سياسة الاغتيالات في الجيش الإسرائيلي تسعى لتقليل المسّ بالمدنيين لكن الواقع مختلف
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

 

  • لدى انتهاء القتال في قطاع غزة هذا الشهر، وصف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عملية "درع وسهم" بـ"المثالية". وقصد بذلك الضربة الواسعة النطاق التي تلقاها الجهاد الإسلامي، وضمنها اغتيال ستة من كبار قادته، وعدد الإصابات الضئيل في إسرائيل خلال أيام العملية الخمسة. قيل هذا الكلام في ظل الضرر الذي رافق الهجوم على قادة الجهاد الإسلامي في الضربة الاستهلالية للقتال: فبالإضافة إلى القادة الثلاثة، قُتل 10 مواطنين، أغلبيتهم أقرباء للمسؤولين، بينهم 3 أطفال؛ إسرائيل كانت تعلم مسبقاً، وبمعقولية كبيرة، بأن هجمات سلاح الجو ستؤدي إلى مقتل أبرياء، وعلى الرغم من ذلك، فإنها اختارت تنفيذ الاغتيال.
  • إن خطر إلحاق الضرر بمدنيين لا علاقة لهم مباشرة بالأعمال "الإرهابية" موجود في كل عملية عسكرية، وبالتأكيد في الهجمات من الجو. وتعود سياسة "الاغتيالات المركزة" للجيش الإسرائيلي إلى سنوات ماضية كثيرة، وتوازن دائماً بين خطر مقتل أبرياء، بالإضافة إلى الهدف. في أغلب الأحيان، إذا كان هذا الخطر كبيراً، فإنه يؤدي إلى إلغاء العملية. ووفقاً لرئيس الاستخبارات العسكرية تامير هايمن، حدثت حالات في الماضي كان معروفاً سلفاً بأنها ستؤدي إلى إصابة أبرياء.
  • لم يعترف أي مصدر رسمي إسرائيلي بأنه كان يعلم مسبقاً بوجود احتمال كبير لقتل أبرياء في العملية الأخيرة، وقال رئيس الأركان هرتسي هليفي بعد اغتيال قادة الجهاد الإسلامي: "لو كان ممكناً، لكُنا هاجمنا أهدافاً لـ "الإرهاب" من دون المسّ بتاتاً بالأشخاص الذين لا علاقة لهم، ونحن نبذل كل ما في وسعنا من أجل ذلك." إيلي بكار الذي كان مستشاراً قانونياً للشاباك، كتب في الأسبوع الماضي في "هآرتس" أن تداعيات العملية كانت واضحة، ويجب "رفع علم أسود فوق هذه الاغتيالات."
  • في الهجوم على حيّ التفاح في غزة، الذي كان يسكنه المسؤول في الجهاد خليل البهتيني، قُتلت أيضاً ابنته هاجر (4 أعوام) وزوجته ليلى (42 عاماً) والشقيقتان اللتان تسكنان بالقرب من العائلة إيمان ودانيا عدس (17 و19 عاماً). وفي الهجوم على حيّ الرملة في المدينة، والموجّه ضد طارق عز الدين، قُتل أيضاً ولداه: علي (5 أعوام)، وميار (12 عاماً)، وجيرانه في الحيّ، ميرفت حسون (44 عاماً)، وزوجها جمال (52 عاماً)، وابنهما يوسف (19 عاماً).. وفي الهجوم على رفح، الموجّه ضد أمين سر المجلس العسكري للجهاد جهاد غنّام، قُتلت أيضاً زوجته وفاء (61 عاماً).
  • الخبير في القانون الدولي في جامعة تل أبيب البروفيسور إلياف ليبريخ، يقول إن العملية في غزة لا تبرر التداعيات، بحسب قوانين الحرب الدولية. ويضيف: "الاغتيال لم يجرِ خلال قصف على إسرائيل، ولم يكن ضرورياً لصدّ تهديد مباشر. إسرائيل هي التي اختارت توقيت العملية ومكانها، وهي لم تكن في وضع قتال فعلي. والمقصود أشخاص سيخلفهم آخرون في مناصبهم..."
  • منظمة "يوجد حدود" واللجنة "المناهضة للتعذيب" توجّهتا في الأسبوع الماضي إلى المستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف-مياره بطلب تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لفحص الأذى الذي لحِق بالمدنيين. ففي رأي المنظّمتين، يتعين على الدولة القيام بذلك وفق الحكم الصادر عن محكمة العدل العليا في سنة 2006، بعد اغتيال المسؤول الكبير في "حماس" صلاح شحادة، وأجابت المستشارة بأنها ستردّ على الطلب.
  • بعد اغتيال شحادة في سنة 2002، حين قُتل أيضاً 14 مدنياً-بينهم ابنته وزوجة رئيس الذراع العسكرية-جرّاء إلقاء قنبلة زنتها طن على منزله في غزة، قيل في إسرائيل والعالم إن الجيش ارتكب جريمة حرب، وبالتالي فإن سياسة الاغتيالات ليست قانونية. رفض الجيش الإسرائيلي هذه الادعاءات (يومها، قال قائد سلاح الجو دان حالوتس في مقابلة أجرتها معه "هآرتس" عبارة وصف فيها الشعور بعد إلقاء القنبلة من الجو، بأنه يشبه "ضربة خفيفة في الجو"، وارتبطت هذه العبارة به بشكل مهين). بعدها، صدر حُكم كتبه، حينها، رئيس المحكمة العليا أهارون باراك، سمح بسياسة الاغتيال هذه ضمن شروط معينة، بينها أن يكون الهدف من الاغتيال إحباط هجوم على إسرائيل. كما قرر باراك أن كل ناشط في تنظيم "إرهابي" يقوم في إطاره بعمليات قتالية، يُعتبر هدفاً مشروعاً للهجوم. واشترطت المحكمة أن يعتمد الاغتيال على معلومات موثوق بها، ويُعتمد عندما لا يكون هناك سبيل آخر للعمل ضد هذا الشخص.
  • وتتوجه المنظمتان بطلبهما، بالاستناد إلى التعليمات الواردة في الحكم الذي يطالب بـ"إجراء فحص جذري ومستقل وموضوعي، بشأن هوية الضحية وظروف الهجوم." يقول محامي المنظمتين ميخائيل سفراد " في حالات سابقة، سقط فيها أولاد ونساء، كان الناطق بلسان الجيش يقول دائماً إننا لم نعرف، ولم نقدّر بصورة صحيحة. لكن ليست هي الحال هذه المرة، وهذا يشكل تغييراً مهماً. نحن نناضل ضد الاغتيالات منذ 20 عاماً، ولقد صدمتنا العملية الأخيرة، فللمرة الأولى، كان الجيش يعلم مسبقاً بأنه سيُلحق الضرر بأطفال، بحسب التقارير."

متابعة قانونية للهجمات

  • ... الأجهزة الأمنية في إسرائيل تستخدم "بنكاً للأهداف" منذ سنوات، وهو عبارة عن قائمة أهداف للهجوم موجودة لدى سلاح الجو والقوات الأُخرى. وهذا المخزون ليس محصوراً فقط بقطاع غزة، بل توسّع بصورة كبيرة في الأعوام الأخيرة، بالأساس خلال فترة تولّي رئيس الأركان السابق أفيف كوخافي. وإلى جانب كبار القادة والنشطاء، هو يشمل منشآت بنى تحتية، ومنازل خاصة، وأهدافاً عسكرية، وأرصدة تابعة للتنظيمات "الإرهابية".
  • أغلبية العمليات التي نفّذها الجيش الإسرائيلي في القطاع منذ الانفصال عنه [2005] بدأت باغتيال مسؤول رفيع لأحد التنظيمات، وكان اغتيال أحمد الجعبري في سنة 2012، مع بداية عملية "عمود سحاب"، السنونوة الأولى. الصعوبة في اغتيال شخصيات تعلم بأن إسرائيل ترغب في تصفيتها، يمكن التغلب عليها بواسطة عنصر المفاجأة، وقبل أن يسارع هؤلاء إلى الاختباء في أبنية مدنية، وفي أحياء مكتظة سكانياً، أو تحت الأرض.
  • تدار العملية من غرفة عمليات مشتركة بين سلاح الجو والأجهزة الاستخباراتية والنيابة العامة العسكرية. في غرفة العمليات، أو "خلية الهجوم"، يتواجد معظم رؤساء المؤسسة الأمنية وممثلون للمستوى السياسي. أحياناً، يأتي رئيس الحكومة إلى المكان لاتخاذ قرار بأسرع وقت ممكن، أو لتوجيه الأمر بالقيام بالعملية-كما فعل نتنياهو في سنة 2019 لدى اغتيال بهاء أبو العطا-قائد الوحدة الشمالية في الجهاد، في بداية عملية "الحزام الأسود" التي استمرت 3 أيام.

.....

شروط جديدة في القطاع

  • منذ صدور حُكم محكمة العدل العليا في سنة 2006، يُطلب من النيابة العسكرية الفحص والتحقيق في كل حادثة سقط فيها أبرياء قُتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي. في نهاية عملية الجرف الصامد في سنة 2014، وصلت إلى النيابة العامة العسكرية 500 شكوى وتقرير لها علاقة بـ360 حادثة خلال أيام القتال؛ يومها، أمر النائب العام الأول أفيحاي مندلبليت بفتح تحقيق في عدد من الحوادث البارزة التي لفتت انتباه وسائل الإعلام، أو وصلت إلى معاملات قانونية مختلفة، بينها "يوم السبت الأسود" في رفح، بعد خطف جثمانيْ هدار غولدين وأورون شاوول؛ والهجوم على مستشفى النجار ومقتل 16 مواطناً. في كل هذه المرات، كان القرار مشابهاً: "لم يجد النائب العام الأول أن عمليات قوات الجيش الإسرائيلي تثير أي شبهة معقولة في وجود جريمة جنائية. لذلك، يطلب النائب العام العسكري الأول إنهاء معالجة الحادثة من دون اتخاذ خطوات حيال المتورطين فيها."
  • في عملية "الحزام الأسود"، قُتل 9 من أفراد عائلة واحدة من غزة، خمسة منهم تراوحت أعمارهم بين عامين و13 عاماً، في موقع ظن الجيش الإسرائيلي أنه جهادي. تحقيق النيابة العسكرية، بعد سلسلة تحقيقات قامت بها "هآرتس"، أظهر أن تحديد المبنى كهدف عسكري كان خطأً، ولو جرى تحديد المكان كما يجب لِما كان تعرّض للهجوم خلال العملية المحدودة.
  • جاء في الكتاب الذي وجّهته منظمة "يوجد حدود" ولجنة "ضد التعذيب" أن الهجوم ضد شحادة كان الأخير الذي أدى إلى تشكيل لجنة عامة مستقلة للتحقيق في سقوط أبرياء. ودعتا برهاف مياره إلى تشكيل لجنة مشابهة للتحقيق في مقتل أطفال ونساء خلال اغتيال قادة الجهاد في العملية الأخيرة.

......