بعد 30 عاماً، وداعاً ميرتس
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • في انتخابات 1992، حزب جديد خاض الانتخابات للمرة الأولى، وكان ثمرة الاتحاد المنشود لقوى اليسار الإسرائيلي. وعندما فُتحت صناديق الاقتراع، بدا كأن أبواب السماء فُتحت أيضاً. خلال أقل من عام، بدأت المفاوضات السياسية مع سورية، ومع الفلسطينيين. وأدى هذا، من بين أمور أُخرى، إلى الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل رسمي للأمة الفلسطينية، وإلى اتفاقات أوسلو والسلام مع الأردن. في المقابل، أسس ميرتس في الحكومة الجناح الاجتماعي الأساسي ليسار يحترم نفسه.
  • مرّت ثلاثون عاماً. ومن 56 مقعداً مشتركاً، بقي أربعة. كل توسلات ميرتس إلى حزب العمل بالاتحاد معه، وإلى لبيد كي لا يبتلعه، وإلى الناخبين كي يرحموه، لم تنفع. فقد شُطب الحزب من الخريطة، ومعه اليسار الصهيوني. وهذا أمر له رمزيته الكبيرة، ويبدو كأمر مطلوب... في انتخابات شهدت صعوداً غير مسبوق للكهانيين والحريديم. ولم يعد من المنطقي في كنيست يحكمه بن غفير وسموتريتش أن يبقى مكان لزهافا غالؤون ويائير غولان.
  • مع ذلك، وعلى الرغم من الإغراء، يجب ألا نذهب بعيداً في الشاعرية. منذ زمن طويل، تحول ميرتس إلى حزب صغير، ونضاله الدائم، دفاعاً عن بقائه، كان منهكاً، وأحياناً مثيراً للشفقة. وتحت إدارة قادة الحزب حاييم أورون وزهافا غالؤون، نال الحزب 3 مقاعد؛ لكن نسبة الحسم كانت أقل مما أتاح عدم شطبه. وكان التهديد الدائم للحزب ولشقيقه الأعرج حزب العمل يأتي من جانب الحزب الكبير الذي يطالب بالسلطة، كما جرى في أيام حزب كاديما وحزب أبيض أزرق. وفكرة الاتحاد بين ميرتس وحزب العمل طُرحت في الأعوام الأخيرة، لكن النتائج كانت هزيلة، مع أنها أبقت على الحزب بشق النفس.
  • هذا الأسبوع، أنتهى هذا الأمر. لو أن بضعة آلاف من الناخبين من أحزاب التكتل اقترعت لميرتس، لكانت أطالت حياة الحزب، موقتاً وبصورة مصطنعة. لقد عانى ميرتس جرّاء أزمة زعامة لم تنتهِ تقريباً منذ رحيل المؤسّسين للحزب شولاميت ألوني ويوسي سريد، لم ينجح أحد في الحلول محلهما، لا يوسي بيلين، ولا أورون اللطيف، ولا هوروفيتس، ولا تمار زاندبرغ الشابة، ولا زهافا غالؤون، سابقاً وحالياً. الرغبة في عودتها إلى الزعامة كشفت بالأساس الحنين إلى القديم الذي نعرفه والخوف من المستقبل، ومن الحاضر. وهذا يعبّر عن شعور بالهزيمة. وفعلاً الهزيمة حدثت.
  • بيْد أن المشكلات الحقيقية لميرتس تتخطى هوية الرئيس، أو الرئيسة. ولا علاقة لها بالميزة الإنسانية والمهنية لأعضاء الكنيست من الحزب على مرّ السنين. عدد كبير منهم أظهر مثابرة وقام بعمل برلماني ممتاز، حتى في الكنيست الأخير. الأمور معروفة: إسرائيل تتوجه نحو اليمين، وقاعدة الحزب الانتخابية تقدمت في السن وانكمشت. إلى جانب ذلك، يجب الإشارة إلى أنه لم يتعرض حزب في تاريخ السياسة الإسرائيلية لمثل هذا القدر من الجحود - من الجمهور الواسع، ومن جانب مؤيديه وناخبيه. والأمر ليس محصوراً بالبطاقة الانتخابية التي توضع في صندوق الاقتراع. الصعوبة الحقيقية كانت في الحياة اليومية، وفي هذا الإدمان الإسرائيلي على النقد الذاتي الذي لا ينتهي، والإحساس بالذنب، وعدم الرضا المرَضي. يكفي أن نرى ماذا جرى لميرتس منذ عام ونصف العام: استقالة هوروفيتس [من وزارة الصحة] ووزيرين آخرين، والهبوط إلى ما دون نسبة الحسم. لكن الضربة القاتلة وجّهها إلى الحزب القطب التقدمي – الطهراني، أي اليهود اليساريون الذين يتماهون مع الوطنية الفلسطينية، والذين لم يمنحوا ميرتس 100 دقيقة سماح عندما كان في الحكومة.
  • الجحود التاريخي برز من خلال وصم الحزب بأنه حزب النخبة الأشكينازية، على الرغم من التزامه الشديد بالموضوعات الاجتماعية، وبحقوق الإنسان لليهود والعرب، وفي الأعوام الأخيرة اتُّهم بالعنصرية اليسارية...
  • إسرائيل ستفتقد ميرتس. أكثر من ذلك: الكنيست سيشتاق إلى الحزب، وليس فقط إلى أعضائه. سيشتاق إلى إنسانية الحزب، وإلى يساريته غير المشروطة، وإلى سعيه للسلام والتعايش، وإلى علمانيته ودفاعه عن حقوق الفرد، وإلى عمله المتواصل، دفاعاً عن المثليين. إسرائيل من دون ميرتس، ستصبح مكاناً أكثر ظلاماً. مدينة تل أبيب صوتت للحزب بنسبة عالية، ولو حدث هذا على صعيد قُطري، لكان الحزب حصل على 12 مقعداً. من المحتمل أنه حان الوقت كي نودع حزباً يسارياً صهيونياً صاحب نيات جيدة وقدرات محدودة على التأثير في الواقع. هذه نهاية ميرتس، والقلب مكسور.