ما يجري في الضفة الغربية هو انتفاضة تسعى لتغيير الوضع القائم
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • مع ارتفاع حدّة التصعيد في الضفة الغربية، تبرز أهمية السؤال عن وجود جهوزية لانتفاضة فلسطينية ثالثة. ويتفادى المحللون [في إسرائيل]، في أغلبيتهم، الإقرار بذلك، ويقدّرون أننا لا نزال بعيدين عن نقطة "اللاعودة" قبل الانفجار الكبير، لكن مصطلح "انتفاضة" قد يكون مضلِّلاً لأن الانطباع الأول يدور حول مواجهات جماهيرية كما حدث في كانون الأول/ديسمبر 1987، وأيلول/سبتمبر – تشرين الأول/أكتوبر 2000.
  • هذه كانت صوراً متأخرة من الانفجارات التاريخية التي حدثت في الفترة 1921 و1929، حين تم الاعتداء على اليهود بدوافع قومية، قبل إقامة الدولة. والمشترك بين الانتفاضات الأربع يتركز في مركّبين أساسيين: الأول، هو المركّب العنيف. أما الثاني، فهو أنها مبادرات فلسطينية بادر إليها الجانب الفلسطيني، بهدف تغيير الواقع في العلاقات ما بين العرب واليهود. أما السؤال عن حجم وشعبية الانفجار، فإنه سؤال ثانوي، وتغيّر على مدار الأعوام.
  • صحيح أن الانتفاضة الأولى بدأت كتعبير عن قوة الجماهير، وتحولت سريعاً إلى مجموعة من العمليات "الإرهابية"، كالحجارة والسكاكين والخطف والعمليات، كما حدث في عملية الباص 405، التي قادتها التنظيمات الفلسطينية. وفي الانتفاضة الثانية، كان هذا أوضح، إذ تحولت التظاهرات الشعبية، في إثر اقتحام أريئيل شارون المسجد الأقصى، إلى "إرهاب" الفدائيين داخل المدن الإسرائيلية بسرعة كبيرة، بقيادة فصائل المعارضة الإسلامية، إلى جانب ألوية مقربة من السلطة الفلسطينية وحركة "فتح".
  • إن نقطة الانطلاق الأبرز للواقع الأمني القائم اليوم كانت في أيار/مايو 2021، عقب التوتر في القدس في حيّ الشيخ جرّاح، وأدت إلى حملة "حارس الأسوار" ومواجهات صعبة داخل الخط الأخضر. التوقعات في إسرائيل بشأن وقوع حدث كبير وهبّة شعبية واسعة في الجانب الفلسطيني، تعبيراً عن "الانتفاضة"، تضلّل الأمر الأساسي، وهو أننا أمام مبادرة سياسية فلسطينية تحاول تغيير الوضع القائم الذي تطور في الضفة الغربية فيما يتعلق بالعلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين هناك.
  • إن هذا الواقع الذي يقوم على التعاون بين المتنافسين - النابع من الفهم بأنه لن يكون ممكناً الدفع قدماً بمفاوضات سياسية – والذي تمأسس على الأرض (محاولة إسرائيل والسلطة الفلسطينية الدفع جانباً بالمعارضة الإسلامية، عبر وعود برفاهية اقتصادية للفلسطينيين)، تجري محاولات لتغييره. إن العنف و"الإرهاب" تجاه إسرائيل، إلى جانب ظواهر العنف الداخلي والفوضى، هي محاولات جرت في العام الأخير لتغيير هذا الواقع. وضعف السلطة صارخ، إذ تبدو مستسلمة لقوى التغيير من خلال عدم قيامها بأي تحرُّك.
  • إن قرار تجديد المفاوضات بشأن المصالحة مع "حماس" يعكس انسحاباً ممكناً من معادلة الصراع المشترك مع إسرائيل ضد القوى الإسلامية. وعملياً، تقترب السلطة اليوم من وضع تكون فيه مسؤولة عن القضايا المدنية في الضفة، وبذلك تقترب أيضاً من نقطة اللافاعلية بالنسبة إلى المصلحة الإسرائيلية في حفظ الاستقرار في الميدان. التعبير العملي هو الوجود المادي الأعمق للجيش وجهاز "الشاباك" في شمالي الضفة لإحباط "الإرهاب" في الآونة الأخيرة. ومن وجهة النظر هذه، حتى ولو لم نكن نعيش انفجاراً جماهيرياً واسعاً، فإنه من الواضح أن هناك تنكّراً للوضع القائم لدى فئات في المجتمع الفلسطيني والنظام السياسي الفلسطيني. هذا "التنكّر" هو الترجمة العبرية لـ"مصطلح" الانتفاضة.
  • إن انتفاضة 2022 لا تبدو كسابقاتها، من حيث الانفجار الجماهيري الواسع، إنما كظاهرة مستمرة وجذرية تحاول تحدّي الترتيبات القائمة. عملياً، هي انتفاضة بنموذج جديد تتميز بالتالي: الاستمرارية، والوقت الطويل، والشخصيات التي تقود "الإرهاب"، وهي غير منتمية إلى الفصائل، وتركيز جغرافي على المناطق المهمشة في شمالي الضفة. وفي المقابل، فإن هذا النموذج قديم، من حيث المنطق الناظم: تغيير وزعزعة الوضع القائم الذي تستفيد منه إسرائيل خلال الأعوام الأخيرة.
  • أما الأخبار السيئة فهي أن هذه الانتفاضة، بحلّتها الجديدة، تأتي في وقت يعيش النظام السياسي الفلسطيني ذروة الضعف، وقربه من يوم ما بعد أبو مازن، وفي ظل هذا الواقع، تستمر إسرائيل في وضع رهانها كله على حصان السلطة الفلسطينية التي يصعب تزويدها بما تحتاج إليه.