شارك نحو 200.000 شخص في تظاهرة مؤيدة لخطة التعديلات المقترحة من جانب الحكومة الإسرائيلية على الجهاز القضائي، وقد أُقيمت في القدس مساء أمس (الخميس)، وكان قد دعا إليها الائتلاف اليميني الحاكم، وحثّ على أن تكون مليونية.
ورفع المتظاهرون شعارات تؤكد أن هذه التعديلات ضرورية من أجل إيجاد توازن بين السلطات الثلاث في إسرائيل بعد أن أقدم القضاة في المحكمة العليا على توسيع صلاحياتهم، وذلك بخلاف القانون.
وجاءت هذه التظاهرة رداً على تظاهرات الاحتجاج ضد خطة التعديلات التي تقودها أحزاب المعارضة منذ نحو 4 أشهر، وتحذّر فيها من أن الخطة تُسيّس النظام القضائي وتمسّ استقلاليته وتركز سلطات مطلقة في يد الحكومة، وهو ما يؤدي إلى تقويض الحيّز الديمقراطي.
وحيّا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو المتظاهرين الذين كانوا يحملون الأعلام الإسرائيلية ويهتفون. ودعت بعض الهتافات نتنياهو إلى عدم الرضوخ لضغوط المعارضة، وذلك بعدما أعلن تجميد الإجراءات التشريعية للتعديلات.
ووصل بعض المتظاهرين إلى التظاهرة ضِمن مسيرات، الأمر الذي دفع الشرطة إلى إغلاق شوارع وطرق رئيسية، وأدى ذلك إلى ازدحامات مرورية خانقة في القدس.
وحاول منظمو التظاهرة إحضار عضو كنيست من أحزاب اليهود الحريديم [المتشددين دينياً] لإلقاء خطاب أو إحضار ممثلين عن الحريدم إلى المنصة لإظهار دعمهم التظاهرة، وذلك على الرغم من دعوات قادة الحريديم جمهورَهم إلى التغيّب عن التظاهرة.
ودانت صحيفة "ييتد نئمان" الناطقة بلسان حزب ديغل هتوراه في افتتاحية عددها الصادر صباح أمس مشاركة الحريديم في التظاهرة، وقال رئيس تحرير الصحيفة إن الذين سيذهبون إلى التظاهرة لن يكونوا جزءاً من معسكر اليهود الحريديم.
وقال وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين، في سياق كلمة ألقاها أمام المتظاهرين، إن الشعب صوّت لمصلحة التعديلات في الاستفتاء الحقيقي قبل 6 أشهر، مشيراً إلى الانتخابات التشريعية. وتعهّد ليفين بإجراء تغيير كبير في الجهاز القضائي، وأعرب عن اعتقاده بأنه من الممكن التوافق مع المعارضة على أن الوقت قد حان لتغيير سلوك المحاكم. وانتقد كثيراً من قرارات المحكمة العليا، ولا سيما في مسائل تخص القضية الفلسطينية، ومكافحة العنف الجنسي، والهجرة، والجيش الإسرائيلي، داعيا المعارضة إلى مراجعة موقفها. كما وجّه انتقاده أيضاً إلى تركيبة قضاة هذه المحكمة، واصفاً إياها بأنها ذات توجّه سياسي وطائفي واحد، مشدداً على أنه يريد محكمة للجميع. وأردف قائلاً: "يدرك كثيرون الحاجة الملحّة إلى تصحيح كبير للوضع الحالي. أنا مقتنع بأنه يمكننا التوصل إلى تصحيح الوضع الحالي بالتوافق، لا بصورة أحادية الجانب، وهو ما يعني مفاوضات موضوعية، مع الاستعداد لقبول بنود حقيقية من التعديلات التي نقترحها."
وحينما تحدث ليفين عن التوافق، أطلق المتظاهرون صفاراتهم تعبيراً عن رفضهم التسوية.
ونفى ليفين رواية المعارضة بأن التعديلات ستؤدي إلى قيام نظام ديكتاتوري في البلد.
وقال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير زعيم حزب "عوتسما يهوديت" ["قوة يهودية"]: "يجب ألاّ نرضخ، نريد تعديلات كاملة، نريد أن ننتصر. ويجب ألاّ نختبئ وراء ما نفكر فيه، وهو أن نحكم بصورة مطلقة." فيما أكد رئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست عضو الكنيست سِمحا روتمان: "نحن أمام فرصة لن تعود، ويجب ألاّ نتنازل، فمن يتنازل عن إجراء تعديلات في القضاء يتنازل عن مكافحة 'الإرهاب'." ورأى وزير التعاون الإقليمي دافيد أمسالم، من حزب الليكود، أن "إسرائيل ليست دولة ديمقراطية، لأنها محكومة من جانب الأقلية اليسارية، بينما الديمقراطية تعني حكم الشعب والأغلبية." وشدد وزير المال بتسلئيل سموتريتش، من حزب الصهيونية الدينية، على ضرورة عدم التنازل عن التعديلات القضائية.
ومن ناحية أُخرى، انتهت أمس جلسة المفاوضات الرابعة بشأن خطة التغييرات القضائية، والتي عُقدت في ديوان رئاسة الدولة واستمرت 4 ساعات وشارك فيها ممثلون عن الحكومة وأحزاب المعارضة.
وقالت مصادر في ديوان رئاسة الدولة إن الطرفَين لم يعودا يتحدثان بروح التفاؤل والإيجابية نفسها كما كانت الحال في السابق.
وأضافت هذه المصادر نفسها أنه تم التفاهم بشأن نقطة واحدة فقط أمس، وهي شمل حقوق أساس الفرد ضمن قوانين الأساس.
ومن المتوقع أن تُعقد جلسة أُخرى الأسبوع المقبل.
تجدر الإشارة إلى أن التعديلات هي سبب رئيسي لانقسام سياسي حادّ تشهده إسرائيل منذ مطلع سنة 2023 الحالية. وعلى الرغم من أن الاحتجاجات كانت حكراً لفترة طويلة على المعارضة، فإن مؤيدي التعديلات قرروا النزول إلى الميدان أيضاً. وكان الكنيست في الفترة الأخيرة في عطلة بسبب الأعياد اليهودية، وسيستأنف العمل يوم الاثنين المقبل. وقد جددت أمس طواقم الحكومة من جهة، وطواقم المعارضة المؤلفة من حزبي "يوجد مستقبل" و"المعسكر الرسمي" من جهة أُخرى، الحوارَ بينها في المقر الرسمي لإقامة رئيس الدولة الإسرائيلية في القدس بعد توقفها بسبب الأعياد اليهودية والمناسبات الوطنية. ونفت مصادر مسؤولة في ديوان رئاسة الدولة تقارير تحدثت عن أن رئيس الدولة ينوي وضع موعد ومهلة للحوار إذا لم يتجه الطرفان إلى التسوية لعدم هدر الوقت. وقالت هذه المصادر نفسها إن مهمة رئاسة الدولة الحصرية هي تهيئة الأجواء وحث الأطراف على التوصل إلى تسوية.