وجود اليمين المتطرف في الحكومة سيكون له ثمن أمني لا يقتصر على الضفة الغربية
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- وفقاً لاستطلاعات الرأي، فإن العنف في المناطق الفلسطينية لا يؤثر، حتى الآن، مباشرةً في الانتخابات، التي من المتوقع أن تسفر عن منافسة شديدة ومتقاربة بين الكتلتين. لكن عندما ننظر إلى الصورة الأوسع، وعلى الرغم من النقاش المتزايد لسياسة الهويات التي تقسّم المجتمع الإسرائيلي، فإنه لا يمكن تجاهُل الدور المهم للنزاع الفلسطيني في التطورات، على الرغم من أن أغلبية الناخبين تفضل عدم التطرق إليه. إصرار الحكومات الإسرائيلية المختلفة على الاستمرار في الاستحواذ على أراضي الضفة الغربية وتوطين مئات الآلاف من المستوطنين فيها جعل من الصعب جداً حلّ النزاع.
- سيكون هناك مَن سيقول بالطبع إن الفلسطينيين، في جميع الأحوال، لم يكونوا مستعدين للحل، وأن موجة "الإرهاب" التي بدأت بعد اتفاقات أوسلو، والتي كانت ذروتها الانتفاضة الثانية، هي التي أوجدت الخوف لدى الجمهور الإسرائيلي من مغبة تداعيات انسحابات جديدة من المناطق. ومع تأثير التغيرات الديموغرافية، تحركت الخريطة السياسية نحو اليمين، وربما بصورة لا عودة عنها. وبهذه الطريقة، فُتحت الطريق أمام الحكم الطويل لبنيامين نتنياهو، الرجل الذي وعد الإسرائيليين بأنه يعرف كيف يحافظ على أمنهم الشخصي.
- لكن بدءاً من سنة 2017، تلقينا نسخة متطرفة وخطِرة عن نتنياهو: فقد تحولت جهوده من أجل البقاء في الحكم إلى معركة بقاء شخصية، هدفها الأساسي وقف الإجراءات القانونية ضده وإبعاده عن السجن. وفي هذه المعركة، كل الوسائل مشروعة، وينطبق هذا أيضاً على محاولات نتنياهو العودة إلى الحكم، بعد انقطاع دام أقل من عام ونصف العام. في الأشهر الأخيرة، تعزز الحلف غير المقدس بين الليكود وبين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. الاثنان مثل زعماء الأحزاب الحريدية، هما مستعدان لإعادته إلى الحكم لاعتبارات تتعلق بهما، حتى ولو أن سموتريتش يعتبر نتنياهو "كذاباً ابن كذاب"، كما اتضح من خلال التسجيلات التي كُشف عنها هذا الأسبوع.
- لكن إذا فاز تكتّل نتنياهو، وإذا اختار زعيم التكتل التحالف مع الحريديم واليمين المتطرف، بدلاً من ائتلاف مفعم بالتوتر مع بني غانتس، فإن الحركة الدائرية ستعود إلى المكان الذي بدأت منه: المناطق. والخلاف هنا ليس على سلطة القانون التي يخطط نتنياهو وشركاؤه لتدميرها. وعلى الرغم من المقالات الكثيرة التي نشرتها "هآرتس"، والتي تدّعي العكس، فإن هناك فارقاً كبيراً بين حكومة يمين ضيقة وبين حكومة التغيير الحالية في العلاقة بالفلسطينيين. صحيح أن غانتس أخطأ عندما تباهى بقتل العرب في غزة، وكان في إمكان يائير لبيد أن يكون أكثر سخاءً في بادراته السياسية. لكن الشركاء الأساسيين لنتنياهو لديهم تطلعات بعيدة المدى وأكثر خطراً تتعلق بالساحة الفلسطينية، مقارنة بما وافق عليه نتنياهو في الماضي.
- إذا ألّف نتنياهو حكومة من هذا النوع، فمن المعقول أن يحيّد المجلس الوزاري المصغر وتحويله إلى حكومة بلا أهمية أمنية. وستجري النقاشات الاستراتيجية داخل أكواريوم مكتب رئيس الحكومة الذي سيضمه مع كبار المسؤولين الأمنيين. ولا يوجد مرشح بارز في الليكود لمنصب وزير الدفاع. في مثل هذه الظروف، سيكون لرئيس الأركان المقبل هرتسي هليفي دور حاسم في الدفاع عمّا تبقى من اعتبارات أمنية، وخصوصاً المحافظة على قواعد سلوك لائقة للجنود الإسرائيليين في المناطق. حتى الآن، الجيش ليس جيداً في ذلك. رئيس الأركان الحالي أفيف كوخافي بدأ، فقط مؤخراً، برفع الصوت بصورة واضحة ضد "شواذات" تجري في المناطق. ويمكننا منذ الآن أن نقدّر التعقيدات التي ستدخل الحكومة فيها مع وجود بن غفير وسموتريتش في الحكومة-مثل المطالبة بفرض عقوبة الإعدام على "مخربين"، بعد وقوع أول هجوم فتاك، أو قضية أُخرى، مثل قضية إليؤور أزريا [الجندي الإسرائيلي الذي أطلق النار على فلسطيني مصاب، على الرغم من أنه لم يكن يشكل خطراً].
- وهذه الساحة ليست الوحيدة التي من المتوقع أن تظهر فيها مشكلات. منذ الأحداث التي رافقت عملية "حارس الأسوار" في أيار/مايو 2021، يبدو المجتمع العربي في إسرائيل قريباً من أن يشتعل مرة أُخرى، ولا سيما مع ترافُق التوتر والغضب المتزايد إزاء عجز الحكومة والشرطة عن معالجة الجريمة المنظمة. إذا فشلت الأحزاب العربية جرّاء انخفاض نسبة التصويت وتقلُّص التمثيل العربي في الكنيست، فمن المحتمل أن تضعف العلاقات مع الدولة أكثر. وهذا سيشكل أرضاً خصبة لنشوب المزيد من العنف، مثل أحداث تشرين الأول/أكتوبر 2000، أو أحداث العام الماضي.
- وعلى الرغم من خبرة نتنياهو الكبيرة وحذره في مجال العلاقات مع الخارج، فإنه من المتوقع أن يواجه صعوبات مع جيرانه من الأصدقاء، مثل الأردن ومصر. علاقة نتنياهو بالملك عبد الله ملك الأردن كانت متعكرة منذ أعوام، وفي أوساط العائلة المالكة، هو متهم بالمشاركة في خطوات معادية للأردن سعت لها المملكة العربية السعودية وموظفون في إدارة ترامب. أما علاقته بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فقد عرفت صعوداً وهبوطاً.
- في الساحة الدولية، شبكة العلاقات المهمة والحساسة هي مع الأميركيين. وعلى الرغم من التصريحات المتبادلة العلنية، فإن إدارة بايدن ليس لديها أي وهم بشأن نتنياهو. واشنطن ستقبل قرار الناخبين الإسرائيليين، لكن الرسائل تمر طوال الوقت عبر قنوات مختلفة: حتى إذا فاز، يتعين على رئيس الليكود التوجه إلى معسكر الوسط، وعدم الارتماء في أحضان ممثلي كهانا وأحفاده الروحيين في الكنيست. يشاهد الأميركيون هذه الظاهرة بذهول، على الرغم من الشبه بينها وبين ما يجري في الداخل الأميركي.