اجتماع الفصائل الفلسطينية في العلمين محاولة لكبح تراجُع أهمية وشرعية السلطة الفلسطينية
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • اجتمعت حركتا "فتح" و"حماس" والفصائل الفلسطينية في 30 تموز/يوليو في مصر في مدينة العلمين الواقعة غربي الإسكندرية، للبحث في تراجُع الوضع الفلسطيني الذي وصل إلى التهديد بتهميش القضية أكثر فأكثر، إقليمياً ودولياً. ما تميز به هذا الاجتماع أنه كان بقيادة وإدارة وموافقة أبو مازن، بعكس الاجتماعات الأُخرى لهذا المنتدى، وأنه كان ليوم واحد فقط. في البيان الختامي، أعلن أبو مازن ما جرى الاتفاق عليه مع "حماس" مسبقاً، أي تشكيل لجنة مشتركة تضم جميع الفصائل، مهمتها صوغ اتفاقات تشكل بنية تحتية للمصالحة والوحدة بين جميع الفلسطينيين. عدم مشاركة 3 فصائل فلسطينية في الاجتماع، الجبهة الشعبية القيادة العامة، والصاعقة، والجهاد الإسلامي الذي قاطع الاجتماع، احتجاجاً على اعتقال السلطة الفلسطينية لعناصره، لم يمنع "حماس" من المشاركة. وهذا يعود إلى التزامها بذلك إزاء مصر، واكتفى زعماء "حماس" بالدعوة إلى إطلاق سراح الموقوفين. سبقت الاجتماع تحضيرات دبلوماسية مكثفة، شاركت فيها مصر ومسؤولون كبار في "فتح" و"حماس"، مع الحصول على تأييد دول عربية، مثل قطر والأردن والسعودية والجزائر، ودول آسيوية، مثل الصين وتركيا، وكذلك روسيا. وتقديم هذه الدول دعمها للاجتماع، ساهم في إقناع الفصائل الفلسطينية بالمشاركة، وشكّل شرعية بديلة من الشرعية الأميركية المخيبة للأمل.
  • أراد أبو مازن من هذا الاجتماع التوصل إلى فهم داخلي فلسطيني مشترك، يساعد في كبح التراجع الكبير في شرعية السلطة الفلسطينية، ويدعمها في مواجهة التحديات غير المسبوقة التي تواجهها. فعلى الصعيد الاقتصادي، تقترب السلطة من حافة العجز والإفلاس. وعلى هذه الخلفية، تتصاعد في الضفة انتقادات حادة، حتى في صفوف السلطة نفسها...
  • علاقة وثيقة تربط بين التطورات التي سُجلت خلال تموز/يوليو، مثل استئناف الجهود الفلسطينية لفرض النظام والأمن في منطقة جنين، وزيارة أبو مازن إلى تركيا، وإرسال جبريل الرجوب إلى إستانبول مع رجل "حماس" صالح العاروري، عشية عقد الاجتماع، وبين دعوة أبو مازن الفصائل الفلسطينية إلى الاجتماع في مصر. الخط الذي يربط بين هذه التطورات هو البحث عن قاسم مشترك فلسطينيداخلي فيما يتعلق بتعزيز شرعية السلطة الفلسطينية، بصفتها الزعيمة التي يجب عليها التعامل مع التحديات غير المسبوقة التي تواجهها. هذه التحديات هي الخطوات التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية التي تغيّر قواعد اللعبة في الساحة الإسرائيلية الفلسطينية من جهة، ومن جهة ثانية، تبلوُر تحرُّك أميركي إقليمي واسع، يشمل تطبيعاً محتملاً بين إسرائيل والسعودية.
  • في الأشهر الأخيرة، برز في صفوف السلطة الفلسطينية قلق كبير حيال الضغوط التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية عليها، إلى حد إلحاق ضرر لا عودة عنه بمكانتها، جرّاء سياسة الضم المتسارع لأراضي الضفة الغربية، مثل تغيير قانون الانفصال عن شمال الضفة وإقامة مستوطنات غير قانونية على أراضٍ، من دون أن يمنعها الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي يُفسَّر بأنه يتلاءم مع "خطة الحسم" للوزير في وزارة الدفاع بتسلئيل سموتريتش؛ سلوك وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، والذي يُعتبر استقوائياً وعنصرياً؛ بالإضافة إلى التصريحات بـ"محو الحوارة" والتساؤلات التي يطرحها مسؤولون رفيعو المستوى في الحكومة بشأن الحاجة إلى السلطة، أو إلى أي تمثيل فلسطيني آخر. لذلك، تحتاج السلطة الفلسطينية إلى تعزيز شرعيتها الجماهيرية. وكان من المفترض أن يؤدي طرح الوحدة الفلسطينية في اجتماع حضرته الفصائل المركزية إلى الاستجابة لتطلعات الجمهور الفلسطيني، وفي الوقت عينه، استعادة السلطة شيئاً من شرعيتها التي تحتاج إليها، إسرائيلياً ودولياً.
  • بالنسبة إلى "حماس"، إن تدخُّلها وحضور قياداتها الرفيعة الاجتماع إلى جانب أبو مازن، يدلان على مصلحة مشتركة بينها وبين "فتح" وأبو مازن في مواجهة الواقع الناشئ. "حماس" التي تعتبر نفسها البديل من "فتح" والسلطة الفلسطينية، ترى في السلطة اليوم كياناً يجب المحافظة عليه لأنه يرسّخ وجوداً فلسطينياً رسمياً وشرعياً في الأراضي الفلسطينية. ولا ترغب الحركة في انهيار السلطة والعودة إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل، مثلما كانت عليه الحال قبل اتفاقات أوسلو. من جهة أُخرى، تعزيز مكانة "حماس" بجعلها في مكانة مساوية لمكانة "فتح"، يساعدها على المناورة بين تنظيمات المقاومة التي تقودها والسيطرة على قوة المقاومة العنيفة، وتوزيعها بحسب الظروف، وأيضاً كبح نشاطها.
  • في المقابل، تُجري الولايات المتحدة الأميركية اتصالات مكثفة مع السعودية، بهدف تعزيز الائتلاف الإقليمي ضد إيران وترسيخ النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط مجدداً، وفي إطاره، التخطيط لتطبيع إسرائيلي-سعودي. ومقابل اتفاق التطبيع هذا، ستطلب الإدارة الأميركية من إسرائيل وقف القيام بخطوات أحادية الجانب في الضفة الغربية، تعرّض للخطر احتمال الدفع قدماً مستقبلاً بتسوية بينها وبين الفلسطينيين، تقوم على فكرة دولتين لشعبين؛ والامتناع من أي عملية ضم، ومن إقامة مستوطنات وبؤر غير قانونية، وحتى تسليم السلطة الفلسطينية، تدريجياً، أراضي المنطقة ج (كما جرى الاتفاق عليه في اتفاقات أوسلو). الاستجابة الإسرائيلية الإيجابية للضغط الأميركي في هذا الاتجاه، ستعيد الساحة الإسرائيلية الفلسطينية إلى فترة ما قبل تقديم خطة ترامب للتسوية، وستعزز موقع السلطة. لا يشارك الفلسطينيون في العملية التي تقودها الإدارة الأميركية، ومع ذلك، يبدو أن محاولة إظهار وحدة بين المنظمات الفلسطينية يمكن أن تنقل رسالة إلى أطراف في المنطقة وخارجها بشأن تمثيل وطني فلسطيني يجب أخذه في الحسبان.
  • هل لهذا الاجتماع أهمية تختلف عن الاجتماعات السابقة للفصائل الفلسطينية، والتي لم تثمر إنجازاً على صعيد التقدم نحو توحيد الصفوف؟ عملياً، لا نرى في هذا الاجتماع سعياً للمصالحة، بل نجد إظهاراً للتقارب وتنسيقاً للمواقف بين "فتح" و"حماس". والحركتان تعلمان بأنه لا يمكن التجسير بين الفجوات الأيديولوجية والسياسية التي تحول دون المصالحة من جهة، ومن جهة أُخرى، هما مجبرتان على العثور على سبيل لمواجهة مشكلات الساعة التي يمكن أن تنعكس سلباً على الموضوع الفلسطيني في الساحتين الإقليمية والدولية. لذا، هما اختارتا الاجتماع من دون ضغط من مصر، وإرسال رسالة إيجابية إلى الجمهور الفلسطيني. والمقصود التوصل إلى تفاهمات بشأن إدارة الانقسام في الساحة الفلسطينية أكثر من التوصل إلى دينامية تهدف إلى حله.
  • في جميع الأحوال، وفي ضوء التدهور المستمر في مكانة أبو مازن، فإنه نجح في تسجيل إنجاز لمصلحته. إذ قاد الاجتماع والكل استجاب لتعليماته، بمن فيهم "حماس". ويمكن التقدير أن الدعم الذي قدمته الدول من أجل عقد الاجتماع لم يكن ممكناً لو لم يجرِ التعاون مع "حماس". والانطباع الحاصل هو أن الاتفاقات والتفاهمات بين "فتح" و"حماس" كافية من أجل إلزام كل الساحة الفلسطينية.
  • بهذه الطريقة، إن إظهار الوحدة وانتهاج المقاومة غير العنيفة التي طلبها أبو مازن من إسماعيل هنية في اجتماع إستانبول، بحسب تقارير في الصحف الفلسطينية، سيساعدان أبو مازن في إقناع الإدارة الأميركية بزيادة الضغط على الحكومة الإسرائيلية التي لا مصلحة لها في التوصل إلى اتفاقات مع الفلسطينيين.
  • بالنسبة إلى إسرائيل، إن الدرس الذي يمكن أن تستخلصه الحكومة هو كما حدث في أيام الرئيس ترامب، الشعور بتعرُّض القضية الفلسطينية لتهديد خطِر يشجع على التقارب بين مختلف الفصائل المتخاصمة، وليس على التباعد. الربط المحتمل بين خطوات في الساحة الإسرائيلية-الفلسطينية وبين مبادرة التطبيع بين إسرائيل والسعودية، وخصوصاً خطوات يمكن أن تتخذها إسرائيل، وتستجيب فيها للمطالب الأميركية الرامية إلى منع انهيار احتمالات الدفع مستقبلاً بحل الدولتين في الساحة الفلسطينية، يمكنه تهديد استمرار بقاء الحكومة الإسرائيلية الحالية. لكن تجاهُل ما يحدث في الساحة الفلسطينية، وخصوصاً الجهد في الدفع قدماً بتسوية العلاقات بين التنظيمات الكبيرة فيها، رداً على الخطوات على الساحة الإقليمية، يمكن أن يكون ثمنه باهظاً جداً.