اليمين الإسرائيلي يقوم بتكريس الاحتلال بصورة يومية بينما هذا لا يعني الوسط واليسار بأي شيء
تاريخ المقال
المصدر
- مع حلول الخريف في كل عام، ومع الأعياد العبرية التي تصادف فيه، تحظى المناطق المخضرّة في الجليل باهتمام إعلامي وزائرين كثر، غير أن هذه المناطق أصبحت في الفترة الأخيرة محور نقاش قومي من الدرجة الأولى. فـ"الجليل في خطر"، كما حذّر أعضاء كنيست من اليمين ورؤساء سلطات محلية في الشمال، وذلك على خلفية أن مزارعين من اليهود عرضوا مساحات من الأراضي التي يملكونها للبيع، فاشتراها مواطنون من العرب بصورة قانونية، وهو ما اعتُبر بمثابة سطو وانهيار.
- إن هذا الجدل العنصري، الذي يعتبر المواطنين العرب أعداء، هو جزء من "حملة الحوكمة" التي يقودها اليمين، والتي تسري أيضاً، وبصورة غير مفاجئة، على النقب ـ المنطقة الأُخرى التي تضم الكثير من البلدات غير اليهودية. لكن، لا تخطئوا: إن المعنى الحقيقي لـ"الحوكمة"، الكلمة السحرية التي يعشق كثيرون في اليمين التغني بها، هو ليس سلطة القانون وسيادته والمساواة أمام القانون، وإنما طريقة سهلة للقول: "لا تزعجونا ونحن نمارس التمييز ضد المواطنين العرب."
- ليس ثمة ما يجسد هذا أكثر وأفضل من صورة الفتاة التي تزيّن ملصقات الحوكمة، وزيرة الداخلية الإسرائيلية أييلت شاكيد. هذا ما كان، على سبيل المثال، عندما تبنّت استنتاجات وتوصيات لجنة كمينتس، ودفعت نحو تشريع أمر قانوني يفرض غرامات مالية باهظة على تجاوزات في مجال البناء. فالهدف المُعلَن من تشريع هذا الأمر هو معاقبة المواطنين العرب والمساس بهم، إلاّ إن النتيجة الفعلية كانت أنهم شرعوا في فرض هذه الغرامات على مُخالفي البناء اليهود أيضاً. ومثلما اعترفت شاكيد، من دون خجل، "أردنا فعل خير، لكننا فعلنا شراً في النتيجة العملية. كان الهدف فرض القوانين وتطبيقها على البناء غير القانوني في الوسط غير اليهودي."
- إن الإثبات الأفضل على خواء مصطلح "الحوكمة" موجود فيما وراء الخط الأخضر. فإن كانت تجاوزات البناء صادمة إلى هذا الحد بالنسبة إلى الوزيرة شاكيد، وإن كانت عمليات شراء الأراضي بصورة قانونية تشكل موضوعاً للبحث والنقاش في الكنيست، ولتقارير صحافية في وسائل الإعلام، فإذاً كيف يحظى البناء غير القانوني في البؤر الاستيطانية بالدعم الصريح، أو بالصمت الصاخب؟ "ليست ثمة أي مشكلة في إقامة بلدات بصورة غير قانونية"، قالت شاكيد في مقابلة أُجريَت معها مؤخراً. طالما أن الحديث هو عن اليهود فقط، لأن البناء الفلسطيني في مناطق "ج" (C) هو "استيلاء". وإذا كان "الاستيلاء غير القانوني على مناطق واسعة، سرقات الكهرباء، والمياه، والمعدات القتالية من قواعد الجيش الإسرائيلي" هو غياب الحوكمة، كما يقول "منتدى كوهيلت"، فإذاً كيف يلتزم اليمين الصمت حيال العنف الذي يمارسه المستوطنون من دون أي توقف؟ هذا الأسبوع، مثلاً، أغلق عشرات المستوطنين جميع المخارج من مدينة نابلس. "طالما أن السكان لا يتمتعون بالأمن، فالأعداء لن ينعموا بحياة عادية"، قالوا. وماذا فعلت سلطات تطبيق القوانين، أي الجيش في هذه الحالة، حيال أخذ مواطنين القانون بأيديهم وإغلاقهم جميع المخارج من مدينة مركزية؟ وقفوا على الحياد. لسبب ما، لم يعبّر دعاة الحوكمة عن أي قلق من على أي منصة متاحة.
- وكيف يمكننا تفسير الصدمة من التصرف العنيف الذي بدر من أوساط في المجتمع العربي في إسرائيل، والذي دفع بعضو الكنيست يوآف غالانت إلى التصريح بأن "ثمة خشية كبيرة من تصعيد في الأمن الداخلي إلى درجة فقدان قوات الأمن السيطرة على ما يجري"، في مقابل اللامبالاة حيال أخذ أوساط من بين المستوطنين القانون بأيديهم بصورة شبه يومية، اعتداءاتهم المتكررة على المزارعين، وإيقافهم الفلسطينيين في الشوارع، أو اقتحامهم القرى الفلسطينية وقذف السكان والمنازل بالحجارة؟
- يكرّس اليمين الاحتلال بصورة يومية، بينما لا يعني هذا الوسط واليسار الإسرائيليين بأي شيء، ولا يثير أي اهتمام لديهما، وهو يرفض بسط الحوكمة، المقدسة في عُرفه، على المواطنين [المستوطنين] الإسرائيليين في المناطق [المحتلة] لأنه يحتفظ بذلك لـ"النقب والجليل فقط". إن غياب أي معالجة لمنتهكي القانون اليهود، ليس لأنه لا يثير أي مطالبة بالحوكمة فحسب، بل أيضاً يحظى هؤلاء بدعم سياسي واسع.
- ليس الحرص على تعزيز سلطة القانون وسيادته هو ما يهمّ دعاة الحوكمة، ولا إيجاد الحلول غير العنيفة لمشاكل المواطنين وأسباب ضائقتهم، ولا حتى مجرد التظاهر باعتماد المساواة أمام القانون في التعامل مع جميع مواطني الدولة. إن ما يهمهم هو التفوّق اليهودي فقط، وكل ما عدا ذلك هو ألاعيب كلامية لا غير.
الكلمات المفتاحية