المطلوب من إسرائيل تغيير معادلة الردع حيال حزب الله
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- مؤخراً، تجددت العمليات ضد إسرائيل من الحدود اللبنانية، وتمثّلت بحادثَين غير مسبوقَين؛ أوّلهما الهجوم في 13 آذار/مارس عند مفترق مجيدو على طريق 65، وكان من خلال وضع عبوة ناسفة من نوع كليمغور، نفّذها "مخرب فلسطيني" تسلل إلى إسرائيل عبر الحدود اللبنانية، وأدى انفجارها إلى إصابة مواطن إسرائيلي بجروح بليغة. ولقد تم القبض على "المخرب" وقُتل وهو في طريقه إلى لبنان، وكان يحمل حزاماً ناسفاً. وأعلنت منظمة فلسطينية تطلق على نفسها اسم "قوات الجليل - الذئاب المنفردة" مسؤوليتها عن الهجوم. ومن المعلومات التي انتشرت، يظهر بوضوح أن حزب الله هو الذي يقف وراء إدارة العملية وتنفيذها، وذلك على الرغم من امتناعه من تحمل المسؤولية؛ إذ تهرّب نصر الله، في الخطاب الذي ألقاه في 22 آذار/مارس، من التطرق إلى تورط حزب الله في الهجوم، وادّعى أن حزب الله ليس مضطراً إلى التطرق إلى تفصيلات الحادث الذي فاجأ إسرائيل مفاجأة كبيرة، وأن صمته (الحزب) هو جزء من إدارة المعركة، ويدل على حكمة، ويربك العدو. ويُعتقد أن الهجوم جرى بإيحاء من إيران، التي تشعر بالإحباط جرّاء فشلها في ضرب مصالح إسرائيلية رداً على العمليات التي تتعرض لها في سورية والمنسوبة إلى إسرائيل، كما أن الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل على أهداف تابعة لإيران وحزب الله في سورية، والتي أدت إلى مقتل مستشارَيْن إيرانيَيْن وضرب بنية تحتية لحزب الله (في نهاية آذار/مارس - مطلع نيسان/أبريل) كانت رداً على هجوم مجيدو.
- أمّا الحادث الثاني غير المسبوق، فكان إطلاق صواريخ على إسرائيل في 6 نيسان/أبريل من جنوب لبنان ضمن إطار مسعى فلسطيني لفتح عدد من الساحات (القدس، وقطاع غزة، ولبنان)، وذلك بعد المواجهات التي وقعت بين مصلين مسلمين والقوى الأمنية في حرم المسجد الأقصى خلال شهر رمضان. وقد شمل القصف الذي قام به عناصر من "حماس" في لبنان 35 صاروخاً (جرى اعتراض 25 منها، وسقطت خمسة صواريخ داخل الأراضي الإسرائيلية)، وهذا الحجم لم نشهده منذ حرب لبنان الثانية سنة 2006. وعلى الرغم من عدم وجود ما يدل على تورط مباشر لحزب الله، فإنه يمكن التقدير بمنطقية كبيرة أن الهجوم حدث بموافقة مبدئية منه، في عمليات التنسيق الاستراتيجي بين كبار المسؤولين في حزب الله و"حماس"... . وفي ضوء سيطرة حزب الله على منطقة جنوب لبنان، فإن هذا يفرض على المنظمات الفلسطينية، التي تنشط في لبنان ضد إسرائيل التنسيق معه، والتي من الممكن أن تورطه في مواجهة معها.
......
- تجدر الإشارة إلى أنه ليست هذه المرة الأولى التي تتحرك فيها أطراف فلسطينية ضد إسرائيل من جنوب لبنان؛ فقد سبق أن تحركت من هذه الساحة خلال عملية "حارس الأسوار" في أيار/مايو 2021، وذلك حين جرى إطلاق صواريخ من لبنان على إسرائيل. في ذلك اليوم، أطلقوا عدداً ضئيلاً من الصواريخ (3 في كل مرة)، لم يسقط منها شيء في الأراضي الإسرائيلية، بل سقطت في البحر في 13 أيار/مايو، وفي 18 أيار/مايو، سقطوا داخل الأراضي اللبنانية. في مواجهة هذه الحوادث غير المسبوقة، اكتفى الجيش بقصف مصادر إطلاق الصواريخ، لكن بعد الحادث الذي وقع في آب/أغسطس 2021، والذي سقط فيه صاروخان داخل إسرائيل وعرّضا حياة المواطنين للخطر، والذي نُسب أيضاً إلى أطراف فلسطينية، هاجمت طائرات سلاح الجو أهدافاً في جنوب لبنان للمرة الأولى منذ 2013. ردّ نصر الله، الذي سبق أن وعد بالرد على أي هجوم على لبنان، على هجوم سلاح الجو بإطلاق صواريخ على مناطق خالية في مزارع شبعا، وذلك رغبة منه في "إغلاق" الحادث من جانبه.
- وبعكس المرات السابقة، امتنع حزب الله من أي رد على هجوم سلاح الجو في 7 نيسان/أبريل، وعلى عملية سرّية أُخرى ضد حزب الله (تحدثت عنها مصادر صحافية، لكن لم يجر تأكيدها رسمياً في إسرائيل) بعد إطلاق الصواريخ. وفي خطابه في 14 نيسان/أبريل في يوم الجمعة الأخير من رمضان ويوم القدس، تطرق نصر الله باستخفاف إلى الهجوم الإسرائيلي، وادّعى أنه لم يكن موجّهاً ضد أهداف لحزب الله في لبنان، على عكس كلام رئيس الحكومة نتنياهو الذي قاله في خطاب ألقاه في 10 نيسان/أبريل، بل استهدف بستاناً من الموز. وكرر نصر الله تشديده على توحيد صفوف محور الممانعة مدّعياً أن المس بحرم المسجد الأقصى وبالشعب الفلسطيني هو خط أحمر بالنسبة إلى حزب الله. كما شدّد على الضعف الداخلي لإسرائيل، بالإضافة إلى ضعف التأييد الأميركي لها.
- إن حزب الله تهمه المحافظة على سيطرته على الفصائل الفلسطينية التي تستغل الأراضي اللبنانية للقيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل، ويهمه التنسيق معها، كي لا تَجُرَّ لبنان إلى تصعيد، ما دامت تخدم مصلحة محور المقاومة الآخذ في الاتساع، والذي يشمل "حماس" والجهاد الإسلامي بالإضافة إلى المحور الشيعي. في جميع الأحوال، فإن "منطقة المواجهة" التي نشأت بعد صمت حزب الله حيال تورطه في النشاطات الفلسطينية وعملياتها مناسب للحزب المستفيد على جميع الصُعُد؛ ففي إمكانه أن يتباهى بضعف إسرائيل، والمساهمة في محور المقاومة في النضال الفلسطيني وفي خدمة المصالح الإيرانية، وادعاء أن قوته تردع إسرائيل من جهة، ومن جهة ثانية، فإن إنكار تدخّله يحرره من رد إسرائيلي ضده.
- أدت هذه العمليات ضد إسرائيل، والتي تنضم إلى سلسلة حوادث سابقة، إلى التآكل في ميزان الردع بين إسرائيل وحزب الله لمصلحة الحزب، الذي يعمل بكل قوته على تحسين قواعد اللعبة لمصلحته ضمن إطار معادلة الردع التي تبلورت بعد حرب لبنان الثانية. وفي الواقع، يستطيع حزب الله أن يسجل لنفسه عدداً من الإنجازات؛ بينها أن تحركه أدى إلى تقليص نشاط سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء اللبنانية، وتوسيع تواجد عناصر الحزب بالقرب من الحدود مع إسرائيل تحت غطاء جمعية "أخضر بلا حدود"، هذا بالإضافة إلى الاحتكاكات مع جنود الجيش الإسرائيلي على طول الحدود، والإحساس بالثقة لدى نصر الله بعد ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في تشرين الأول/أكتوبر 2022، الذي يعتبره نصر الله إنجازاً جرى بفضل تهديدات حزب الله لإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، يرى حزب الله، كسائر عناصر محور المقاومة، الجدل الداخلي العميق في إسرائيل، بشأن الأزمة الدستورية والاحتجاج الواسع ضد حكومة إسرائيل، تعبيراً عن الضعف إسرائيل البنيوي، وهو يفسره بصورة غير صحيحة، بأنه ألحق ضرراً كبيراً بقوة إسرائيل. هذا الوعي الكاذب الذي طوّره نصر الله في السنة الأخيرة، والذي عبّر عنه بوضوح في خطاباته، هو على ما يبدو في أساس الجرأة الواضحة التي أظهرها في الأحداث الأخيرة.
- مع ذلك، فإن كلّاً من عدم القيام بعملية عسكرية، ولو محدودة، كرد من جانب حزب الله، وامتناع الحزب من الاعتراف رسمياً بتدخّله في العمليات ضد إسرائيل، يؤكد أنه على الرغم من الجرأة الزائدة، فإن الحزب لا يزال حذِراً، ويريد منع مواجهة جبهوية مع إسرائيل يمكن أن تؤدي إلى مواجهة واسعة النطاق تلحق ضرراً كبيراً، ليس بالحزب فحسب، بل أيضاً بإيران، وكذلك لبنان، حيث تتوسع الانتقادات ضد حزب الله على الرغم من ادعاء نصر الله أنه مستعد أيضاً لمواجهة واسعة.
- في كل الأحوال، تشير الأحداث الأخيرة إلى تآكل الردع الإسرائيلي في مواجهة حزب الله وشركائه في المحور. وفي أوضاع كهذه، يتوجب على المستوى السياسي في إسرائيل أن يُجري نقاشاً عميقاً وشاملاً مع المؤسسة الأمنية لبلورة استراتيجيا تعزز الردع في مواجهة حزب الله، الذي يشكّل رأس حربة محور المقاومة الموسع، كما يشكّل اليوم التهديد التقليدي الأساسي على إسرائيل. ويبدو أن المطلوب هو القيام بعملية عسكرية ضد حزب الله لتوضيح الثمن الذي سيدفعه إذا استمر في استفزازه إسرائيل، وذلك من أجل منع تحوّل العمليات "الإرهابية" المنبثقة من لبنان إلى أمر يومي، بما في ذلك إطلاق "حماس" الصواريخ.
- تواجه إسرائيل تحدياً معقداً؛ كيف يمكنها تعزيز الردع في مواجهة حزب الله و"حماس" من دون التسبب بتصعيد والتدهور إلى حرب؟ لدى إسرائيل مجال للعمل، وعليها أن تختار الطريقة الأفضل له، والتوقيت المناسب، والاستعداد للتداعيات.