كثرة الحوادث في المناطق تجبر الجيش على المحافظة على تكثيف وجوده في الضفة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • قبيل الأعياد اليهودية، بدأت سُحب العاصفة تتجمع في سماء المنطقة. والساحة الأبرز التي سجلت تطورات مقلقة هي الساحة الفلسطينية، بالأساس في الضفة الغربية. لكن أيضاً المسألة مع لبنان لم تنتهِ. دبلوماسيون إسرائيليون ولبنانيون وغربيون على صلة بالمفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية، ما زالوا يبدون تفاؤلهم. بعضهم تحدث أيضاً عن فرصة توقيع اتفاق بين إسرائيل ولبنان في الأسابيع المقبلة بنسبة 90% إلى 95%. لكن حزب الله لا يزال يطلق تهديداته بمهاجمة منصة الغاز كاريش، ويبدو أنه ما دام لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن الخطر لن يزول.
  • والظاهر أن علينا ألّا نصدق كثيراً التصريحات الإسرائيلية التي تصرّ على أن البدء بالتنقيب عن الغاز لا علاقة له بتقدُّم المفاوضات. وثمة شك في أن الشركة البريطانية صاحبة الامتياز، إنيرجين، ستقوم بالمخاطرة بذلك قبل حل الأزمة. لكن موضوعياً، توقيع الاتفاق يمكن أن يؤدي إلى تغيير جذري في العلاقات بين الدولتين، رغماً عن إرادة حزب الله. ومنذ اللحظة التي يصبح فيه للّبنانيين ما يخسرونه، أي منصاتهم للغاز، التي من المتوقع أن تدرّ أرباحاً حقيقية على الاقتصاد المنهار، سينشأ نوع من توازُن دمار متبادل بين الطرفين. فلا إسرائيل، ولا لبنان، يريدان المجازفة بالمسّ بمنصات الغاز لدى كلٍّ منهما.
  • في الضفة الغربية الظروف أكثر صعوبة. عمليات إطلاق النار على الطرقات تحولت إلى ظاهرة يومية تقريباً. وهذا الأسبوع، قُتلت مواطنة من حولون تبلغ من العمر 84 عاماً على يد فلسطيني من الضفة ما لبث أن أقدم على شنق نفسه في تل أبيب، بعد مرور بضع ساعات على الحادثة.
  • ومثل عدد من الذئاب المنفردة التي نفّذت موجة الهجمات في سنة 2015، فإن القاتل موسى صرصور، من قرية سرطة التي تقع في شمال الضفة، يعاني اضطرابات نفسية. لكن في مثل هذه الحوادث، من المعقول الافتراض أن ما جرى هو تقاطُع بين دوافع شخصية وقومية. وإلا لماذا لم يُقدم على شنق نفسه في قريته، من دون تعريض حياة مُسنة للخطر لم توجه إليه أية إساءة؟
  • على أي حال، من المتوقع أن تتجمع هنا كتلة حوادث مهمة، كما في هجمات شهر آذار/مارس الماضي. ازدياد الحوادث يجبر الجيش الإسرائيلي على تكثيف وجود قواته في الضفة الغربية، بالأساس في منطقة خط التماس المخترَق، وقد بدأ الجيش بالعمل على إغلاق الفتحات في عدة أماكن في جدار الفصل. وعشية العيد تحديداً، سيضطر الجيش إلى تكثيف قواته على طول طرقات الضفة، لمنع وقوع هجمات ضد عائلات إسرائيلية تتنقل على هذه الطرقات.
  • يحتفظ الجيش الإسرائيلي الآن بـ 11 كتيبة منذ بدء الهجمات في آذار/مارس، وتقريباً تضاعف عدد الجنود الموجودين هناك. وهذا الأمر يُلحق ضرراً كبيراً بتدريبات الوحدات القتالية. الكتائب النظامية، ومثلها عدد غير قليل من كتائب الاحتياطيين، موزعة بين قطاعات وعمليات مختلفة، وهو ما يؤدي إلى تآكل وخفض التدريبات هذه السنة. وسيكون لذلك ضرر بعيد الأمد، يمكن أن يؤذي بصورة كبيرة المعرفة المهنية والكفاءة. حتى ولو لم يحدث تصعيد جديد، فإن العبء الملقى على الجيش النظامي سيزداد في الفترة المقبلة، لأن الجيش امتنع، وعن حق، من استدعاء الاحتياطيين في النصف الثاني من آب/أغسطس (نهاية فترة المخيم الصيفي) وطوال فترة الأعياد.
  • في هذا الوقت، تتواصل عمليات هجومية مثيرة للإعجاب في إطار المعركة بين الحروب، والتي ارتفعت بنسبة 70% خلال السنة الأخيرة، مقارنةً بالسنة التي سبقتها. هنا تتجلى ميزات الجيش الإسرائيلي: استخبارات دقيقة وتخطيط وتنفيذ تفصيلي، وقدرة جوية لا تضاهيها قدرة في العالم تقريباً، ومشاركة الآلاف من الضباط والجنود في هذه العمليات التي يدور أغلبها بعيداً عن أعين الجمهور.
  • لكن المفارقة الساخرة تكمن في الخلاصة التالية: استمرار عجز إسرائيل عن حسم الوضع غير الديمقراطي في المناطق، يمكن أن يؤثر سلباً في الديمقراطية الإسرائيلية ضمن حدود الخط الأخضر. زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو لن يتردد في استغلال الهجمات والحوادث مع الفلسطينيين لتحقيق انتصار في الانتخابات التي ينوي بعدها خوض نضال ضد منظومة القضاء، بهدف وقف الإجراءات الجنائية ضده.
  • في الأول من أمس، نشرت "يديعوت أحرونوت" مقالاً كتبه اللواء في الاحتياط عاموس غلعاد ود. ميخائيل ميلشتاين، حذّرا فيه من خطر آخر ناجم عن استمرار الوضع القائم. ففي رأيهما، إذا انتهى التصعيد الأمني، فيجب ألّا نتجاهل "المزج المستمر تحت الأرض بين الضفة الغربية وبين إسرائيل، على المستويين المدني والاقتصادي، والذي يمكن أن يشكل أساساً لاندماج إداري وسياسي." ويتطرق الكاتبان إلى المزج بين الاقتصاد الإسرائيلي والاقتصاد الفلسطيني في عدة مجالات، مثل البنى التحتية والمياه والكهرباء والاتصالات والمواصلات. هذه الخطوات تساعد بالفعل على تحسين نوعية الحياة في الجانب الفلسطيني، لكنها في الوقت عينه، تخلق واقعاً صعباً للانفصال، وتقرّب نقطة عدم العودة إلى الوراء على طريق الرؤية الخطرة للدولة الواحدة. ويبدو أن المستوى السياسي لم يعد لامبالياً حيال هذه التطورات. وبعد امتناع استمر أعواماً، دعا رئيس الحكومة يائير لبيد في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى العودة إلى الدفع قدماً بحل الدولتين.