العودة إلى بؤرة "حومش" الاستيطانية في شمال الضفة الغربية مرحلة إضافية من مراحل اندفاع حكومة اليمين الحالية نحو واقع "الدولة الواحدة"
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • في ليلة 28 أيار/مايو الماضي، تم نقل مبنى "المدرسة الدينية" في بؤرة "حومش"، المبني على أراضٍ فلسطينية خاصة، عدة أمتار في اتجاه منطقة معرّفة بأنها "أراضي دولة". وبدلاً من الخيام، تم نصب كرافانات. يدور الحديث حول مرحلة متقدمة من مراحل بناء مستوطنة ثابتة في المكان. وقالت مصادر إعلامية إنه على الرغم من أن نقل المباني كان بمرافقة الجيش، فإن القرار جاء كأوامر من المستوى السياسي، وبعكس موقف الأجهزة الأمنية. وأضافت المصادر نفسها أن الحديث يدور حول "إسقاط أوامر على الجيش من الوزير في وزارة الدفاع بتسلئيل سموتريتش، بعد ضغوط كبيرة قام بها على وزير الدفاع يوآف غالانت." ستكون هذه المرة الأولى منذ خطة الانفصال [فك الارتباط] في سنة 2005، التي يتم فيها نصب مبانٍ ثابتة في "حومش"، الواقعة في المنطقة التي انسحبت إسرائيل منها في شمال الضفة.
  • تمت إقامة "حومش" على أراضٍ خاصة جرت مصادرتها لأهداف عسكرية في سنة 1978 من أجل السيطرة على المنطقة. ومن المهم الإشارة إلى أن إقامة المستوطنات على أراضٍ خاصة تتم مصادرتها لأغراض عسكرية، توقفت عن كونها ممارسة مقبولة، بعد قرار المحكمة العليا، وصوغ سياسة عامة، تجري وفقاً لها، إقامة المستوطنات فقط على "أراضي دولة"، أو على أراضٍ خاصة اشترتها جهات يهودية، وذلك بدءاً من سنة
  • وفي إطار خطة الانفصال التي نفّذتها حكومة الليكود برئاسة أريئيل شارون في سنة 2005، تم اتخاذ قرار أنه بالإضافة إلى الانفصال عن قطاع غزة، سيتم أيضاً الانفصال عن مناطق محددة في شمال الضفة. ولذلك، تم إخلاء 4 نقاط استيطانية - غانيم؛ كاديم؛ حومش؛ شانور. والقرار بشأن الخطوة في شمال الضفة جاء بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، وكان شرطاً للحصول على دعم من الولايات المتحدة لخطة الانفصال. وبحسب ما جاء في قانون الانفصال، فإن المنطقة معرّفة بأنها "منطقة عسكرية مغلقة، ودخول الإسرائيليين إليها ممنوع".
  • بعد الانفصال، كان هناك عدة محاولات من طرف جهات يمينية لإقامة الاستيطان من جديد. منذ سنة 2009، بدأت تنشط "المدرسة الدينية حومش". وهذه المدرسة أقيمت على أراضٍ خاصة، وبعد خرق قانون منع الدخول إليها، تم إخلاؤها عدة مرات وسط مواجهات بين الجيش وسكانها، وتتم إقامتها كل مرة من جديد. في سنة 2013، تم تقديم طلب استئناف إلى المحكمة باسم الفلسطينيين أصحاب الأرض، طالبوا فيه بالوصول إلى أراضيهم وزراعتها، وأيضاً إخلاء المدرسة الدينية. وبعد ذلك، تم إلغاء أوامر المصادرة وأمر الإغلاق الذي كان يمنع وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم. وعلى الرغم من ذلك، فإن الفلسطينيين ما زالوا ممنوعين، فعلياً، من الوصول إلى أراضيهم، وتوجهوا عدة مرات إلى المحكمة العليا التي أمرت الجيش بالسماح للسكان بالوصول إلى أراضيهم، لكن هذا الأمر لم ينفَّذ.
  • بعد تأليف هذه الحكومة، تم تشريع تعديل قانون الانفصال يوم 21 آذار/مارس 2023، ووفقاً له، فإن منع الدخول لا ينطبق على مناطق شمال الضفة، وفي 20 أيار/مايو، وقّع قائد قيادة المنطقة العسكرية الوسطى أمراً عسكرياً يصادق على ذلك. هذا التشريع لا يكفي لإعادة بناء المدرسة الدينية، ومن المؤكد ليس تشييدها على أراضٍ خاصة. وعلى الرغم من ذلك، فإن نقل "المدرسة الدينية" يحتاج إلى مسار مصادقة والحصول على تصاريح. لذلك، فإن نقل المباني الذي جرى في ساعات الليل المتأخرة، وبتوجيه من المستوى السياسي، هو أمر غير قانوني. هذه الخطوة التي لم تستقطب اهتمام الجمهور، تُعتبر إشكالية على عدة صعد. وهي انعكاس واضح لمسار خطِر يحدث، ومن المتوقع أن يتوسع خلال ولاية هذه الحكومة.
  • إن البعد الأول يتعلق بالضرر الذي سيلحق بـ"سلطة القانون". إقامة مستوطنات غير قانونية هي ظاهرة منتشرة في الضفة الغربية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الحديث يدور حول خطوات تقوم بها جهات "خاصة"، يحاول كلٌّ من قيادة المنطقة الوسطى و"الإدارة المدنية" التعامل معها بنجاح محدود، من أجل فرض القانون. سابقاً، كان يتم التعامل مع هذه الحالة على أنها "اقتحام طازج"، وكان يمكن إزالة المباني بأمر من القائد العسكري، حتى من دون مصادقة وزير الدفاع، لكن في الحكومة الحالية، فإن كل إخلاء لمبنى، حتى لو كان "اقتحاماً طازجاً"، يستوجب مصادقة الوزير بتسلئيل سموتريتش، بالاستناد إلى الاتفاقيات الائتلافية، وكونه وزيراً في وزارة الدفاع. معنى ذلك أن الاقتحامات الطازجة للمستوطنين من دون مصادقة قانونية لا يتم إخلاؤها، ولو كان الثمن إلحاق الضرر بسلطة القانون، المتزعزعة أصلاً في المنطقة. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه الخطوة استثنائية، لأن الحديث يدور حول أوامر يوجهها المستوى السياسي للقيام بخطوة غير قانونية. هذه سابقة غير مسبوقة وخطِرة، لأن الجيش يستجيب لأوامر المستوى السياسي، حتى لو كان ذلك خرقاً للقانون المُلزم. دعم الحكومة للمستوطنين بنقل المباني بطريقة غير قانونية هو إشارة إلى أن سلطة القانون غير مُلزمة بالنسبة إلى حكومة إسرائيل الحالية، وبصورة خاصة ومؤكدة في الضفة. هذا الحديث يعكس أحد الأسباب المركزية التي تدفع الحكومة إلى إضعاف المحكمة العليا، كي لا تستطيع هذه الأخيرة منعها من التصرف من دون قيود في هذه المناطق.
  • إن التخوف من حالة تقوم فيها الحكومة بإعطاء أوامر غير قانونية، متجاهلةً قرارات المحكمة، هو أحد المواضيع الموجودة في مركز الاحتجاجات في إسرائيل. هذا الواقع يحدث منذ الآن في الضفة الغربية. وهذه الحالة وضعت الأجهزة الأمنية أمام الاختيار بين أوامر الحكومة وبين أوامر القانون. يبدو أن القيادة امتنعت من الدخول في مواجهة مع الحكومة، وحاولت البقاء هادئة إزاء هذا الحدث. إذا قررت المحكمة العليا التدخل، فستجد نفسها في مسار مواجهة مباشرة مع الحكومة. وأكثر من ذلك، إذا كان هناك قرار قضائي بإخلاء "المدرسة الدينية" بسبب إقامتها غير القانونية، وكان هناك قرار حكومي بعدم تنفيذ الحكم، فسيتوجب على الجيش الاختيار لمن عليه الانصياع، وسيتم امتحان وعد قيادات الجيش للجمهور الإسرائيلي بألّا ينفّذ قرارات حكومية غير قانونية.
  • إن البعد الثاني يتعلق بإسقاطات السيطرة على شمال الضفة من جديد على الواقع الأمني في الضفة. الحديث يدور حول خطوة ستزعزع الاستقرار وتحرض الشارع؛ تحتاج إلى الكثير من القوات لحماية "المدرسة الدينية" والطرقات المؤدية إليها؛ ترفع الاحتكاك بين المجتمعات، وكذلك الدوافع لدى الفلسطينيين إلى تنفيذ عمليات "إرهابية"؛ تقلل من الدافع لدى أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية إلى فرض القانون والنظام ومنع أعمال "إرهاب" وعنف، وفي المقابل، تساهم في رفع مكانة المجموعات "الإرهابية" في شمال الضفة، والتي يمكن أن تتوسع إلى مناطق أُخرى.
  • البعد الثالث يتطرق إلى إسقاطات الخطوة في المدى البعيد. إن فكرة الخروج من شمال الضفة جاءت من أجل السماح بانفصال المجتمع الفلسطيني في منطقة يوجد فيها القليل من المستوطنين والكثير من السكان الفلسطينيين. إعادة الاستيطان إلى المنطقة نفسها، يهدف إلى إغلاق إمكانية الوصول إلى تسوية مستقبلاً. ومن المهم الإشارة إلى أن "حومش" لم تكن مشمولة في خطة السيادة الإسرائيلية، حتى في إطار "صفقة القرن" الخاصة بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتم صوغها بتأثير من اليمين في إسرائيل. والعودة إلى "حومش" تشكل مرحلة إضافية من اندفاع حكومة اليمين الحالية نحو واقع "الدولة الواحدة". قيادات المستوطنين في الضفة تعمل على إيجاد وقائع في قلب المنطقة الفلسطينية، عبر إقامة سلسلة استيطانية وبؤر ومزارع لمنع إمكانية الانفصال، أو التسوية السياسية. هكذا سيتم منع حكومات إسرائيل، مستقبلاً، من حرية اتخاذ القرار. الخيار سيكون بين "دولة لجميع مواطنيها"، مع حقوق كاملة للمجتمع الفلسطيني بشكل يجعل الدولة تفقد هويتها اليهودية؛ وبين "دولة واحدة مع تفوّق يهودي"، مع منح حقوق كاملة للمجتمع اليهودي وحقوق محدودة للمجتمع الفلسطيني. هذه الدولة لن تكون ديمقراطية، وقد تُعتبر دولة أبارتهايد.
  • البعد الرابع يتعلق بإسقاطات هذه الخطوة على العلاقات الخارجية الإسرائيلية وبصورة خاصة العلاقات مع الولايات المتحدة. بعد تعديل قانون الانفصال، تم تقديم وعود للإدارة الأميركية بأن الوضع القائم سيُحفظ ميدانياً، ولن تقام مستوطنات جديدة في المنطقة. بعد النقل في "حومش"، صرّحت الولايات المتحدة، بحدة، بما يلي: "نحن قلقون جداً من قرار حكومة إسرائيل، السماح لمستوطنيها بإقامة وجود دائم في البؤرة حومش، وهو ما لا يتماشى مع التزامات رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون للرئيس السابق جورج بوش، ويتعارض مع التزامات الحكومة الحالية التي قدمتها لإدارة بايدن." وجاء في الرسالة أن "توسيع المستوطنات يتعارض مع إمكانية حلّ الدولتين، جغرافياً، ويرفع التوتر، ويضرّ أكثر بالثقة بين الطرفين." وأكثر من ذلك، فإن الخطوة إذا ما أضيفت إلى سياسات الحكومة الأُخرى، فإنها تعرّض إسرائيل لانتقادات في الساحة الدولية، ولمخاطر قانونية متوقعة في أعقاب وجهة النظر بشأن عدم قانونية الاحتلال، التي طُلبت من محكمة العدل الدولية، وأيضاً الضغوط على المدعي العام في محكمة الجنايات لتسريع التحقيق ضد جهات إسرائيلية لها دخل بالأساس في السياسات الاستيطانية، المعرّفة في القانون الدولي بأنها جريمة حرب.
  • في الخلاصة، إن الخطوة في "حومش" هي شهادة إضافية بأن هذه الحكومة تفضل زعزعة سلطة القانون، وخرق التزاماتها للإدارة الأميركية، وجباية ثمن تصاعُد "الإرهاب" في شمال الضفة، وذلك من أجل الدفع قدماً برؤية اليمين المتطرف في الحكومة، الذي يطالب بتحسين الظروف، تمهيداً لضم الضفة. بهذه الطريقة، يتم إحباط كل إمكانية لإقامة سلطة فلسطينية فاعلة في الميدان وتكبيل أيادي إسرائيل، مستقبلاً، من دون إمكانية الوصول إلى اتفاق سياسي مع الفلسطينيين. وبذلك تتجاهل الحكومة موقف أغلبية الجمهور الإسرائيلي الذي يعارض واقع "الدولة الواحدة"، وهذه الأغلبية تشكل 85%، بحسب استطلاع معهد أبحاث الأمن القومي، إذ إن ثلثيْ هؤلاء يدعمون الانفصال عن الفلسطينيين وعدم خلط المجتمعيْن ببعضهما البعض واشتباكهما. وعلى مسار الزمن، فإن إقامة "حومش" من جديد هي نقطة إضافية في انهيار الرؤية الصهيونية وطبيعة الدولة اليهودية - الديمقراطية لإسرائيل.