبرالية" مشتركة بين الدولتين.
  • على الحكومة المقبلة أن تكون حساسة أكثر وحذرة أكثر بشأن صوغ خطوط سياساتها، كي لا تمنح منتقديها سلاحاً بطريقة تمكنهم من التأثير في التعاون بين الدولتين. وبسبب التوقعات بأن الأعوام المقبلة ستشهد ارتفاعاً في حدة الاستقطاب في المجتمع الأميركي تحضيراً للانتخابات الرئاسية وعودة ترامب المتوقعة، وبسبب استخلاصات الماضي، سيكون على الحكومة المقبلة أن تكون حذرة من الانجرار إلى صراعات علنية مع الإدارة، يمكن أن يستغلها الجمهوريون بهدف ضرب الديمقراطيين، وأن تكون جزءاً من الحملات الانتخابية.