عندما يغدو سموتريتش "ملكاً للضفة الغربية"
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- تستكمل حكومة "اليمين الكامل" برئاسة بنيامين نتنياهو، خلال هذه الأيام، مسار كشف السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية، كما تم التعبير عنها في المشروع الاستيطاني. لقد أحسن توماس فريدمان التعبير في مقالٍ كَتَبَهُ في "نيويورك تايمز" (11.7)، وادّعى أن الحكومة الحالية لا تسمح باستمرار وهم حل الدولتين، والآن، لم يعد من الممكن إنكار السياسة التي تدفع بها إسرائيل؛ دولة واحدة غير ديمقراطية. هذه سياسة بدأت في الخفاء وبتضليل المجتمع الدولي والمجتمع الإسرائيليّ، ويبدو أنها على مشارف النهاية - عبر الانقلاب النظامي - عن طريق صوغ دولة إثنوقراطية رسمية "كاملة".
- لم يبدأ اليمين المسار، ففي سنة 1967 كانت إسرائيل تعلم أن إقامة بلدات يهودية في الضفة المحتلة هو عمل غير قانوني بحسب اتفاقيات جنيف. وفي آذار/مارس 1968 أرسلت وزارة الخارجية برقية كتب عليها "سرّية للغاية" إلى السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة، إسحاق رابين، وفيها التوجيه التالي: "نهجنا المستمر كان ولا يزال التهرّب من كُل حوار عن المناطق التي تمت السيطرة عليها استناداً إلى اتفاقيات جنيف... اعتراف واضح من طرفنا بأن تطبيق الاتفاقية سيبرز المشاكل الصعبة التي لها علاقة بتفجير المنازل، والتهجير، والاستيطان وغيرها."
- وفعلاً، بدأت إسرائيل مباشرة بعد حرب الأيام الستة بناء المستوطنات في الضفة، في الوقت الذي كانت فيه تستعمل أنواعاً متعددة من التضليل. وفي 27 أيلول/سبتمبر 1967، كتب رئيس لجنة التنسيق السياسي - الأمني في الضفة، شلومو غازيت، رسالة إلى مكتب رئيس هيئة الأركان بشأن السيطرة على "غوش عتصيون"، مشيراً إلى أن "التغطية" لحاجات المنظومة السياسية تستوجب أن "تبدو سيطرة الشباب المتديّن على غوش عتصيون هي سيطرة عسكرية للوحدات البرّية. سيتم تعميم هذه التعليمات أيضاً على المستوطنين في المنطقة."
- في عيد الفصح سنة 1968، رفض المستوطنون، برئاسة موشيه ليفنغر، الخروج من فندق "بارك" في الخليل، بعد أن ادّعوا أنهم سائحون كما وعودوا بذلك الجيش. أدّت التسوية معهم، بالإضافة إلى ضغوط يغآل ألون، إلى إقامة مستوطنة "كريات أربع". وفي نيسان/أبريل 1975، سمح وزير الدفاع شمعون بيرس لـ"كتيبة العمل" التابعة للنواة التوراتية "شيلو" بالنوم في قاعدة عسكرية أردنية مهجورة، بعد أن أكدوا أن الحديث لا يدور عن محاولة بناء مستوطنة. كان يتوجب على هذه الكتيبة أن تبني أيضاً قاعدة سلاح الجو في "حتسور"، وهو ما منحها تسمية "ناحال رداري"، لكنها عملياً لم تنشغل بذلك أبداً، بل بقيت في المكان الذي تحوّل إلى مستوطنة "عوفرا"، على أراضي قريتَي عين يبرود وسلواد.
- في كانون الثاني/يناير 1978 استوطنت مجموعة من المستوطنين تلّة "شيلو"، وهذه المرّة نحت غطاء معسكر للحفريات الأثرية، بتشجيع وزير الزراعة حينها، أريئيل شارون. صحيح أن إسرائيل قامت ببعض الخطوات الحذرة، كما أوضحت بليآه ألبك، من وزارة القضاء: "هُناك العامل الموقت في المستوطنات لأن الحكم العسكري يمكن أن يمنح المستوطنين حقوق استئجار للأرض فقط إن كان موجوداً على الأرض. إذا حدث أي تغيير في الاتفاقيات السياسية والعسكرية، وانتهى الحكم العسكري، سينتهي أيضاً التأجير."
- إسرائيل التي طبّقت على المناطق المحتلة "قوانين السيطرة القتالية"، وصلت إلى ذروة السخرية حين أرادت عبر تلك القوانين السيطرة على أراضٍ فلسطينية خاصة من أجل إقامة مستوطنات، بذريعة الحاجة الأمنية. وزير الدفاع موشيه ديان قال في كانون الثاني/يناير 1970 خلال جلسة حكومية بشأن إقامة كريات أربع: "أنا أقترح... أنّه في المرحلة الأولى، علينا أن نعمل ليبدو أننا نقوم بأمور لها علاقة بالأمن في الأساس إن كان الحديث يدور عن مصادرة أراضي، وبناء، وشق طرقات."
- اعتمدت المحكمة العليا هذه الحجة، ففي قرارها سنة 1978 بشأن مستوطنة "بيت إيل"، أقر القاضي ألفرد فيتكون أنه "لا حاجة إلى أن تكون مختصاً بقضايا الأمن والجيش من أجل أن تفهم الفرق بين منطقة توجد فيها عناصر "تخريبية" تعمل في منطقة مأهولة ويوجد فيها فقط مجتمع غير مبالي أو مشجّع للعدو، وبين منطقة يوجد فيها أشخاص يمكنهم متابعة الآخرين وإعلام السلطات عن كُل حركة مشبوهة." أمّا القاضية مريام بن فورات، فأضافت: "مقبول إذن أنه وفي الوضع الخاص هذا... من الضروري اللجوء إلى حلول استثنائية، إحداها إنشاء وجود يهودي مدني في المناطق ذات الحساسية الخاصة."
- وفي محكمة "ألون موريه" سنة 1979، بدّلت المحكمة العليا مِن سياستها، وأمرت بإخلاء المستوطنة وإعادة الأراضي إلى أصحابها. وهذا كله بعد أن قام المستوطنون برفض الادّعاء بأن المنطقة هي لأهداف عسكرية على عكس رأي قائد هيئة الأركان حينها، رفائيل إيتان، وفضّلوا الامتناع من ذلك والانتقال إلى ادّعاء الحق الإلهي. هذا القرار من المحكمة العليا، في الوقت الذي توقّف فيه مسار تسجيل الأراضي في الضفة على يد إسرائيل، أدّى إلى مبادرة جديدة مستفزة. فباستعمال العصى السحرية التابعة لشارون، ولدت فكرة إحصاء الأراضي استناداً إلى قانون عثماني قديم، عن طريقه أعلنت إسرائيل نحو 1.6 مليون دونم في الضفة "أراضي دولة". ومنها خصّصت الحكومة أراضي لإقامة مستوطنات في إطار "خطّة شارون" التي صادقت عليها الحكومة في تشرين الأول/أكتوبر 1977، وباستعمالها تمت إقامة 88 مستوطنة خلال 8 أعوام.
- بعد ذلك بـ14 عاماً، بدأت تتمأسس سياسة جديدة لوقت قصير؛ ففي تشرين الثاني/نوفمبر 1992، قررت حكومة رابين الثانية وقف بناء مستوطنات جديدة (القرار رقم 360). وبعد ذلك بعام واحد، جرى توقيع اتفاق "أوسلو"، وبدأت عملية نقل الصلاحيات في أجزاء من الضفة إلى السلطة الفلسطينية. وعقب ذلك، في آب/أغسطس 1996، قرّرت حكومة نتنياهو أن كل مستوطنة جديدة تقام، ستكون بمصادقة الحكومة جميعها (القرار 150).
- هذا الواقع الجديد دفع الحكومة إلى إنشاء طرق التفافية، وهكذا، ولدت ظاهرة البؤر غير القانونية، ففي تشرين الأول/أكتوبر 1998، وتحضيراً لتوقيع اتفاق "واي"، دعا شارون، الذي كان وزير الخارجية في حكومة نتنياهو، المستوطنين إلى السيطرة على كل تلّة فارغة، لأن "ما تسيطرون عليه سيكون لنا، وما لا تسيطرون عليه لن يكون لنا" ("هآرتس" 17/11/1998). روى مدير عام مجلس المستوطنات سابقاً، عادي مينتس، أنه على مدار السنين اعتقد المستوى السياسي أنه يجب، ويمكن، إنشاء تواصل جغرافي للمستوطنين. وبحسبه، فإن المستوطنات ليست مبادرة من جانب مجموعة هامشية تسمّى "شبيبة التلال"، إنما هي نتاج تخطيط دقيق للسيطرة على المناطق الاستراتيجية، حدثت بالتنسيق مع المستوى السياسي ("هآرتس" 6/9/2004). الدليل المؤسسي على ذلك هو خطة "الهيئات العليا" التي أعلنتها كتيبة الاستيطان في الوكالة اليهودية سنة 1997، وعلى أساسها، تمت إقامة البؤر.
- استمرت لعبة التضليل حتى في أوقات التصعيد الأمني. سنة 2002 قرّرت إسرائيل إقامة الجدار الفاصل والأمني بسبب موجة "الإرهاب" خلال الانتفاضة الثانية. طلب رؤساء مجلس المستوطنات استغلال الوضع وترسيخ مكانة أغلبية المستوطنات عبر ضمها كأمر واقع بواسطة الجدار. أوضح عضو الكنيست نيسان سلومينسكي من حزب "المفدال" في لجنة المالية في حزيران/يونيو 2003 أنه وأصدقاءه مستعدون للمصادقة على ميزانية إضافية لبناء الجدار بشرط عدم تغيير المخطط، وأن يتضمن أيضاً أريئيل، وكدوميم، وعمنوئيل، وكرني شومرون.
- في هذا الواقع، كانت المحكمة العليا هي الأخيرة التي يمكنها وقف جشع النظام والطموحات الجغرافية للمستوطنين وممثليهم في الحكومة. سنة 2004، قرّر رئيس المحكمة العليا، أهرون براك، أن "جدار الأمن لا يمكن أن يكون من دوافع ضم مناطق من الضفة إلى دولة إسرائيل. الهدف وراء الجدار لا يمكن أن يكون وضع حدود سياسية." وفي سنة 2006، وبّخت رئيسة المحكمة العليا دوريت بينيش الجيش بسبب تضليل المحكمة (ملف تسوفين): "إن الاستئناف الذي أمامنا يشير إلى حدث لا يمكن التساهل معه، وبحسبه فإن المعلومات التي تم تقديمها إلى المحكمة لا تعكس مجمل الحسابات التي كانت أمام متخذي القرار." وفي سنة 2009، ضِمن ملف بلعين - موديعين عيليت، اتضح سلّم أولويات الحكومة والمستوطنين. وهذا ما كُتب في قرار المحكمة: "يبدو أنه وبسبب الرغبة بضمان إقامة الحي الشرقي في المستقبل (في موديعين عيليت)، تم تخطيط الجدار في مكان ليست له أي فائدة أمنية... ويضع القوات والدوريات في خطر على طول الجدار."
- البؤر الاستيطانية ازدهرت، وفي سنة 2005، وصل عددها إلى 105 بؤرة، وسكن فيها نحو الـ4000 نسمة. وعلى الرغم من عدم قانونيتها (بحسب القانون الإسرائيلي أيضاً) فقد تمتّعت بحماية كاملة من جانب الجيش، بتوجيه من المستشار القانوني للحكومة. دفعت الضغوط الأميركية، التي قامت بها إدارة بوش، شارون إلى تعيين المحامية تالية ساسون للبحث والتوصية باستمرار السياسة في مجال البؤر.
- وعادت ساسون وأكدت: "أرغب في أن أطرح أمامك موقف أغلبية ضبّاط الجيش وشرطة إسرائيل، الذين شرحوا... أن الصعوبة المركزية في كُل ما يخص فرض النظام في الضفة بشأن البؤر غير المسموح بها هو الرسائل المتضاربة التي قامت ببثها حكومات إسرائيل إلى جميع المستويات التنفيذية، الأمنية والمدنية." تم بحث التقرير وتبنّيه في الحكومة، وتم اتخاذ قرارات لتطبيق استخلاصاته، لكن هذه القرارات لم تنفَّذ، ولم تتغيّر سياسة التضليل على الأرض.
- بعد عودة نتنياهو إلى منصب رئيس الحكومة سنة 2009، بدأ بمسار "شرعنة" البؤر غير القانونية. في البداية، حاول تجنيد القاضي أدموند ليفي لوضع أساس قانوني، إلاّ إن الثاني قد نشر سنة 2012 تقريراً وجّه فيه انتقادات واضحة بشأن تخطي حدود القانون: "انكشفت أمامنا ظاهرة في مجال الاستيطان الإسرائيلي في الضفة لا تتماشى مع دولة تتبنّى سلطة القانون. منذ الآن فصاعداً، يجب على قيادات الاستيطان والمستوى السياسي أيضاً أن يعلموا أنه يتوجب عليهم العمل في إطار القانون فقط، ويتوجب على مؤسسات الدولة أن تعمل مستقبلاً بحزم من أجل تطبيق القانون." لقد تم تمزيق هذا التقرير، ولم تتم مناقشته في الحكومة.
- منذ ذلك الوقت وحتى يومنا، وفي جميع الحكومات وضِمنها حكومة بينيت- لابيد، تمت "شرعنة" 44 بؤرة. كيف يمكن شرعنة بؤر غير قانونية؟ فعلاً، صندوق الألعاب يتضمن أيضاً بعض الأدوات المؤسساتية. الأداة الأكثر استعمالاً هي تحويل البؤر إلى أحياء في مستوطنات قائمة (حتّى لو كان الحديث يدور عن أحياء بعيدة جداً). لدينا أداة أُخرى هنا، وهي تحويلها إلى مستوطنات مستقلة، وعندما لا تسمح الأوضاع، يمكن شرعنة هذه المستوطنات على اعتبار أنها مزارع مواشي أو مؤسسات تعليمية.
- واستكمالاً لذلك، امتنعت حكومة نتنياهو - بضغط من حزب "البيت اليهودي" برئاسة بينت - من إخلاء أي بؤرة، وضِمنها تلك البؤر التي لم يكن هناك أي شك في أنها غير قانونية لأنها مقامة على أراضٍ خاصة فلسطينية، واعترفت الدولة بذلك أمام المحكمة العليا. فعلى سبيل المثال، حصل سكّان البؤرة مغرون على مستوطنة جديدة في قطعة "أرض تابعة للدولة" في مقابل البؤرة. وأيضاً، حصل سكّان بؤرة "عامونا" المقابلة لعوفرا على تعويض سخي جداً.
- الإخلاء المتفق عليه كلّف الجمهور إقامة مستوطنة "عميحاي" سنة 2016، الأولى والوحيدة منذ سنة 1992، وكلّفت فعلاً كثيراً، حتى إن بعض المبالغ خيالية، كتوزيع 40 مليون شيكل للعائلات من أجل "ترميم حياتهم"، أو 5.5 مليون لبيوت استقبال للعائلات حتى استكمال بناء المستوطنة. بالمجمل، كلف هذا كله 137.5 مليون شيكل. بينت كان أول من عمل على إزالة قناع التضليل وتحريك العيون الذي كانت تقوم به الحكومة. فمنذ أيلول/سبتمبر 2016، أعلن أنه "في موضوع أرض إسرائيل، علينا أن ننتقل من الإحباط إلى الحسم. علينا أن نحدّد الحلم، والحلم هو أن تغدو الضفة جزءاً من دولة إسرائيل السيادية."
- توجد اليوم نحو 121 بؤرة غير قانونية في الضفة الغربية، مكانها يثبت أنها جزء من خطة منظّمة، الهدف منها الوصول إلى هدفَين؛ تسمين "الكُتل" الكبيرة والصغيرة، وتعزيز السيطرة الإسرائيلية على طول محور 60 - المحور المركزي في الضفة الغربية ويحافظ على التواصل ونمط الحياة الفلسطيني. ففي الوقت الذي يعيش فيه 77% من المستوطنين على بعد 10 كلم تقريباً من الخط الأخضر، يقع ثلثا البؤر تقريباً على بُعد 10-25 كلم من الخط الأخضر. الهدف هو تعزيز المناطق التي فيها الوجود اليهودي ضئيل، وعلى رأسها جنوب جبل الخليل وشرق نابلس.
- جميع البؤر تقع بالقرب من مستوطنات قائمة من أجل السماح بربطها غير القانوني بالبنى التحتية، كالماء والكهرباء وشق الطرق الواصلة إليها. كيف تموّل؟ وزيرة الداخلية السابقة أييلت شاكيد أقرت أن يعامل سكان البؤر كجزء من سكان "المستوطنة الأم" من أجل حساب الميزانيات للمجالس الإقليمية (على حساب البلديات داخل الخط الأخضر).
- جميع المستوطنات الأم التي تنتمي إليها البؤر تابعة للتيار القومي - المسياني بقيادة بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير والشركاء - كلما كان المستوطنون أكثر تطرفاً، نجد بجانبهم عدداً أكبر من البؤر. لذلك على سبيل المثال، بمحاذاة المستوطنات إيتمار، وبركة، وألون موريه، ويتسهار في منطقة نابلس، توجد 18 بؤرة غير قانونية. الذروة موجودة في مستوطنة "كوخاف هشاحار" حيث توجد 8 بؤر غير قانونية. خلاصة أن الدوس على القانون برعاية السلطة أداة ناجعة، فهمت جيداً، وإلى جانب مستوطنة عميحاي (التي يتواجد فيها الذين تم إجلاؤهم من عامونا) توجد اليوم بؤرتان. وهنا يجب الإشارة إلى أن المستوطنات القيادية التي تكثر فيها الأحداث العنيفة ضد الفلسطينيين، في الأساس عمليات إطلاق نار واعتداءات، هي يتسهار وبركة، وعيلي وشيلو والمستوطنات اليهودية في الخليل، ومعون، وسوسيا.
- الاتفاقيات الائتلافية سمحت بسيطرة سموتريتش على الإدارة المدنية، وشجّعت خطة "شرعنة" البؤر المقامة على "أراضي دولة". أمّا بالنسبة إلى البؤر المقامة على أراضٍ فلسطينية خاصة، فقد ألغت المحكمة العليا إمكان شرعنتها وفرضت إخلائها. وكما كتبت ساسون: "إقامة بؤرة على أراضٍ فلسطينية خاصة لا يمكن تشريعها، حتى بأثر رجعي. مصير هذه البؤر هو الإخلاء، وكلّما كان الإخلاء مبكّراً كلّما كان أفضل."
- وكرد للدفاع عن التحدي الذي فرضته المحكمة العليا، وُلد "قانون التسوية" الذي صادق عليه الكنيست في 2017، والهدف منه مصادرة الأراضي من أصحابها الفلسطينيين، ومصادرة حقهم في استعمالها، إذ تم اليوم بناء آلاف الوحدات للمستوطنين، ضمن نحو 30 مستوطنة و29 بؤرة عليها. تم إقرار القانون على الرغم من حقيقة أنه خلال المداولات قال المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبيت إنه يجب عدم قبول مشروع القانون الذي لا يتماشى مع القانون الدولي، ويلحق الضرر بمكانة المحكمة العليا. حتى إنه أعلن أنه لا يريد الدفاع عن القانون إذا أقره الكنيست، لأنه قانون غير شرعي، ويمكن أن يؤدي إلى شكاوى ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. هنا أيضاً كانت المحكمة العليا هي حارسة التخوم الأخيرة التي أوقفت جشع السلطة بعد أن ألغت القانون، وهو ما دفع بدوره إلى مشروع قانون "فقرة التغلب"، بالإضافة إلى الخطوات الخاصة في الضفة وقوانين أُخرى، إذا تم إقرارها، فإن سموتريتش سيغدو "ملك الضفة الغربية" ضِمن نظام قمعي على نمط نظام الأبارتهايد.
- المسار الطويل للسيطرة والاستيطان في الضفة الغربية تحضيراً لواقع الدولة الواحدة يمر تحت رادار المجتمع الإسرائيلي، وعلى عكس موقف أغلبية الجمهور. استطلاعات الرأي التي قمنا بها في نيسان/أبريل 2022 وأيار/مايو 2023 تشير إلى أن 21% فقط من مجمل الجمهور اليهودي يعلم واقع الدولة الواحدة الذي يحدث في تلال نابلس، على الرغم من أنهم لا يدعمون إمكان الدولة الواحدة التي يدعمها 12% فقط إن كانت ديمقراطية و30% إن كانت غير ديمقراطية.
- كما نهض الجمهور الليبرالي في إسرائيل نتيجة تضليل الانقلاب النظامي نحت غطاء إصلاحات قضائية، ممنوع أن يبقى المجتمع الإسرائيلي غير مبالٍ بما يحدث من تضليل، وكذب، وتفتيت سلطة القانون في المناطق المحتلة. الوحيدون الذين عملوا على مدار السنوات، كانوا جمعيات المجتمع المدني كـ"بتسيلم" و"سلام الآن" و"ييش دين" و"مجلس الأمن والسلام" وغيرها، وفي الأساس، برعاية المحكمة العليا. عملهم في إطار القانون أجّل، وحتّى إنه أوقف في مرات محددة المسار القمعي، وكشف أمام الجمهور المعني ظلم الاحتلال الإسرائيلي.
- اليوم أيضاً، وفي الوقت الذي بقي الصراع مع الفلسطينيين خارج الحوار والرؤية، تناضل هذه الجمعيات وغيرها يومياً ضد جرائم الحكومة والمستوطنين في الميدان. إن اليوم الذي سيقف فيه كل شخص من مجموع 150 ألف متظاهر في كبلان ضد كل بؤرة غير قانونية حتّى إخلائها، هو يوم مهم. حينها سنعلم أن رؤيتنا تتضمن سلطة القانون والحقوق العالمية بالمساواة والحرية لكل من يعيش بين النهر والبحر.