ما هي الأسباب التي أدت إلى هذا الحجم غير المسبوق من الاضطرابات في القدس الشرقية؟
المصدر
المؤلف
  • وقعت حوادث عنف كثيرة خلال ليل الخميس في عدد من الأماكن في القدس الشرقية، وذلك بعد أن بدأ مئات الفلسطينيين بأعمال "شغب" غير مسبوقة، من حيث حجمها وقوتها. ما قد يبدو في المنظور الإسرائيلي تصعيداً عرضياً ومفاجئاً، هو ليس كذلك البتة، بل ناجم عن سببين أساسيين: السبب الأول، هو أن وسائل إعلام حركة "حماس" في غزة أعدّت الأرضية منذ أسابيع للتصعيد في العاصمة. ولا سيما أن الهدف المعلن للحركة منذ أعوام هو إشعال القدس والضفة الغربية.
  • في الأشهر الأخيرة، تمركزت المواجهات في شمال الضفة بين القوات الأمنية وبين مسلحين من نابلس وجنين (وخصوصاً عناصر الجهاد الإسلامي و"فتح")، الأمر الذي دفع بـ"حماس" إلى الهامش في الضفة الغربية. حينها، عادت "حماس" إلى استراتيجيتها المعروفة: القيام بحملة مكثفة، هدفها إعادة موضوع القدس الشرقية والأقصى إلى مركز الاهتمام، وإعادة الحديث إلى الانتهاكات الإسرائيلية في الحرم القدسي ومحاولات السيطرة على الموقع المقدس خلال أعياد رأس السنة العبرية. في رأي الحركة، الأسلوب الذي نجح في انتفاضة الأقصى، وفي "حارس الأسوار"، وكذلك في المواجهات التي دارت في سنة 2017، بسبب الأبواب الممغنطة، هو نسخة ناجحة.
  • السبب الثاني لأحداث الأمس، هو الغضب الشعبي في القدس الشرقية من الحصار المفروض على مخيم شعفاط، والذي فُرض بعد مقتل الرقيبة نوعا لازار، والمطاردة التي تقوم بها القوى الأمنية، بحثاً عن القاتل. وما يُعتبر في إسرائيل شرعياً للغاية وجزءاً من محاربة الإرهاب، يسوَّق في القدس الشرقية على أنه عقاب جماعي لعشرات الآلاف من الناس من سكان المخيم، ودعوات إلى الرد على ذلك.
  • عنصر آخر دخل إلى الصورة في الأسابيع الأخيرة هو مجموعة "عرين الأسد" المؤلفة من بضع عشرات من المسلحين من سكان القصبة في نابلس، والذين يتمتعون بشعبية كبيرة في الضفة، وخصوصاً لأنهم لا ينتمون إلى أيّ طرف سياسي معروف، لا إلى "فتح"، ولا إلى "حماس". في رأي مصدر فلسطيني تحدثت معه مؤخراً، أنه من خلال تحليل البيانات التي تصدر عن المجموعة، يمكن تمييز بصمة "حماس". أيضاً المال الذي يصل إلى المجموعة، مصدره عضو في "حماس"، هو مصعب اشتية الذي اعتقلته الأجهزة الأمنية الفلسطينية مؤخراً، وأدى توقيفه إلى موجة من الاضطرابات ضد السلطة في نابلس. لكن الناشطين في المجموعة يأتون، تحديداً، من عائلات تتماهى مع "فتح".
  • من ميزات هذه المجموعة استخدام وسائل الإعلام، وتصوير الهجمات ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي خلال وقت قصير، وهو ما يخلق حماسة كبيرة وسط الشبان، ويشجع على محاولات محاكاة هذه الهجمات. ومن الدلائل على شعبية المجموعة أنها هي التي أعلنت الإضراب العام في الضفة الغربية أمس، والذي طُبِّق تقريباً في كل مكان، وجرى فرضه دينياً في بعض مدن الضفة.
  • في حديث مع أحد عناصر كتائب الأقصى الذين قادوا التنظيم في بداية الألفية الثانية، أشار إلى تشابُه بين ما يجري اليوم وبين الأحداث التي وقعت قبل 22 عاماً. إذ قال لي: "التاريخ يعيد نفسه"، وأن الأمور بدأت بهذا الشكل عند نشوب انتفاضة الأقصى. فقدان السلطة سيطرتها ودخول الشباب في المواجهات والفوضى في الشوارع. الفارق الكبير بينهما هو الأجهزة الأمنية الفلسطينية - انضمام عناصر الأجهزة الأمنية شكّل الحد الفاصل؛ اليوم، يحارب أبو مازن بكل قوته ضد الفوضى، وفي لحظة انضمام المزيد من عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى مسلحي تنظيم "فتح"، أو كتائب الأقصى، وانتقالهم إلى جانب خلايا مُطلقي النار، حينها، ندرك أننا أمام منحدر زلِق للغاية.