علاقات الولايات المتحدة-إسرائيل: تحديات وردود
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

 

  • مؤخراً، عادت قضية العلاقات الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة إلى النقاش الداخلي الإسرائيلي. والسبب الرئيسي في هذا هو الحرب في أوكرانيا وموقف إسرائيل منها، وخصوصاً من الناحية الأخلاقية. فالإدارة الأميركية تقود ائتلافاً دولياً لمساعدة أوكرانيا في حربها في مواجهة روسيا، بينما تحافظ إسرائيل، لأسباب أمنية مرتبطة بالعلاقات مع روسيا، على الحياد نسبياً. ويتطرّق النقاش إلى إيجاد توازن بين المساعدات الأميركية لإسرائيل على جميع الأصعدة الأمنية والاقتصادية والسياسية، وبين الموقف الإسرائيلي.
  • لقد أتاح الأساس المتين الذي قامت عليه العلاقات بين الدولتين بالحفاظ على هذه العلاقات حتى عندما حدثت خلافات بين الإدارتين. وهذا مرده قبل كل شيء إلى الفهم الأميركي بأن الدولتين تتشاركان "قيماً مشتركة" (الحرية والديمقراطية والحفاظ على حقوق الإنسان)، بالإضافة إلى مميزات مشتركة (أمة مهاجرين، و"أرض الإمكانات غير المحدودة").
  • لقد استندت السياسة الأميركية في دعمها لإسرائيل إلى قناعة بين الأميركيين والإسرائيليين بأهمية العلاقات التي تنبع من الالتزام بأمن "الدولة اليهودية". وعلى مدى الأعوام، دفعت الدولتان قدماً بالمصالح المشتركة والتعاون في عدد كبير من المجالات. ومن ناحيتها، حظيت إسرائيل بدعم من الحزبين الأميركيين اللذين اعتبرا أن العلاقات مع إسرائيل فوق كل الخلافات.
  • وكان من شأن زيارة الرئيس بايدن إلى إسرائيل في تموز/يوليو 2022، و"إعلان القدس" بشأن التعاون الاستراتيجي بين الدولتين الذي تم توقيعه خلال الزيارة، التأكيد على أن الإدارة الحالية ممثلة برئيسها، ما زالت ملتزمة بأمن إسرائيل. هذا بالإضافة إلى أن الرئيس الأميركي، الذي عبّر طوال عمله السياسي عن دعمه لإسرائيل، منح الزيارة أبعاداً مهمة حتى لو لم تؤدِ إلى أي تطورات سياسية جدية.
  • وتحرص الإدارة الأميركية على الحياد فيما يتعلق بنتائج الانتخابات التي جرت مؤخراً في إسرائيل، لكن بعض الانتقادات ظهر بصورة خاصة داخل صفوف الحزب الديمقراطي في الكونغرس بشأن التركيبة المتوقعة للحكومة، بالإضافة إلى تخوّف داخل الإدارة من سلوك إسرائيل، وخصوصاً بشأن حقوق الإنسان في السياق الفلسطيني.
  • يضاف إلى ذلك أن استطلاعات الرأي التي قام بها معهد (Pew Research Center)، أشارت إلى أن أغلبية المستطلعين يؤيدون إسرائيل، إلاّ إن هذا الدعم يتراجع جدياً كلما انخفضت أعمار المستطلعين. ففي حين يدعم من هم في الخمسين من عمرهم إسرائيل بمعدل 65%، ينخفض معدل الدعم لدى الأجيال الشابة إلى 45%. وتُشير استطلاعات رأي أجرتها جامعة ميريلاند لمعهد "بروكينز" إلى أن الجمهور الأميركي يدعم إسرائيل بصورة عامة، لكن، في أوساط الجمهور الأميركي وخصوصاً الداعمين للحزب الديمقراطي، هناك انتقادات للموقف الإيجابي لدى صانعي القرار الأميركي بشأن كل ما يتعلق بإسرائيل، وخصوصاً الصراع مع الفلسطينيين. وقد اعتبر معظم الديمقراطيين الذين تم استطلاعهم أن الإدارة تدعم إسرائيل أكثر من اللازم. ولم يكن لدى جزء كبير من الديمقراطيين أي رأي في الموضوع، وادعى معظم المستطلعين (وضمنهم من يدعم الجمهوريين) أن نواب الكونغرس يدعمون إسرائيل أكثر من المطلوب. وتتركز الانتقادات لإسرائيل في صفوف الديمقراطيين وتحديداً التقدميين، إذ يعبّر جزء صغير من ممثليهم في الكونغرس عن انتقادات حادة للسياسة الإسرائيلية ويطالبون الإدارة بتغيير علاقتها بها.
  • وعلى الرغم من ذلك، فحتى لو تبنّت إسرائيل سياسة تلائم كلياً آراء منتقديها في الولايات المتحدة، فإن التطوّرات في الولايات المتحدة والساحة الدولية تشير إلى اتجاهات طويلة الأمد ومقلقة، حتّى لو لم تكن لأغلبيتها علاقة مباشرة بإسرائيل وسياساتها، فإنها من الممكن أن تؤثر بدرجة ما في الدعم لإسرائيل، وأهمها:
  • اتجاهات ديموغرافية: مؤخراً، يبدو من الواضح أن هناك تغييرات في البنية الديموغرافية للمجتمع الأميركي: ارتفاع عدد السكان من غير البيض يحوّل النقاش العرقي إلى مركّب مهم في النقاش الجماهيري- السياسي وفي تركيبة الأحزاب؛ تبدّل الأجيال- جيل القيادات الذي ينتمي إليه الرئيس بايدن، ورئيسة مجلس الشيوخ نانسي بلوسي وقائد الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، الذين عايشوا الحرب العالمية الثانية ويعتبرون الحرب سيئة لكنها ضرورة، في مقابل جيل جديد يعتبر أن الحروب التي شكّلت وعيه كان يمكن تفاديها (فيتنام، العراق وأفغانستان)، ويميل إلى التشكيك وحتى السخرية من استعمال القوة العسكرية. وهنا تبدو ادّعاءات إسرائيل بشأن "الدفاع عن الذات" وحروب "لا مفر منها" لا معنى لها في نظرهم.
  • الاستقطاب السياسي-عاش المجتمع الأميركي في الأعوام الأخيرة مساراً واضحاً يتميّز بالانقسام والاستقطاب السياسي المتصاعد تقريباً بشأن كل موقف سياسي داخلي، اقتصادي وسياساتي واجتماعي. ولا يدور الحديث فقط عن خلافات أيديولوجية، إنما يتعداها إلى انتقاد الطرف الآخر بسبب خلافات سياسية. والمغزى الرئيسي هو أن هامش الإجماع الذي ميّز سابقاً المجتمع والسياسة الأميركية بدأ يتقلّص ويختفي، والدعم لإسرائيل بات يحتل المواقع الأخيرة في السياسة التي تحظى بدعم كلا الحزبين.
  • ارتفاع الشعبوية: تقدميون يساريون في مقابل انفصاليين يمينيين. حزب الوسط السياسي ما يزال موجوداً لكنه يتراجع وتتقدّم عليه اتجاهات شعبوية في اليسار واليمين، وتتحدّى "الخط الرئيسي" الحزبي. وتبرز الاتجاهات ضد إسرائيل تحديداً في أوساط الحركة التقدمية التي تتحدّى المؤسسة الديمقراطية من اليسار. وفي أوساط هذا المعسكر السياسي، هناك من يؤمن بأنه لا توجد قيم مشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة، بسبب الجمود السياسي في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وبعض الأفراد من هذا الوسط يدعمون حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) ويعارضون المساعدات العسكرية الممنوحة لها. حتى الآن وقف الرئيس بايدن سداً منيعاً في وجه ذلك، لكن هناك مؤشرات في الكونغرس، وفي الجامعات وأماكن أُخرى-تشير إلى أن الرسالة تصل.
  • اللوبي الداعم لإسرائيل: على الرغم من أن معظم يهود الولايات المتحدة لا يزالون يدعمون إسرائيل، لكن يمكن أيضاً ملاحظة اتجاهات تراجع في أوساطهم، وهي في الأساس وإلى حد ما تعزز قوّة المؤسسات اليسارية اليهودية، المستعدة لانتقاد إسرائيل. جزء صغير منهم يدعم الـ (BDS).
  • سلم الأولويات في الساحة الدولية: في الأعوام الأخيرة، وبسبب المنافسة المتصاعدة في مواجهة الصين والحرب في أوكرانيا، تغير التهديد على الصعيد الدولي والأميركي، ولقد انعكس ذلك على الأهمية التي توليها الولايات المتحدة للشرق الأوسط. حتّى الآن لا تزال الإدارة مرغمة على الاهتمام بالمنطقة، لكن هذا الاهتمام يتقلّص بالمقارنة مع الماضي، وبات يتركز في تقليل الأضرار والدفع قدماً بالفرص. ويبدو أن هناك اتجاهاً لتقليص الاهتمام العسكري في المنطقة. ومن المهم الإشارة إلى أن التطلع إلى الابتعاد عن الشرق الأوسط ظاهرة طويلة الأمد، تتعدى الأحزاب، وتتمتّع بإجماع نادر في واشنطن.
  • إن الدعم الأميركي لإسرائيل ليس بديهياً. فحتّى لو لم يكن للتغييرات الداخلية في الولايات المتحدة دائما تأثير مباشر في إسرائيل، فإنه وعلى المدى البعيد وبشكل غير مباشر يجب الأخذ في الاعتبار أن الواقع الاجتماعي-السياسي الذي يتطوّر في الولايات المتحدة ستكون له تداعيات مباشرة على المصالح الإسرائيلية وفي مجالات عدة. صحيح أن الولايات المتحدة لا تزال الدولة العظمى الأقوى في العالم، لكن على الرغم من ذلك فإن الأولويات الأميركية تتغيّر وسيكون لذلك تداعيات على اللاعبين الدوليين وخصوصاً في الشرق الأوسط.
  • لإسرائيل الحق في أن تكون لها مواقف مستقلة، لكن يجب أن نفهم بأن الحفاظ على القيم المشتركة سيكون له تأثيره في مواقف الجمهور والإدارة. لذلك، يجب إدارة حوار معمق في إسرائيل يتناول الاتجاهات العميقة التي تمر بها الولايات المتحدة وتداعياتها الطويلة الأمد على الاستقطاب السياسي والتغييرات الديموغرافية والاجتماعية، وخصوصاً الالتزام المستقبلي للمشرعين والرؤساء الأميركيين بأمن إسرائيل، واعتماد حوار مع الولايات المتحدة يتلاءم مع هذه التطوّرات. وهذا في ضوء إمكان أن يؤدي ما يجري في الساحة الداخلية الأميركية إلى تآكل الفهم العميق لدى أوساط القيادة الحالية بالولايات المتحدة لحاجات الأمن القومي الإسرائيلي.
  • من المفضّل أن تلائم إسرائيل سلوكها ومواقفها وفق سلم الأولويات المتغيّر في الولايات المتحدة وأيضاً بسبب الاختلاف في وجهات النظر المتوقع بشأن قضايا سياسية، ومن ضمنها الحرب في أوكرانيا والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وأن تعمل على توسيع علاقاتها مع واشنطن إلى مجالات "الحياة ذاتها": الصحة، قضايا التغير المناخي، التحديات الاقتصادية والمجال التكنولوجي الذي هو في قلب المنافسة بين القوى العظمى. وهذا، في الوقت الذي يشكل توقيع "إعلان القدس" الخطوة الأولى والمهمة في هذا السياق. لإسرائيل أفضلية نسبية في هذه المجالات التي يمكن أن تكون مهمة جداً لواشنطن. وهكذا يتم حفظ العلاقة وتعزيزها بين الدولتين في مرحلة تتراجع فيها أهمية الشرق الأوسط في سلم الأولويات الأميركي والعلاقات التي تقف أمام تحديات التغييرات التي تجري في الولايات المتحدة ذاتها، وفي السياسة الإسرائيلية أيضاً.
  • هذا بالإضافة إلى أنه على إسرائيل أن تتوجه إلى شرائح مختلفة من الجمهور الداعم لها في الولايات المتحدة وتزيد من جهودها للتواصل مع فئات لا علاقة تاريخية لها واضحة مع إسرائيل، وعدم الاستناد فقط إلى دعم الإنجيليين واليهود الأميركيين. ومن المهم الإشارة والتشديد على الحاجة إلى فتح حوار على صعيد القيم مع التقدميين، ومنهم هؤلاء الذين يوجهون انتقادات لإسرائيل، بهدف جعلهم أكثر اعتدالاً وتقليل نفوذهم، طبعاً من دون التجاهل الكلي للفجوة بين الطرفين.