لماذا لا يندمج المواطنون العرب في الاحتجاجات ضد الحكومة؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • الأغلبية العظمى من المجتمع العربي في إسرائيل امتنعت من المشاركة في التظاهرات الاحتجاجية الجماعية ضد "الإصلاحات القضائية"، التي تسعى الحكومة للقيام بها. وهذا، على الرغم من المعرفة الكبيرة لإسقاطات التغييرات المقترحة والقلق العميق في أوساط الجمهور العربي من أن تغدو ظروفه أسوأ، وتتراجع مكانته في الدولة بسببها، فإن استطلاعاً للرأي أجراه المعهد الإسرائيلي لدراسات الديمقراطية في شباط/فبراير، يشير إلى أن 87% من المواطنين العرب يعبّرون عن تخوّف من إلحاق الضرر بحقوقهم، في حال تمت المصادقة على التغييرات التي تقترحها الحكومة.
  • صحيح أن قيادات الأحزاب العربية عبّرت، أكثر من مرة، عن معارضتها للخطة الحكومية، وطالبت المواطنين العرب، بوضوح، بالمشاركة في التظاهرات، حتى أن بعضهم شارك بنفسه فيها. وعلى الرغم من ذلك، فإنهم تفهّموا الأصوات الأُخرى التي تطالب بعدم المشاركة في التظاهرات، حتى أنهم امتنعوا من القيام بأي خطوة عملية لتجنيد "المواطنين" العرب جماعياً، للمشاركة في الاحتجاجات. مؤخراً، زاد عضو الكنيست أيمن عودة في مطالباته الجمهور العربي بالمشاركة في الاحتجاجات، وشارك مع نشطاء من حزبه في التظاهرة التي أقيمت يوم 11 آذار/ مارس في تل أبيب، معلناً: "سنستمر في العمل بكامل قوتنا، لإخراج جمهورنا للمشاركة في التظاهرات." وخلال التظاهرة التي أقيمت في وادي عارة يوم 17 آذار/ مارس، قال عودة إن مصلحة المجتمع العربي هي أن تنجح الاحتجاجات ضد الحكومة، ولذلك، يجب عليه أن يكون مركّباً مركزياً في النضال.
  • شرح كلٌّ من عضو الكنيست أيمن عودة وأحمد الطيبي، خلال خطابات ألقياها، أن مشاركة المجتمع العربي في التظاهرات ضرورية، نظراً إلى أهمية الحفاظ على تركيبة ومكانة محكمة العدل العليا، التي منعت طوال السنوات الماضية شطب الأحزاب العربية ومنعها من المشاركة في انتخابات الكنيست. أما رئيس القائمة الموحدة منصور عباس، فطالب بالحوار بين زعماء المعارضة وزعماء الائتلاف في بيت رئيس الدولة، وفي الوقت نفسه، نادى باستمرار الاحتجاجات.
  • يستمر الأكاديميون والقيادات الجماهيرية والنشطاء في مؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة إلى كتّاب المقالات العرب واليهود، في دعوة الجمهور العربي إلى المشاركة، حتى أنهم يعرضون عليه أن يكون بين قيادات الاحتجاجات، وذلك لكسر الصورة التي التصقت بالاحتجاجات بأنها من صنع أحزاب اليسار اليهودي فقط. الذين يشاركون في التظاهرات هم قلة، حتى أنهم يلقون خطابات احتجاجية. هذا بالإضافة إلى أنه كان هناك دعوات لإقامة تظاهرات في البلدات العربية، بمشاركة يهودية وعربية، على أمل أن تتوسع هذه التظاهرات. وفعلاً، خلال الأيام الأخيرة، نُظّمت تظاهرات احتجاجية أولية للعرب في كفرمندا ووادي عارة.
  • أطلق كلٌّ من "مبادرات أبراهام" وجمعية "هل رأيت الأفق مؤخراً؟" حملة لدعوة الجمهور العربي إلى الانضمام إلى الاحتجاجات، وإلا فإن حقوقهم الأساسية كأقلية ستُسلب منهم. مبادرة أُخرى من "مبادرات أبراهام" دفعت بلقاء يجمع شخصيات بارزة في المجتمع العربي مع رئيس الدولة، لطرح أهمية التطرق إلى المجتمع العربي في هذا الوقت خاصة، وذلك لاستغلال الفرصة التي يمكن أن تسمح لهم بأن يكونوا جزءاً من الاتفاق الواسع في المجتمع بشأن هوية الدولة ونظام الحكم فيها.
  • وعلى الرغم من هذا كله، فإن الأغلبية الساحقة من المجتمع العربي بقيت خارج حركة الاحتجاج، ولا تزال تقف جانباً، ولا تلعب دوراً فاعلاً في التظاهرات. يبدو أن السبب وراء ذلك هو عدم الثقة بمؤسسات الدولة، الذي لا يزال يسيطر على المزاج العام في المجتمع العربي، ويمنع مشاركته في الاحتجاجات. ويمكن أيضاً إضافة أسباب أُخرى، بينها تصريحات عضويْ الكنيست أيمن عودة وأحمد الطيبي، اللذين قالا خلالها إن الاحتجاجات تتجاهل المشاكل التي تهمّ المجتمع العربي فعلاً، وبينها استمرار الاحتلال والتمييز ضد العرب، ولذلك، فإنهم لن يتعاونوا مع أحزاب المعارضة اليهودية. هذا بالإضافة إلى أن رئيس الدولة لم يذكر الأقلية العربية نهائياً خلال خطابه الأول بشأن الانقلاب الدستوري في 12 شباط/فبراير 2023، وهو ما ساهم في زيادة الشعور بأن النضال هو شأن داخلي - يهودي. ويضاف إليه أيضاً الميل لدى المنظمين وقيادة التظاهرات، إلى تقليل مشاركة العرب فيها، بهدف منع رفع علم فلسطين، أو التطرق أصلاً إلى الصراع العربي - الإسرائيلي، وهو ما تم التعامل معه كرسالة، مفادها بأن المنظمين لا يريدون رؤية العرب إلى جانبهم في هذه الأحداث.
  • وفي هذا السياق، يجب الإشارة إلى أنه إذا لم تتم حتى الآن حماية حقوق الإنسان، وعلى رأسها حق المجتمع العربي في إسرائيل في المساواة قانونياً، لا عبر قانون عادي، ولا قانون أساس، ومن دون قرار محكمة عليا حتى، وإذا جرى تمرير الانقلاب القضائي، فإن هذا الوضع سيغدو أصعب بكثير على الأقلية العربية. وهذا على الرغم من أنه من بين كل مؤسسات الحكم في إسرائيل، فإن المحكمة العليا هي أكثر مَن دافع عن حقوق الفرد في المجتمع العربي طوال سنوات وجود الدولة - وحتى لو لم يكن ذلك بالشكل الكامل. وبحسب "مؤشر الأمن القومي"، الذي يصدر عن مركز أبحاث الأمن القومي، فإن ثقة المجتمع العربي في إسرائيل بالمحكمة العليا تراجعت بشكل حاد من 75% في سنة 2017، إلى 42% فقط في سنة 2022. وهذا كما يبدو، بسبب الاعتقاد أن المحكمة العليا لا تدافع كما يجب عن حقوق المجتمع العربي، وبصورة خاصة الحقوق الجماعية، كأقلية قومية أصلانية. وفعلاً، لا تزال تسيطر في أوساط المجتمع العربي مشاعر من الخذلان بسبب أداء المحكمة العليا، كما صادقت مثلاً بالإجماع على قانون أساس: إسرائيل - الدولة القومية للشعب اليهودي. ونفترض هنا أن نسبة القضاة العرب في إسرائيل، وهي 8.4% في سنة 2019، كما أنه لا يكفي وجود قاضٍ عربي واحد من أصل 15 في المحكمة العليا. وعلى الرغم من ذلك، فإن ثقة المجتمع العربي بالمحكمة العليا لا تزال عالية، نسبةً إلى بقية مؤسسات الدولة.
  • ولا يزال هناك بعض القرارات الإيجابية، كقرار "صوت الشعب" من الخمسينيات، الذي دافع عن حرية تعبير صحيفة "الاتحاد" العربية. وتلته إضافة سلسلة من القرارات التي دافعت عن الحقوق المدنية والسياسية للأقلية العربية. أبرزها قرار بشأن سمير قعدان، يتعلق بتوزيع الأراضي بشكل غير متساوٍ في البلدات، والقرار الصادر لمصلحة "عدالة" بشأن اللغة العربية في اليافطات داخل المدن المختلطة، وقرار بشأن محمد بكري وقضية حرية التعبير الفني. هذا بالإضافة إلى قرارات ألغت، أو لم تصادق على قرارات لجنة الانتخابات المركزية شطب أحزاب عربية، أو مرشحين في أحزاب عربية، ومنعهم من خوض الانتخابات.
  • هناك تخوّف كبير من التشريعات التي تبادر إليها الحكومة، ويمكنها أن تُلحق الضرر الكبير جداً بالمجتمع العربي، وتعرّض حق اللجوء إلى المحكمة للخطر، وتغلق أبواب المحكمة أمام مؤسسات حقوق الإنسان، وضمنها الاستئنافات الجماهيرية. تشريعات بروح المبادرة الحكومية ستسمح للحكومة بالدفع بسياسات تمييزية ضد الجمهور العربي، من دون وجود كوابح توقفها. فمثلاً، لن تستطيع المحكمة إلغاء سياسات تمييزية ضد العرب، بالاستناد إلى تبرير المعقولية. هذا بالإضافة إلى أنه في حال تمت قوننة سياسات تمييزية، فلن تستطيع المحكمة إلغاءها، إلا بموافقة واسعة من جميع قضاة المحكمة العليا. وحتى في هذه الحالة، ستكون القوانين مفتوحة أمام المشرّع الذي تسيطر عليه الحكومة، ولديه الإمكانية للتغلب على قرار المحكمة العليا، وحتى تحصين القانون، عبر منح صفة "قانون أساس" لكل قانون تمييزي. هذا صحيح أيضاً إزاء كل ما يخص حقوق الفرد، ومن المؤكد أيضاً إزاء كل ما يخص الحقوق الجماعية، كاستخدام اللغة العربية في الحيز العام، أو ممارسة الحق السياسي الأهم في الترشح في البرلمان، حيث تم اقتراح قانون لفرض قيود عليه منذ الآن.
  • في الختام، الصورة العامة معقدة جداً وممتلئة بالمخاطر التي تمسّ بالديمقراطية الإسرائيلية، وبصورة خاصة إزاء كل ما يتعلق بحقوق المجتمع العربي. فمن جهة، هناك مخاوف كبيرة من الإسقاطات السلبية للمبادرات الحكومية بشأن النظام القضائي. ومن جهة أُخرى، يبدو أن المواطنين العرب في إسرائيل يعزلون أنفسهم، حتى الآن على الأقل، في مقابل تطورات لها أهمية كبيرة بشأن الديمقراطية الإسرائيلية، التي تضع هذه الأقلية غير المحمية تحت رحمة الأغلبية والحكومة. وفي هذا السياق، فإن موقف القيادة السياسية العربية، وخاصة لجنة المتابعة، السلبي نسبياً، غريب جداً.
  • صحيح أنه من الصعب التقدير في هذه المرحلة كيف ستتطور الاحتجاجات في المجتمع العربي. إلا إن التظاهرات الأولية التي جرت في البلدات العربية، والمؤشرات إلى الانضمام البطيء والمتأخر، تشير إلى أن المجتمع العربي بدأ يفهم، ولو متأخراً، أن "الجلوس جانباً" لن يساعده، حتى أنه يمكن أن يضرّ به أكثر مستقبلاً. انضمام المجتمع العربي إلى الاحتجاجات سيثبت أنه لم يتراجع عن رؤية الاندماج في النسيج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، التي تميز بها خلال الأعوام الماضية. المشاركة العربية الواسعة والفاعلة في الاحتجاجات الجماعية ستضيف بعداً مهماً جداً، ليس فقط إلى الحركة والاحتجاج، بل أيضاً ستقوّي اندماج المجتمع العربي في المجتمع والدولة. وفي المقابل، فإن الامتناع من المشاركة لوقت طويل، يمكنه أن يشير إلى تراجُع الجمهور وقيادته عن رؤية الاندماج.

 

 

المزيد ضمن العدد