من الهامش إلى المركز
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

لذلك السبب، وفي ضوء احتمال أن تستمر المواجهة مع إيران وأن تصبح هذه المواجهة المحور الرئيسي للسياسة الشرق الأوسطية والسياسة الأميركية في المنطقة، تطرح مسألة ثانوية على جدول الأعمال: هل سترغب الولايات المتحدة في محاولة إبعاد سورية عن إيران، وهل هناك أية فرصة للنجاح؟

إن التحالف مع دمشق، الذي تتمتع فيه طهران بالهيمنة، هو عنصر رئيسي في سياستها. فسورية توفر لإيران طريقاً للوصول إلى قلب الشرق الأوسط: لبنان والصراع العربي ـ الإسرائيلي. وسيكون للتفاهم الأميركي ـ السوري تأثير نحو الاعتدال في ثلاثة مجالات: العراق ولبنان والساحة الفلسطينية. وستمنى هيبة طهران بضربة قوية. وستستفيد الدول العربية المحافظة ـ المعتدلة من حقنة تشجيع مهمة وستسجل الدبلوماسية الأميركية في المنطقة إنجازاً رائعاً بعد فترة من الإخفاقات. لكن هل يتعلق الأمر بخطوة واقعية؟

ستُدرج في جدول أعمال هذه الخطوة عدة موضوعات:

1ـ العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وسورية: هذه العلاقات حالياً في الحضيض. بوش وإدارته ينظران إلى الأسد وحكومته كطرف معاد يدعم عملياً أعمال "التمرد" المناهض للأميركيين في العراق، ويدعم الإرهاب (بصيغتيه الفلسطينية واللبنانية)، ويسعى لتدمير سيادة لبنان واستقرار حكومة فؤاد السنيورة. الرئيس الأسد ونظامه، في المقابل، يعتقدان أن الولايات المتحدة برئاسة بوش تعمل على إسقاطهما. وستكون نقطة البداية لأي حوار سوري ـ أميركي محاولة إعادة شبكة العلاقات إلى ما كانت عليه سنة 1990. وستكون سورية راغبة في وعد أميركي بعدم تقويض النظام، وتحسين الأجواء ورفع مستوى العلاقات.

2ـ المسألة اللبنانية: هنا نستطيع أن نتوقع حواراً وأموراً إشكالية. إن سورية تعتبر لبنان رصيداً استراتيجياً ومنطقة نفوذ شرعية، بينما الولايات المتحدة عازمة على حماية السيادة اللبنانية وإنجازات "الثورة" المعادية لسورية عام 2005. وسورية تريد وضع التحقيق في اغتيال الحريري على الرف، بينما الولايات المتحدة عازمة على استنفاده. بوش هو الرئيس الذي يحمل أيديولوجيا ويعتبر نشر الديمقراطية مهمة أساسية لإدارته. وكان تأليف حكومة السنيورة بالنسبة إليه إنجازاً كبيراً جداً كـ "طرد" سورية من لبنان. والاعتراف الأميركي بأن لسورية "وضعاً خاصاً" في لبنان سيكون في نظره أمراً صعباً ومحرجاً. وبطبيعة الحال، فإن قرار إنشاء محكمة خاصة للتحقيق في اغتيال الحريري والجميل لا يفرض عقبات كبيرة.

3ـ مسألة الجولان والعلاقات مع إسرائيل: يريد الأسد استعادة الجولان. ومما يؤسف له أنه يجب أن يظهر بمظهر من يعمل لتحقيق هذه الغاية، سواء من خلال المفاوضات أو النزاع المسلح. وتؤيد الولايات المتحدة مبدأ "الأرض في مقابل السلام" لكن ليس لديها الرغبة في مكافأة الأسد، على الأقل ليس في هذه المرحلة. إذا تم التوصل إلى تفاهم أميركي ـ سوري شامل، فمن شأن بوش تغيير رأيه، لكن في هذه اللحظة فالرسالة الواضحة التي تبثها واشنطن للقدس هي أن الولايات المتحدة ترفض استئناف المفاوضات الإسرائيلية ـ السورية.

4ـ العلاقات مع إيران: يقول عدة ناطقين سوريين لمحاوريهم ولوسائل الإعلام الغربية إن التحالف بين سورية وإيران ليس (زواجاً كاثوليكياً)، وإن دمشق دُفع بها ويُدفع بها إلى أحضان طهران من دون أن يكون أمامها خيار، بسبب العداء الأميركي. هذه الادعاءات لا يمكن أن تُختبر جديتها إلا من خلال الحوار بين الولايات المتحدة وسورية لتسوية العلاقات بينهما.

5ـ الأزمة المستمرة في العراق: الولايات المتحدة تتوقع من سورية، أولاً وقبل كل شيء، إغلاق حدودها الطويلة مع العراق إغلاقاً تاماً كي تمنع تسرب الأسلحة والمقاتلين. وبصورة أعم، تريد أن ترى سورية شريكاً في إحلال الاستقرار في العراق بحيث يمكن أن تسحب قواتها من دون شعور بالهزيمة، وتمكين الحكومة العراقية من العمل. أما سورية فمعنية بخروج الولايات المتحدة من العراق، وتريد أن ترى حكومة صديقة عبر حدودها الشرقية. واليوم تعتبر سورية الساحة العراقية وسيلة للضغط على الولايات المتحدة وساحة للتعاون مع إيران. لكن في المدى الطويل، فإن الفوضى قد تهدد الاستقرار في سورية كذلك.

يتبين من كل ما سبق أنه سيكون من السهل نسبياً على سورية والولايات المتحدة التوصل إلى تفاهم بشأن المسألة الثنائية والمسألة العراقية. أما المسألتان اللبنانية والإسرائيلية ـ الفلسطينية فستكونان أكثر صعوبة.

إسرائيل لديها مصلحة كبيرة في هذه المسائل. فالحوار بين واشنطن ودمشق سيثير أسئلة ومخاوف في القدس. على الرغم من الصداقة مع الولايات المتحدة وإدارة بوش ستشعر إسرائيل بعدم ارتياح شديد عندما تطرح مسألة مستقبل الجولان على جدول الأعمال أثناء الحوار الأميركي ـ السوري. اليوم تلمح واشنطن للقدس أنها لا تريد بدء مفاوضات إسرائيلية ـ سورية، لكن ماذا عندما يحدث العكس؟ الدرس الذي يجب أن تستخلصه إسرائيل واضح. إن الوقت ليس عاملاً محايداً، والسلبية لا تؤدي إلى أي مكان، والذي لا يأخذ المبادرة، ولو على جبهة أخرى، سيجد نفسه في النهاية يرد على مبادرات الآخرين.

 

المزيد ضمن العدد 94