"حماس" تحاول الانطلاق خارجاً، وهنا يجب وضع الخط الأحمر
تاريخ المقال
المصدر
- سلسلة الأحداث الأمنية التي واجهناها من عدة جبهات في الوقت نفسه، وكانت وراءها عدة جهات، في ظل أزمة داخلية حادة وتوتُّر في العلاقات الخارجية، تُعاظم الشعور بعدم الثقة وعدم الاستقرار، وتفرض على الحكومة، قبل كل شيء، ترتيب الأمور وبثّ رسالة، مفادها أنها مسيطرة.
- في هذه المرة أيضاً، وكما جرى في معركة "حارس الأسوار"، فإن التحريض هو الذي يغذي "موجة الإرهاب"، وما يحدث حول حرم المسجد الأقصى، وبصورة خاصة خلال شهر رمضان. ومما يزيد في الأجواء الداعمة لـ"الإرهاب" الزخم الناجم عن العمليات الناجحة التي تساهم أيضاً في ذلك، وكذلك الشعور بالشراكة في النضال ضد إسرائيل، وتصوير الطرف الإسرائيلي كضعيف ومتخاصم مع بعضه البعض ومشوش.
- يتعين على السياسة الإسرائيلية في هذا الوقت أن توازِن وأن تحسم بين عدة توترات:
- بين الرغبة في الحفاظ على حرية العبادة في المسجد الأقصى، وضرورة فرض قيود عليها أحياناً، لتقليل احتمالات الانفجار.
- بين الحاجة إلى القيام بعمليات عسكرية في عمق الضفة الغربية لمنع العمليات، وبين الرغبة في تقليص الاحتكاك وتقليل عدد الإصابات كي لا تصبّ الزيت على النار.
- بين الحاجة إلى تدفيع قيادة "حماس" ثمناً كبيراً وردعها، وبين الرغبة في عدم الانجرار إلى معركة مع قطاع غزة في هذا الوقت.
- بين المصلحة في عدم ربط الساحات والأعداء، وبين ضرورة العمل ضد كل الجبهات وضد كل مَن يعمل ضدنا.
- المطلوب من هذه السياسة أيضاً توزيع الاهتمام والموارد بين المشاكل الآنية "المشتعلة"، وبين تلك التي يعرفها الجمهور بصورة أقل، كالنووي الإيراني وجهود التمركز في سورية، التي من شأن إهمالها جعل إسرائيل تدفع أثماناً باهظة.
- لكن حتى بعد القيام بهذه التوازنات، فلدى إسرائيل هامش يسمح لها بتدفيع "حماس" ثمناً كبيراً من دون الدخول في معركة. سيكون من الصواب وضع احتمال عودة الاغتيالات كتهديد حقيقي لـ"الجهات الإرهابية"، وأيضاً نزع الإنجازات عن "حماس"، التي يعتبر الجمهور الفلسطيني أنها تحققت بفضلها - كتصاريح العمل في إسرائيل التي تُمنح لسكان غزة.
- وهذا ينطبق أيضاً على لبنان. فإطلاق القذائف على نطاق واسع ضدنا يمنح إسرائيل الشرعية للإعلان أنها لن تسمح ببناء بنية لـ"حماس" في هذه الساحة، وأن تعمل بصورة يومية ضد ذلك، كجزء من أهداف "المعركة بين الحروب".
- وفي جميع الأحوال، يمكن القول إن هذا الواقع المركّب سيرافقنا إلى ما بعد يوم "الاستقلال" على الأقل، ويجب الاستعداد له على شكل عملية وطنية – أمنية - سياسية واجتماعية: مع رؤية واضحة للمستوى السياسي، وخطة منظمة وملائمة تدمج ما بين جميع أذرع الأمن والمنظومة السياسية، وتقديرات متتالية للوضع وجهود دعائية مستمرة، تقلل من عدم اليقين، وتحول المواطنين إلى شركاء في هذه المعركة، الأمر الذي يمكن أن يساهم في تقليل الخلافات الداخلية أيضاً.
"حماس" خططت ونفّذت، وعليها أن تدفع ثمناً غالياً
- قبل نحو ثلاثة أسابيع، وقبل بدء شهر رمضان، كسر محمد ضيف صمته من غزة ليطالب بتوحيد القوات من جميع الجبهات ضد إسرائيل: "لتتوحد جميع الأعلام وجميع الجبهات لهدف واحد كبير - تحرير فلسطين وإعادتها إلى حضن الإسلام." يمكن القول إنه كان يعلم منذ ذلك الوقت بالتجهيزات العملياتية والتنسيق المطلوب، بهدف إطلاق النار من لبنان، وانتظر الفرصة الملائمة. ما جرى في حرم المسجد الأقصى كان المبرر الملائم لذلك.
- من غير المتوقع أن يتغير الواقع الأمني في مواجهة قطاع غزة بصورة أساسية، حتى بعد هذا التوتر. أولاً، لأن البدائل من الوضع القائم ليست أقل سوءاً منه لدرجة تبرر ثمن تغييره؛ ثانياً، لأنه من وجهة نظر إسرائيل، لا تزال غزة ساحة ثانوية، مقارنةً بإيران، وسيكون من الخطأ تحويل الاهتمام والموارد المطلوبة إليها للقيام بتغيير كهذا.
- هذا لا يعني أن على إسرائيل أن تقبل خطوات "حماس". العكس هو الصحيح، لذلك، على إسرائيل منع "حماس" من الخروج عن الإطار الذي كان موجوداً خلال المناوشات السابقة.
ما الذي يمكن القيام به أيضاً؟
- أولاً، أداة الردع الأقوى ضد الحركة هي الاغتيالات. سيكون من الصواب الإبقاء على هذا الاحتمال كتهديد حقيقي فوق رؤوس قيادات "التنظيمات الإرهابية". تهديد كهذا سيصعّب عمل هذه القيادات، ويدفعها إلى تركيز الاهتمام والموارد من أجل الحفاظ على أمنها الخاص، ويضعفها أمام الجمهور. الكثيرون من قيادات "حماس" يحملون على أجسادهم ما يذكّرهم بقدرات إسرائيل العملياتية والمتنوعة. يعلمون أيضاً بأن التوقيت في يدها، وهذه المعرفة، بحد ذاتها، تساهم في الردع.
- ثانياً، إلغاء المساعدات الاقتصادية التي منحتها إسرائيل لسكان القطاع. وبالأساس: تصاريح العمل في إسرائيل، وهو ما تم التعامل معه في المجتمع الفلسطيني على أنه إنجاز لـ"حماس". إلغاء هذه التصاريح، وخاصة في فترة رمضان، سيحول الانتقادات الجماهيرية إلى "حماس"، ويقلل من الإنجازات التي تحاول أن تبنيها في أوساط المجتمع، ومن الأرباح الاقتصادية التي تجنيها بسبب هذه التصاريح. ولتحقيق هذا الأمر أيضاً، يجب بحث إلغاء التسهيلات الإضافية التي تم توزيعها في إطار ما يسمى "السياسة المدنية لمناسبة رمضان" (إن لم تُلغَ أصلاً).
- هذا بالإضافة إلى تجديد السياسة التي تقلص إدخال المواد المتعددة الاستعمال إلى غزة، والتي تستغلها "حماس" لصنع الصواريخ والأسلحة. هذه فرصة للعودة إلى تجفيف مصادر قوة "حماس" العسكرية في القطاع، حتى لو كان الثمن إلحاق الضرر بالمبادرات الاقتصادية - المدنية في هذه المنطقة.
- في الأيام المقبلة، سيستمر تركيز أجهزة الأمن على ما يحدث في حرم المسجد الأقصى والضفة. الشرطة تتعلم من الأخطاء في المسجد الأقصى، وتعترف بالمصيدة التي تنصبها الجهات الإرهابية، وبالتحريض الذي يهدف إلى تأجيج الأوضاع في المنطقة.
- أما بخصوص "الإرهاب" من الضفة، فيبدو أنه لا مهرب من عمليات "إحباط" في العمق، وأيضاً في فترة رمضان. من دون ذلك، سيكون من الصعب على الجيش و"الشاباك" منع الخلايا من تنظيم نفسها والخروج لتنفيذ عمليات. سياسة "كاسر الأمواج" التي تبنّتها أجهزة الأمن - صحيحة الآن أيضاً.
- وبخصوص لبنان: بحسب بيان الجيش، إن القصف الجوي الإسرائيلي بعد إطلاق الصواريخ، استهدف "البنية التحتية لحماس في الجنوب اللبناني". لا يجب الاكتفاء بذلك. يجب استغلال الشرعية في أعقاب إطلاق القذائف، والإعلان أن إسرائيل لن تسمح بوجود بنى لـ"حماس" في هذه الساحة.
- ساحة إضافية يجب الانتباه إليها، وبصورة خاصة بعد "حارس الأسوار"، هي الجبهة الداخلية: العرب في إسرائيل والمدن المختلطة. تجربة الماضي تفرض على أجهزة الأمن فتح عيونها على المجتمعيْن: الفئة الأولى هي الفلسطينيون من الضفة وعائلاتهم الذين يسكنون في إسرائيل في إطار "لمّ الشمل"، ولكن علاقتهم بما يجري، فلسطينياً، لم تتراجع؛ أما الفئة الثانية فتتضمن المعروفين بأنهم يدعمون "داعش"، أو تنظيمات فلسطينية أخرى متطرفة. يمكن لأحداث كتلك التي جرت في حرم المسجد الأقصى أن تمنح جزءاً منهم المبرر أو الدافع لتنفيذ عمليات في هذا الوقت.