التطبيع يواجه تحديات متصاعدة والموضوع الفلسطيني يعود إلى مركز اهتمام العالم العربي
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- إن الاعتقاد السائد أن التطبيع بين إسرائيل والدول العربية معزول عن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي غير صحيح. فبعد عامين على "اتفاقيات أبراهام"، يبدو أن الموضوع الفلسطيني عاد إلى مركز اهتمام العالم العربي. كما يبقى موضوع التصعيد في "الإرهاب" الفلسطيني ونشاطات الجيش في الضفة الغربية ماثليْن أمام الدول الخليجية العربية، وعلى رأسها الإمارات والسعودية. هذه التطورات، بالإضافة إلى سياسات الحكومة في هذا السياق، هي أمور تمتحن قدرة هذه الدول على حفظ التوازن بين صورة القلق على ما يحدث مع الفلسطينيين، وبين دفعها قدماً بعلاقات اقتصادية وأمنية مع إسرائيل.
- إن العلاقات بين قيادة "اتفاقيات أبراهام"، الإمارات، وبين حكومة اليمين- الحريديم الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، بدأت عرجاء، مع إلغاء الإمارات زيارة كان من المقرر أن يقوم بها نتنياهو إلى أبو ظبي، وكانت ستكون افتتاحية احتفالية لولايته المتجددة (زيارة لم يقُم بها حتى الآن). جاء إعلان الإلغاء مباشرة بعد الزيارة الإشكالية التي قام بها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى المسجد الأقصى. حينها، تخوّف الإماراتيون من الزيارة، في الوقت الذي يتخوف العالم العربي من سياسات الحكومة في المسجد الأقصى (وضمنها فرض قيود على زيارة المسلمين، والسماح لليهود بها). وتم استبدال استقبال رئيس الحكومة بمقترح قدمته الإمارات لإدانة إسرائيل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
- بصورة استثنائية جداً، تحالفت الإمارات مع البعثة الفلسطينية الدبلوماسية في الأمم المتحدة، ليس أقل من ثلاث مرات، منذ كانون الثاني/ يناير، بهدف إصدار بيان إدانة لإسرائيل، وهذا في الوقت الذي كانت تستغل مكانتها كعضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (في حزيران/يونيو 2023، ستشغل منصب الرئيس الذي يتبدل دورياً). وهنا، من المهم الإشارة بصورة خاصة إلى بيان حاد صاغه الإماراتيون في شباط/فبراير، بالتنسيق مع الممثلية الفلسطينية، ويطالب إسرائيل "بوقف تام وفوري لكل الأعمال الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة". وفقط بعد ضغط أميركي، تم تحويل التصويت إلى تصويت على قرار رئاسي، بدلاً من قرار إلزامي.
- وفي الخلفية، هناك اتجاه إلى تحسين العلاقات ما بين الإمارات والبحرين من جهة، والسلطة الفلسطينية من جهة أُخرى، بعد انقطاع في أعقاب "اتفاقيات أبراهام"، والتي تم التعامل معها، فلسطينياً، كسكين في الظهر، وكخيانة للشعب الفلسطيني. ويبدو أن السلطة الفلسطينية فهمت مؤخراً أن هناك احتمالات لتستفيد من خلال الاندماج في مشاريع إقليمية، وأيضاً من خلال تفعيل دور "اتفاقيات أبراهام" لكبح الحكومة الإسرائيلية عن اتخاذ خطوات متطرفة ضد الفلسطينيين. ويمكن لتقارُب العلاقات بين السلطة الفلسطينية والإمارات السماح مثلاً بدخول هذه السلطة إلى مبادرات بنى تحتية إقليمية في مجال الاقتصاد، والبنى التحتية عموماً، والطاقة، والتي تستند إلى "اتفاقيات أبراهام"، وتخدم الفلسطينيين والإسرائيليين معاً.
- هذا بالإضافة إلى أن تغيير الترتيبات القائمة في المسجد الأقصى والتخوف من "العنف" في القدس، يصعّبان إخراج الاتفاقيات والدفع بها قدماً، على الأقل في كل ما يخص الجوانب العملية. فالاجتماع الثاني مثلاً لـ"قمة النقب" - الملتقى الذي تم تأسيسه العام الماضي، ويتضمن إسرائيل والولايات المتحدة والإمارات والبحرين والمغرب ومصر - وكان من المقرر أن يعقد اجتماعاً في شهر آذار/مارس، تم تأجيله إلى موعد غير محدد. هناك مصادر غربية دبلوماسية أكدت أن الدول العربية في الملتقى تخوفت من إقامة الحدث، الذي يغطى إعلامياً، في موعد قريب من شهر رمضان - الذي بدأ يوم 22 آذار/مارس - ذلك بأن هذه الفترة كانت العام الماضي فترة تصعيد أمني في القدس وفي ساحة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي (وخصوصاً المعركة العسكرية بين "حماس" وإسرائيل في أيار/مايو؛ حملة "حارس الأسوار").
- إن الضغوط والتصريحات العلنية الصادرة عن أحزاب في الائتلاف في إسرائيل، والتي تطالب بزيادة الاستيطان في الضفة الغربية ووضع "الإدارة المدنية" تحت سلطة ممثلين لها، هي أمور يتم التطرّق إليها في وسائل التواصل الاجتماعي داخل دول الخليج، وسط تخوّف من أن تكون إسرائيل تجهّز الأرضية لضمّ مناطق في الضفة الغربية. وتم التشديد في الأحاديث التي تدور في وسائل التواصل، على أن اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل في سنة 2020 كان خطوة لمنع هذا الضم. لذلك، لا يجب استغراب صيغة بيان الإدانة الذي قدمه الإماراتيون في مجلس الأمن، وأشار، بوضوح، إلى "كل محاولات الضم، وضمنها قرارات إسرائيلية تتطرّق إلى المستوطنات."
- بعد ما حدث في قرية حوارة بالقرب من نابلس - اعتداء المستوطنين على أملاك السكان الفلسطينيين وتصريحات وزير المال بتسلئيل سموتريتش بشأن "محو قرية حوارة عن الخريطة" (على الرغم من أنه تراجع واعتذر)- نُشرت أخبار تشير إلى أن الإمارات قامت بإلغاء صفقات لشراء معدات أمنية إسرائيلية، قبل التوقيع بوقت قصير. وعلى الرغم من إنكار حكومة إسرائيل، فإن الإماراتيين، كما يبدو، غير مرتاحين إزاء ما تقوم به حكومة إسرائيل، ولا توجد ثقة أيضاً بالرسائل التطمينية التي يرسلها رئيس الحكومة نتنياهو، الذي يتم التعامل معه على أنه أسير لجهات متطرفة في حكومته.
- الإدانات لإسرائيل في السياق الفلسطيني تصل أيضاً، بصورة استثنائية، من حيث الوتيرة والصيغة، من طرف السعودية - والتي تم وضع التطبيع معها كهدف مركزي للحكومة - بالأساس بسبب الأعمال التي يقوم بها الجيش في نابلس وجنين مؤخراً، والتي حصدت أرواح الكثيرين من الفلسطينيين، بالإضافة إلى اعتداءات المستوطنين. ووصفت وزارة الخارجية السعودية تصريحات سموتريتش في هذا السياق بأنها "عنصرية، وغير مسؤولة، وتعكس العنف المتطرف الذي يمارسه الكيان الإسرائيلي الاحتلالي بحق إخوتنا الفلسطينيين." وأشارت مصادر إعلامية إلى أن الإمارات قررت تأجيل شراء منظومات أمنية من إسرائيل، بسبب سياسات وتصريحات وزراء في الحكومة ضمن السياق الفلسطيني. هذا بالإضافة إلى أن كُتّاب الرأي السعوديين الذين دعموا الدفع بالعلاقات العلنية مع إسرائيل سابقاً، يتكلمون بصوت منخفض بعد الأحداث، وذلك من منطلق العلم بأن هذا الوقت ليس ملائماً لدعم التطبيع مع إسرائيل.
- إن كل هذه الخطوات السياسية والتعبيرات الإعلامية تشير إلى ضغوط متصاعدة على الدول الموقّعة للاتفاقيات، وعلى تلك التي تجلس جانباً، بسبب ما يحدث في ساحة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. إيران التي لا تنظر إلى التطبيع بين الدول الخليجية وإسرائيل بإيجابية، تعمل على ترميم علاقاتها مع جزء من الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، وهذا اتجاه يمكن أن يصعّب على هذه الدول أكثر إخراج علاقاتها مع إسرائيل إلى العلن.
تلخيص وتقدير
- إن التطورات الأخيرة لا تضع حداً لـ "اتفاقيات أبراهام"، ولا تغلق الباب أمام احتمال انضمام دول إضافية إليها. وعلى الرغم من ذلك، فإن استمرار التوتر في الساحة الإسرائيلية - الفلسطينية، وخصوصاً إذا جرت معركة، أو تغيير في "الوضع القائم" في المسجد الأقصى، فيمكن أن يحدث تجميد لتقدّم العلاقات بين القدس والرياض، وحتى إعلان نهاية شهر العسل العلني بين الإمارات وإسرائيل، أي وقف مسار التطبيع.
- تشير استطلاعات للرأي العام تم إجراؤها منذ توقيع "اتفاقيات أبراهام" إلى أن الأبعاد المختلفة للقضية الفلسطينية لا تزال الحاجز المركزي أمام مجرد الاعتراف بإسرائيل وبناء علاقات معها. صحيح أن هناك مصلحة لدى دول "اتفاقيات أبراهام"، وخصوصاً الإمارات، في أن تبقى علاقاتها مع إسرائيل منفصلة عن القضية الفلسطينية، ولكن ما يحدث في فلسطين استمر في التأثير في العلاقات، وبصورة خاصة البعد العلني منها.
- ويمكن القول إن سياسات حكومة إسرائيل تعيد القضية الفلسطينية إلى مركز اهتمام الإقليم، وتضرّ بجهودها لبناء ائتلاف ضد إيران، وبدلاً من عزل هذه الأخيرة، يتم فتح الطريق لها لتحسين علاقاتها مع دول الخليج العربي، على حساب التطبيع مع إسرائيل.
الكلمات المفتاحية