هل لجمت سلسلة العمليات في نابلس اتجاه التصعيد الأمني؟
تاريخ المقال
المصدر
- عشية الانتخابات، للساحة الفلسطينية في الضفة الغربية، أكثر من أيّ ساحة أمنية أُخرى، إمكانية التأثير في أنماط التصويت.
- تصاعُد الهجمات القاسية في الأسبوع الذي سبق الانتخابات، ومن ناحية أُخرى، استمرار عمليات أمنية ناجحة، مثل تلك التي حدثت في القصبة في نابلس، والتي بواسطتها يمكن للحكومة أن تقدم خطاً صارماً واستباقياً في محاربة "الإرهاب"، يمكن أن يؤديا إلى تحرُّك بسيط للناخبين بين المعسكرات. لهذا، ليس من المستغرب الطاقة الكبيرة التي يوظفها الطرفان المتنافسان في كل حدث تكتيكي يقع على الأرض، من عملية ناجحة أو هجوم قاس، في محاولة لتوظيفه سياسياً.
- يدور الحديث السياسي بشأن هذا الموضوع حول قضايا تكتيكية عملانية، وسياسة الاغتيالات، واستخدام المسيّرات، وإظهار العدد الكبير من "المخربين" الذين أوقفوا، ويُستخدم كدليل على سياسة صارمة ضد "الإرهاب". من جهة أُخرى، يكشف الطرف الثاني عن الارتفاع في حجم الهجمات في السنة الحالية، معتبراً إياه دليلاً على ضعف الحكومة الراهنة.
- الجدل السياسي في الموضوع الفلسطيني لا يعالج الجوهر والمضمون وخطط المستقبل والرؤيا السياسية، بل بالأساس يتطرق إلى التكتيك العسكري وطريقة العمل على الأرض. في مثل هذا الوضع، كل قضية عملانية تتحول إلى موضوع جدل عام صاخب، يعتمد في أحيان كثيرة على ما يدور على شبكات التواصل الاجتماعي، وليس على حقائق ثابتة، وخصوصاً في فترة الانتخابات.
- في ضوء هذا الواقع، لإسرائيل دور أيضاً في الاستغلال المبالَغ فيه لتنظيم "عرين الأسود" الذي تلقى ضربة موجعة، لكنه على صعيد الوعي، حظيَ باهتمام يمكن أن يؤدي إلى انزلاق هذه الظاهرة المحلية في نابلس إلى أماكن أُخرى.
- من المألوف القول في الشارع الفلسطيني إنه عندما تعطس نابلس فإن الضفة كلها تمرض. هذه العبارة تصور مركزية المدينة المغلقة منذ أسبوعين. بعد فترة من الارتفاع في حجم هجمات إطلاق النار التي انطلقت من نابلس، تحرك الجيش على عدة مستويات. في البداية عزز الدفاع، ثم شدد الحصار حول المدينة بواسطة الحواجز، وفي الوقت عينه، أعطى السلطة الفلسطينية فرصة السيطرة على الوضع واعتقال نشطاء "الإرهاب".
- بعد حدوث ذلك، صعّد الجيش الضغط الهجومي، بموافقة المستوى السياسي، وخلع قفازاته وشن عمليات، موجهاً ضربة قاصمة إلى البنية التحتية لـ "عرين الأسود" وأشعل النيران في الفترة الأخيرة.
- في المؤسسة الأمنية يعتقدون أن العمليات المتعاقبة والاعتقالات في الأسبوعين الأخيرين ألحقا ضرراً كبيراً بقدرة "عرين الأسود". لكن تراجُع القدرة العملانية للتنظيم هو الذي يُقلق المؤسسة الأمنية. فالفكرة يمكن أن تمتد إلى ساحات أُخرى، والتأثير الكبير لنابلس يمكن أن ينعكس في ساحات أُخرى ويقوّض الواقع الأمني على الأرض.
- تصاعُد "الإرهاب" وارتفاع الجريمة القومية من جانب متطرفين يهود، كل ذلك كان من مميزات الفترة الأخيرة في مدينة نابلس. حتى الآن، لم ينزلق هذا التوجه إلى مناطق أُخرى في الضفة الغربية، وفي هذا المجال، تستطيع قيادة المنطقة الوسطى أن تسجل إنجازاً متواضعاً، لأن هذا الوضع يمكن أن يتغير وبسرعة.
- لقد كانت معضلة المؤسسة الأمنية تتعلق بإبقاء أو إزالة الحواجز حول نابلس. التشدد الأمني حول المدينة أدى، بحسب الجيش، إلى انخفاض كبير في حجم الهجمات، لكن من جهة أُخرى، ارتفعت درجة حرارة الضغط في المدينة. التراجع في التحذيرات يمكن أن يؤدي إلى تغيير القرارات، لكن ثمة شك كبير في أن هذا سيجري قبل الانتخابات.
- كان الخيار الأول للمؤسسة الأمنية الطلب من السلطة الفلسطينية فرض النظام في نابلس، قبل أن تخلع إسرائيل قفازاتها وتتحرك بنفسها، ولم يحدث هذا تحدياً للسلطة، كما تحرص أطراف سياسية على تأكيده، بل انطلاقاً من مجموعة اعتبارات تهدف إلى تحقيق استقرار الوضع الأمني، من دون التسبب بتصعيد إضافي.
- العملية في قلب القصبة في نابلس كانت ناجحة وأنيقة. وجرت على مستوى منظومة كاملة عملت معاً. ولم تقُم فرقة يمام [فرقة محاربة "الإرهاب"] وحدها بالمهمة. بالنسبة إلى قيادة المنطقة الوسطى، حققت القوات جميع الأهداف التي وُضعت لها، ووجهت ضربة كبيرة إلى الشخصيات البارزة في "عرين الأسود"، وأضعفت القدرة العملانية لهذا التنظيم الصغير، قبل أن يصبح أكثر أهمية.
- العملية نفسها هي استمرار لسلسلة العمليات التي جرت في الأسبوعين الأخيرين. الهدف الأساسي لقيادة المنطقة الوسطى، ليس فقط ضرب الهرمية والقيادة في تنظيم "عرين الأسود" وضرب قدرته العملانية، بل أيضاً تعميق الشعور بالردع وتقويض ثقة عناصر التنظيم بأنفسهم، وجعلهم يشعرون بأنهم ليسوا محصّنين حتى في القصبة في نابلس، وأن التنظيم مخترق جداً أمام تفوّق استخبارات الشاباك والجيش.
- ... عملية القصبة في نابلس، مع كل التعقيدات واحتمالات التصعيد التي تنطوي عليها، ليست حرباً في لبنان، ولا حرباً في غزة، وبالتأكيد ليست معركة في مواجهة إيران. المقصود قتال في مواجهة حرب عصابات محلية. الوسائل التكنولوجية تسمح اليوم لقيادة الجيش بمراقبة ما يحدث عن كثب على الأرض، لكن المسافة من هنا إلى نقطة الاشتعال لا تزال بعيدة.