بنيامين نتنياهو بين سياسات الهوية اليهودية والسياسة النفعية البراغماتية
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • التوجه الذي أظهرته نتائج الانتخابات في إسرائيل ليس استثنائياً وغير مسبوق في المشهد الإقليمي والعالمي. المقصود العودة إلى السياسة التي تعتمد على تحديد الهويات. لقد رأينا هذا منذ أكثر من سنة في الساحة الفلسطينية، وفي الحرب الروسية - الأوكرانية، وفي فوز اليمين في الانتخابات في إيطاليا، وصعود اليمين في الانتخابات الفرنسية.
  • في العقود الأخيرة، شهدنا صداماً بين "منطقين سياسيين". الأول، هو المنطق ما بعد الحداثي الجديد للسياسة النفعية التي تقدس الاقتصاد، وتعتبر تجسيداً متطرفاً للفردية؛ والثاني، هو المنطق الذي يتماهى مع سياسة الهويات في العصر الحديث التي تعطي الأولوية للجماعة القومية والانتماء الوطني والمستقبل الطوباوي.
  • المنطق الأول يعبّر عن سياسة فضفاضة ونسبية ومناورة، والثاني سياسة الحدود والوضوح. شهدت إسرائيل في العقد الماضي السياسة النفعية، لكن بصورة مختلفة، مقارنةً بالعالم: فالذي قادها كان اليمين ظاهرياً: الليكود ورئيسه بنيامين نتنياهو. وخلال فترة حكمه، انتهجت إسرائيل – في المجال الاجتماعي والاقتصادي والأمني - نهجاً وسطياً أُعطيت فيه الأولوية للفائدة على أيّ شيء آخر. وتصرُّف نتنياهو تميز بالبراغماتية وانضم إليه شركاء مريحون من وسط الخريطة السياسية، مثل تسيبي ليفني ويائير لبيد وبني غانتس، الذين حولوا الليكود إلى نوع من حزب مباي. وبالتالي، لم تنفَّذ خلال تلك الفترة خطوات يمينية، مثل ضم مناطق، أو حدوث انقلاب في المنظومة القضائية.
  • لكن هذه السياسة النفعية طُبقت تحت غطاء تصحيحي يتماهى مع سياسة الهويات، تحديداً. وهكذا قام نتنياهو بالمناورة بين المجالين وحمل الكرتين - كرة النفعية التي حددت المضمون، وكرة الهويات التي حددت الشكل. هذا الواقع خلق الانطباع بأن إسرائيل باتت مهيأة للانتقال إلى المرحلة المقبلة: تحويل السياسة النفعية إلى أيديولوجيا، أو نظرية علنية تسمح بطمس أسس الهويات.
  • هذا هو الأساس والبنية التحتية التي سمحت بقيام "التغيير"، أي حكومة بينت – لبيد وخطوات أُخرى كانت تبدو سابقاً مستحيلة، مثل انضمام حزب عربي إلى الائتلاف، والذي مع المنطق الجديد، اختار الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. ضمن هذا السياق، يجب الإشارة إلى أن نتنياهو انتهج طوال مدة ولايته سياسة براغماتية للغاية حيال المجتمع العربي، وقاد سياسة ترمي إلى دمجه اقتصادياً، لكنه فعل ذلك من تحت الطاولة، ومن خلال إظهار نزاعه المعلن الذي عبّر عنه في عبارته المعروفة "العرب يتدفقون على صناديق الاقتراع".
  • وما الذي جرى في انتخابات هذا الأسبوع؟ كلما تسربت السياسة النفعية إلى عروق المنظومة السياسية، كلما كبرت ردة الفعل عليها. ليس نتنياهو والليكود وحدهما اللذان أدركا أن عليهما إعادة تحديد الهوية القومية – التصحيحية - مثلاً بواسطة الهجوم على حزب راعام الذي حاوره نتنياهو بنفسه وتعاون معه، أو من خلال الإشارة إلى فقدان سيطرة القانون و تفشّي العنف في المجتمع العربي (على الرغم من ظهورهما خلال ولاية نتنياهو)، أو من خلال الوقوف ضد الاتفاق النفعي الموقّع مع لبنان. أوساط واسعة في المجتمع الإسرائيلي اكتشفت أنه تحت السياسة النفعية، تآكلت هويتهم اليهودية، وطُمست هويتهم الشخصية إلى حد أنه من المحتمل أن إسرائيل تدفع ثمن ذلك من خلال عجزها عن وضع حدود في الأماكن التي تتطلب ذلك (الأمن الفردي/الجريمة وغيرها).
  • جاءت ردة الفعل على السياسة النفعية من جانب المجتمع اليهودي، وقد تجلى ذلك من خلال ظاهرة إيتمار بن غفير (الذي إلى جانب كونه ممثلاً للكهانية، فهو يجسّد الاتجاه النقيض لسياسة طمس الهويات الذي رافق السياسة النفعية). كما جاءت ردة الفعل من المجتمع العربي: بالأساس من حزب التجمع (بلد) الذي يعبّر عن تمثيل أيديولوجي واضح، والذي على الرغم من عدم تجاوزه نسبة الحسم، فإنه نال نسبة تأييد كبيرة نسبياً.
  • لا يزال المجتمع الإسرائيلي بحاجة إلى محددات للهوية، والتحدي الذي يواجهه نتنياهو سيكون في كيفية الحؤول دون التطابق الكامل بين المضمون وبين الأسلوب ويصبح كل شيء يعتمد على سياسة الهويات. هذه هي مصلحة بن غفير وسموتريتش، لكن مَن سيؤلف الحكومة، سيضطر إلى إبقاء أسس السياسة النفعية والبراغماتية كي يخلق توازناً بين نقيضين، كلٌّ منهما يخدم المجتمع الإسرائيلي على طريقته.