إسرائيل وإسقاطات المبادرات الدولية الجديدة للصين
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف
  • "هذا انتصار للسلام" - هذه هي الكلمات التي قالها الدبلوماسي الصيني الكبير وانغ يي، بعد توقيع اتفاق التطبيع بين إيران والسعودية يوم 10 آذار/مارس الماضي. وشدّد وانغ على أن الانتصار هو انتصار للزعيم الصيني وسكرتير الحزب الشيوعي، شي جي بينغ، ولـ"مبادرة الأمن الدولية" (GSI) التي صاغها. المبادرة نفسها ذكرها أيضاً وزير الخارجية الصيني تشين غانغ، كأساس ممكن لحل النزاع في أوكرانيا، وطُرحت ثلاث مرات في حديث مع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في 17 نيسان/أبريل الماضي في سياق الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
  • خلال الأعوام العشرة الأخيرة، كانت "مبادرة الحزام والطريق" (BRI) بوصلة السياسة الخارجية للرئيس شي بينغ. ولكن خلال العامين الأخيرين، تمت إضافة ثلاث مبادرات جديدة للـBRI. الأولى هي "مبادرة التطوير الدولية - GDI"، والتي كشف عنها بينغ في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال أيلول/سبتمبر 2021، في أعقاب التراجع في النمو بسبب جائحة كورونا، والهدف المُعلن لها هو مساعدة المجتمع الدولي في تحقيق الأهداف الـ17 للأمم المتحدة في أجندة 2030 للتطوير المستدام (SDGs). وفي حزيران/يونيو الماضي، أعلنت الصين 32 خطوة عملية لتطبيقها، تجمع ما بين المبادرات الموجودة لدى الصين وأُخرى إضافية، بالإضافة إلى أدوات ومصادر تمويل جديدة، بينها إضافة مليار دولار إلى صندوق التطوير مع دول الجنوب، وتدريب 000 عامل.
  • المبادرة الثانية هي الـ GSI التي كُشف عنها في نيسان/أبريل 2022، كمكمِّلة للـGDI، بحسب الرؤية الماركسية القائلة إن "الأمن هو شرط للتطوير، والتطوير هو ضمان للأمن." وفي الإطار الفكري للـ GSI الذي نُشر في شباط/فبراير الأخير، بعد مرور عام على الحرب في أوكرانيا، دعت الصين إلى أمن "مشترك شامل وتعاوُن مستدام،" يحترم سيادة الدول، ويتفهّم مخاوفها الأمنية. هذه الرؤية الأمنية توصف بأنها ستلتزم باتفاقيات الأمم المتحدة، وتحلّ النزاعات بطرق سلمية، وتحفظ الأمن العالمي بـ"أمن تقليدي" (مجالات ترتبط بالقتال واستعمال القوة)، وأمن "غير تقليدي" (كالتغيير المناخي والاقتصاد والسايبر والأوبئة).
  • وفي آذار/مارس الأخير، تمت إضافة مبادرة أُخرى "مبادرة الحضارة الدولية GCI"، التي ستركز على المجالات الناعمة، وبينها التعليم والثقافة. وشرح وزير الخارجية الصيني أن الهدف من ورائها هو تعزيز "الوحدة، والتناغم، والاحترام المتبادل، والتفهم" بين الثقافات والحضارات المختلفة، وتشجيع العلاقات بين الشعوب، وكذلك دعم "القيم الإنسانية المشتركة".

بمَ تختلف المبادرات الجديدة عن مبادرة "الحزام والطريق"؟

  • في كانون الأول/ديسمبر المقبل، ستسجّل الـBRI عشرة أعوام على إطلاقها. وتم ربط نحو 13.500 مشروع في 165 دولة بها، وإلى جانب العوائد الاقتصادية التي تُمنح للشركاء فيها، فإن المبادرة تعاني في الأعوام الأخيرة جرّاء "مشاكل في سمعتها"، وبينها الفساد، والديون المخفية، والضرر الذي يلحق بالبيئة وحقوق العمال (الادّعاء القائل إن الصين تدفع في اتجاه مصيدة ديون للسيطرة على الأملاك، لا يوجد أي دليل يدعمه). التحديات ازدادت بسبب مشاكل تمويلية من الداخل والخارج، وكذلك بعض المبادرات المنافسة التابعة للـ7G والاتحاد الأوروبي والهند واليابان.
  • وعلى عكس المبادرات الجديدة، فإن جذور الـBRI تعود إلى مبادرات تطوير داخل الصين، ثم التصدير. أمّا المبادرات الجديدة فإن اسمها معها، كونية منذ البداية، وتدفع بقضايا تحظى بإجماع دولي واسع، كما قال دبلوماسي صيني كبير عن الـGDI: "من يستطيع معارضة تعاوُن من أجل التطوير؟" وهذا ما كان، فحتى نيسان/أبريل، حصلت المبادرة على دعم أكثر من 100 دولة وتنظيمات دولية، وكذلك مباركة السكرتير العام للأمم المتحدة، وانضمت 70 دولة تقريباً إلى مجموعة "أصدقاء الـGDI" في نيويورك.
  • مع دخول شي بينغ، ابن الـ69 عاماً، في ولايته الثالثة من دون وريث في الأفق، فإن المديح الشخصي الذي يرافق المبادرات (أذرع البروباغندا تسمّي ذلك "حضارة شي")، الهدف منه منح شرعية لنظام القائد والحزب الذي يقف على رأسه كـ"ماركسي استراتيجي كبير" قلق على مصير البشرية. هذا بالإضافة إلى أن هذه المبادرات تعكس تطوّر السياسة الخارجية لشي، من سياسة الصبر والاحتواء إلى سياسة فاعلة، أو "روح المعركة" التي يبثها بسبب "تغيّرات دولية لم نشهدها منذ 100 عام،" كما يقول. ولأن الصين باتت مرتبطة بالعالم إلى هذا الحد، والعكس صحيح، فلا يكفي أن تردّ فقط على التغييرات بهدوء؛ على بكين أن "تقترب من مركز المنصة الدولية" وأن تبادر إلى أن تتماشى التغييرات مع مصالحها وقيمها.
  • في نهاية المطاف، فإن المبادرات الثلاث تعكس إيماناً حقيقياً لدى بكين بـ"صوابية طريقها". بعد أربعين عاماً تقريباً من النمو ذي المنزلتين، تحولت الصين من دولة ضعيفة إلى قوة عظمى اقتصادياً. وفي نظر شي بينغ، إن صعود الصين هو صورة المرآة لضعف أميركا والغرب، وكذلك هو شهادة تفوُّق لـ"النموذج الصيني". المبادرات الثلاث تقف إلى جانب الـBRI، وليس بدلاً منها كخطة أساسية لنظام دولي جديد - مستقبل ما بعد الغرب سيشهد "إعادة إحياء الشعب الصيني" وتحقيق رؤية شي بينغ لـ"مجتمع إنساني لديه مصير مشترك".
  • إن الهدف من وراء الـGDI هو التأثير في التطور الدولي وإخضاعه للقيادة الصينية. هذه الرؤية تولي مصالح الدول المرتبطة بالتطوير أهمية على حساب حريات الأفراد. وعلى عكس "طريق الحرير" الصينية، فإن أطراً كـ"مجموعة أصدقاء الـ GDI" تجتمع تحت مظلة الأمم المتحدة، وتدعم أهدافاً تطويرية كونية. هذه الحقيقة تمنح شرعية دولية، وتساعد على "هضم" الأفكار غير الليبرالية التي تدفع بها قدماً، كالتعاون في مجال السايبر في إطار فكرة "السيادة على الإنترنت" التابعة للصين - إنترنت مغلق ويخضع للرقابة.
  • إن مجرد تعريف "رؤية أمن جديدة" في أساس الـGSI بحد ذاتها، هو بديل من "الرؤية القديمة" للولايات المتحدة، والتي تستند، بحسب الصين، إلى معادلة صفرية، ومعسكرات، وعقلية الحرب الباردة. وعملياً، إن الهدف من وراء الـGSI هو تحدّي شرعية منظومة الحلفاء التابعة للولايات المتحدة وتهدد الصين، مثل "الناتو" وAUKUS و Quad و G7. في الشرق الأوسط مثلاً، الإطار الفكري ينادي ببنية أمنية جديدة في الشرق الأوسط، وإقامة ملتقى أمن قومي في بكين، وعقد "مؤتمر سلام عالمي كبير ذي صلاحيات وتأثير أكبر لحلٍّ عادل للقضية الفلسطينية."
  • ومع الكشف عن الـ GCI، صرّح شي بينغ بأن نجاح التطور الصيني "يكسر الأسطورة القائلة إن الحداثة مساوية لتبنّي قيَم الغرب." ففي الوقت الذي تعزز الولايات المتحدة صراع الحضارات، فإن الصين "تريد السماح لجميع الأزهار في حديقة الحضارات أن تزهر." حتى الصين تستند إلى أن كل شيء نسبي في مجال الثقافة كي تعرّف من جديد القيم الأساسية لحقوق الإنسان والديمقراطية كمتغيّرات بحسب الدولة والثقافة. بذلك، تتجنب التدخل في الشؤون الداخلية باسم "القيم الكونية الغربية" التي ترفضها وتحاربها.

ماذا بالنسبة إلى إسرائيل؟

  • كما في حالة الـBRI، فإن الصين لم تقُم بعد بترتيب الجداول الزمنية والميزانية بوضوح. لذلك، تم إدراج الوساطة الصينية بين إيران والسعودية في إطار الـGSI فقط، بعد أن نجح، بالصورة نفسها التي تم فيها إدراج مشاريع وربطها بمبادرة الحزام والطريق، حتى أنها بدأت قبل المبادرة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يجب التعامل مع المبادرات على أنها مبادرات فارغة. حتى لو أن أغلبية الأفكار ستبقى على الورق، إلّا إن مكانة المبادرات المركزية في السياسة الخارجية الصينية، تفرض على إسرائيل متابعة تطوُّرها.
  • في حديث مع رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، دعا شي جين بينغ إسرائيل إلى أن "تكون جزءاً فاعلاً من الـ GDI". إسرائيل لم تُجب بعد على الدعوة، ولم تعبّر عن أي موقف من المبادرات الثلاث، لكن في حال قبلت الدعوة، أو دعمتها شخصيات كبيرة في إسرائيل، فإنها ستنضم إلى مجموعة من الدول "ضد الليبرالية"، بالإضافة إلى أنها ستمنح الصين إنجازاً دعائياً ضد الغرب. وفي حال انضمت وأُرغمت على الانسحاب، فإن العلاقات مع بكين ستتضرر كما جرى في العلاقات بين الصين وإيطاليا - الدولة الوحيدة بين دول الـ G7 التي انضمت إلى الـBRI في سنة 2019، وتحاول التراجع اليوم. معارضة المبادرة، في المقابل، ستعامَل على أنها خطوة عدائية وتُلحق الضرر بالعلاقات الإسرائيلية - الصينية. لذلك، فإن مصلحة إسرائيل في كل ما يخص الـ GDI هي الامتناع من الانضمام، أو التعبير عن الدعم الجارف، والاستمرار في التعاون على أساس مشاريع منفصلة. عليها التعامل مع مركّبات المبادرات، كلّ بحسب ظروفه، وذلك عبر الحفاظ على توازُن بين الحسابات الاقتصادية والسياسية والخارجية والأمنية.
  • أمّا الـGSI ، فإن الهدف منها هو زعزعة الوجود الأمني للولايات المتحدة والأطر التي تقودها، وضمنها الشرق الأوسط، ويمكنها أن تُلحق الضرر بالاتفاقيات الإبراهيمية، وببنية الأمن القومي الإقليمية برعاية الولايات المتحدة والـI2U2، ومنصة للتعاون الناعم بين إسرائيل والولايات المتحدة والهند والإمارات. هذا بالإضافة إلى أن بكين تميل عادة إلى الانحياز إلى مصلحة الفلسطينيين، وتمنح إيران حبل نجاة اقتصادياً، وشرعية دولية، وحلولاً تكنولوجية لصمود النظام. لذلك، فإن دعم الـGSI يتناقض مع المصلحة الإسرائيلية.
  • وأكثر من البعد الأمني، فإن إشكاليات الدعم الإسرائيلي للمبادرات الصينية تنعكس أيضاً في الأبعاد القيمية والمعيارية. الدعم المعلن في الـGSI لمعاهدات الأمم المتحدة جاء ليغطي على رفض الصين لإدانة الخرق الصارخ لهذه المعاهدات بالاجتياح الروسي لأوكرانيا، الذي تبرّره بكين وموسكو بأنه ردّ على توسُّع "الناتو". هذا بالإضافة إلى أن النيات الحسنة التي يتم تسويقها على أنها "نمو مشترك" و"علاقات عابرة للثقافات" في إطار الـGCI هي لمحاربة القيم الكونية الأساسية والليبرالية التي تستند إليها الديمقراطيات، كإسرائيل. لذلك، فمن غير المستحسن توقيع هذه الاتفاقيات قبل قراءة تفاصيلها، ولا ينبغي على إسرائيل تبنّي مبادرات جديدة ودعمها قبل مراجعتها في العمق، ومراجعة إسقاطاتها.