نتنياهو. هذه الولاية ستحدد إرثك: لا تتجاهل الفلسطينيين
تاريخ المقال
المصدر
- تشارلز داروين صاحب نظرية النشوء والارتقاء، الذي صاغ نظرية الانتقاء الطبيعي، اقترح فكرتين ثوريتين؛ الأولى: البقاء هو القوة الحاسمة في الطبيعة؛ والثانية: ليس الأكثر قوة أو ذكاء هو الذي يبقى في قيد الحياة، بل الشخص الأكثر قدرةً على الاستجابة للتغيير. لم يتحدث داروين عن قيم ولا عن مصالح، لكنه أخضع التوازن بينهما للحمض النووي (DNA) للبقاء، أي السلوك الاستباقي في مواجهة ظروف متغيرة. وتنطبق قواعد البقاء على كل شيء: كائنات حية، دول قومية، دول عظمى، وشركات تجارية، وتنظيمات من أي نوع. مَن لا يقدر على مواجهة تغيُّر الظروف بنجاح، يضعف ويتحلل ويموت. المنتصرون هم هؤلاء الذين نجحوا في مواجهة التغيير من خلال تغيير أنفسهم.
- لكن في الصراع على البقاء، هناك فارق بين الضعفاء والأقوياء. الدول العظمى التي تفرض الأجندات الدولية تمتاز بقدرتها على التعافي من الإخفاقات الاستراتيجية (مثلاً حرب فيتنام، أو حرب العراق)، ومما تسميه المؤرخة بربارا توكمان "مسيرة الحماقة". في المقابل، سيكون على الضعفاء التصرف بحذر والمناورة بين القيم والمصالح، ليس لديهم هامش أو ميزات مثل الوقت لتصحيح الإخفاقات. وإذا فشلوا في مواجهة الواقع المتغير، فإن قدرتهم على البقاء تنتهي ببطء، أو دفعة واحدة.
- صاحب النظرية الداروينية الإسرائيلي سيقول لرئيس الحكومة المقبل بنيامين نتنياهو جملة واحدة، استقل طوافة واذهب إلى عمّان ورتّب علاقتك بالعاهل الأردني الملك عبد الله. إن أهمية العلاقات مع المملكة الهاشمية واضحة ولا تحتاج إلى كلمات. ثانياً؛ لا تحرق الجسور مع الحزب الديمقراطي الأميركي، فقد أظهرت الانتخابات النصفية هذه الليلة أن الديمقراطيين يمثلون نصف الشعب الأميركي. صحيح أن الجناح التقدمي في الحزب معادٍ لإسرائيل، ويكاد يلامس العداء للسامية، لكن الأغلبية الساحقة في الحزب الديمقراطي بزعامة رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي والسيناتور تشاك شومر، وخصوصاً الرئيس جو بايدن، لا تزال تحافظ على ولائها الشديد لدولة إسرائيل.
- من ناحية أُخرى، سيد نتنياهو، صحيح أن الجمهوريين والطائفة الإنجيلية يؤيدان إسرائيل من دون تحفّظ، لكن اليمين المتطرف والمعادي للسامية لم يعد على هامش الحزب. عضو الكونغرس مارجوي تايلور غرين التي انتُخبت مؤخراً، والتي تمثل اليمين المتطرف ونظرية تفوّق البيض، هي من أبرز المُعادين للسامية. في سنة 2018، ادّعت أن الحرائق التي اشتعلت في كاليفورنيا سببها شعاع من الليرز أطلقته عائلة روتشيلد في الفضاء.
- كما يجب تذكير نتنياهو بأن إسرائيل اختارت خلال العقد الأخير تخبئة القضية الفلسطينية تحت السجادة. صحيح أنه لم يكن يوجد شريك فلسطيني لإنهاء النزاع، وربما لن يوجد. وصحيح أنه منذ أيام مفتي القدس محمد أمين الحسيني، مروراً بياسر عرفات، وصولاً إلى خليفته أبو مازن، يرفض الفلسطينيون إنهاء النزاع، ولا يوجد في الأفق زعامة مختلفة. لكن سيد نتنياهو، في هذه الولاية التي ستحدد إرثك، أنت لا تقدر على الاستمرار في تجاهُل المقاطعة [مركز السلطة الفلسطينية]. ورَثة أبو مازن يمكن أن يكونوا شركاء في التوصل إلى ترتيبات محدودة في الضفة تخفف من الاحتكاكات، وتقوي سيطرة السلطة، وتضمن الأمن الذاتي، وتسمح تدريجياً بإجراء اتصالات من أجل التوصل إلى تسوية سياسية. كل هذا، شرط أن تعتبر إسرائيل السلطة شريكاً، ولو بصورة جزئية ومحدودة، وتعتبر "حماس" عدواً، بدل العكس الحاصل حالياً.
- أخيراً سيد نتنياهو، لنعد إلى التاريخ. ونستون تشرشل الذي يحظى بإعجابك، هو ليس بالضرورة السياسي المناسب لقضايانا، بل حليفه الفرنسي الجنرال شارل ديغول هو الأكثر ملاءمة لنا، كما يظهر من السيرة الذاتية الشاملة التي كتبها المؤرخ جوليان جاكسون.
- في كانون الأول/ديسمبر 1961، رد ديغول، الذي كان حينها رئيساً للجمهورية، على وزير رفيع المستوى كان يؤيد ضمّ الجزائر: "أنت تريد إنشاء إسرائيل أُخرى فرنسية. انظر إلى إسرائيل، كل العالم العربي ضدها. على الأقل، الإسرائيليون قاتلوا من أجل استقلالهم، بعد أن احتلوا دولتهم. المستوطنون الفرنسيون يريدون أن يبقوا مرتبطين بهم. لكننا لسنا مستعدين لربط مصيرنا ومستقبلنا الوطني بأهواء الفرنسيين في الجزائر [Les Pieds Noir]، وإذا اعتمدنا موقفك، كل العالم سيقف ضدنا."
- رفض ديغول ضمّ الجزائر، ومنحها الاستقلال الكامل، وأعاد ملايين المستوطنين الفرنسيين إلى بلدهم فرنسا. بعد حرب الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967]، وصف ديغول الشعب اليهودي بأنه "شعب فخور وواثق بنفسه ومسيطر". كما أوضح ما يبدو اليوم نبوءة تحققت جزئياً: "بالنسبة إلى الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل الآن، فإن ذلك سيحولها إلى سلطة احتلال يرافقها اضطهاد وقمع وطرد، وستنشأ في مواجهتها مقاومة ستصفها إسرائيل بأنها إرهاب... ومن الواضح أن النزاع لن ينتهي، ولن يكون هناك حل إلا من خلال اتفاق دولي."