3 سنوات على الاتفاق بين إسرائيل والبحرين: السلام المنسي
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
"مباط عال"، العدد 1759
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- أثبتت مجموعة أحداث مؤسفة وقعت مؤخراً الضغوط التي تعانيها العلاقات الإسرائيلية - البحرينية والمصاعب التي تواجه عملية التطبيع بين البلدين. ففي تموز/يوليو، أُجِّلت في اللحظة الأخيرة الزيارة التي كان ينوي وزير الخارجية إيلي كوهين القيام بها إلى البحرين، والتي كان من المفترض أن تكون أول زيارة يقوم بها مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى إلى المملكة منذ تغيير الحكومة في إسرائيل. البحرين برّرت قرارها بأنه يعود إلى أسباب تقنية، لكن يبدو أن السبب هو زيارة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى حرم المسجد الأقصى قبل يوم من إعلان تأجيل الزيارة. في المقابل، ظهرت صور من البحرين لرجال دين شيعة يدوسون على علم إسرائيل مع أصوات تشجعهم خلال مسيرة عاشورائية - مشهد مألوف لمعارضة تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
- النقطة الاستهلالية لانضمام البحرين إلى "اتفاقات أبراهام" كانت أكثر تعقيداً من الإمارات: ففي البحرين، عائلة آل خليفة السّنية تحكم أغلبية شيعية. وعلى عكس الإمارات، لديها برلمان ومجتمع مدني نابض، يتحديان أحياناً العائلة المالكة. الاحتجاج الشعبي الواسع ضد الحكم في فترة الربيع العربي في سنة 2011، جرى الرد عليه بتدخّل عسكري للمملكة العربية السعودية والإمارات، دفاعاً عن الحكم في المنامة. في الوقت عينه، فإن قدرة البحرين على المناورة محدودة بسبب ارتباطها بالسعودية، وأيضاً بسبب تراجُع عائداتها النفطية. على هذه الخلفية، اعتُبرت الموافقة السعودية على التطبيع بين البحرين وإسرائيل إشارة إيجابية من السعودية حيال إسرائيل.
- لكن منذ توقيع الاتفاق مع إسرائيل، شهدت البحرين حوادث احتجاج محدودة، لكن متواصلة، ضد إسرائيل وتأييداً للفلسطينيين. في إسرائيل، تم تبنّي حجة العائلة المالكة البحرينية فيما يتعلق بمظاهر المعارضة ضدها، والقائلة إن ما يجري هو احتجاج السكان الشيعة الموالين لإيران. هكذا على سبيل المثال، عندما تظاهر مئات البحرينيين قبيل زيارة الرئيس يتسحاق هرتسوغ إلى البحرين في كانون الأول/ديسمبر 2022، اتهمت مصادر إسرائيلية إيران "بتأجيج الأجواء". وهذه الحجج ليست من دون أساس، فالمتظاهرون ضد إسرائيل هم بالفعل من المتعاطفين مع حزب الوفاق الشيعي، وزعيمه الروحي عيسى قاسم المنفي في إيران، ومن هناك يبعث برسائل معارِضة للتطبيع مع إسرائيل.
- مع ذلك، تشير سلسلة استطلاعات للرأي العام أُجريت في البحرين منذ إقامة العلاقات مع إسرائيل إلى عدم وجود فارق فعلي في موقف السّنة والشيعة في البحرين من التطبيع مع إسرائيل. وما لا يقل أهمية هو التراجع الحاد في تأييد الاتفاق بمرور السنين. عند توقيع الاتفاق في سنة 2020، نظر إليه 40% من السكان بإيجابية، في حين أظهرت الاستطلاعات التي أُجريت لاحقاً تراجعاً كبيراً، وهو ما يدل على أن معارضة التطبيع ليست مستبعَدة، ومن المحتمل أن ما يجري هو نتيجة الفجوة بين التوقعات وبين الواقع الناشىء في السنوات الثلاث الماضية.
- وعلى عكس الإمارات والمغرب والسودان، لم تحصل البحرين على مقابل ملموس ومعروف من الإدارة الأميركية في مقابل انضمامها إلى "اتفاقات أبراهام"، وكان من المفترض أن تستفيد البحرين مباشرة من العلاقات الجديدة مع إسرائيل نفسها: من الناحية العسكرية، من خلال التعاون مع إسرائيل في مواجهة التهديد الإيراني، ومن الناحية الاقتصادية، بواسطة الفرص التي يقدمها الاقتصاد الإسرائيلي للاقتصاد البحريني.
- الجزء الأمني تقدّم فوراً وبسرعة. خلال أقل من سنة ونصف السنة من إقامة العلاقات، زار البحرين رئيس الحكومة، آنذاك، نفتالي بينت، ووزير الخارجية يائير لبيد، ووزير الدفاع بني غانتس، ورئيس الأركان أفيف كوخافي، والتقوا قيادة العائلة المالكة والجيش في البحرين من أجل التعاون الأمني بين الدولتين. الزيارات العلنية لكبار المسؤولين الإسرائيليين إلى المملكة الصغيرة الواقعة على مسافة 150 كيلومتراً من سواحل إيران، والتعاون الاستخباراتي، وفي مجال المسيّرات، بعثت برسالة واضحة، مفادها أن إسرائيل والبحرين تقفان في جبهة واحدة في مواجهة إيران.
- مع ذلك، فإن الركيزة الاقتصادية للعلاقات بقيت متخلفة عن الركب. وتُظهر أرقام المكتب المركزي للإحصاءات أنه بينما بلغ حجم تجارة الإمارات مع إسرائيل في الفترة 2021-2022 نحو 2.5 مليار دولار (من دون الألماس والخدمات)، بلغ حجم تجارة البحرين نحو 20 مليون دولار فقط. يمكن تفسير هذه الفجوة بأن الإمارات مركز (Hub) اقتصادي عالمي. وفي الوقت الذي زار نحو مليون إسرائيلي الإمارات في سنة 2022، فإن بضعة آلاف فقط زاروا البحرين. يمكن تفسير الفجوة في الأرقام بأن دبي كانت مركزاً عالمياً للطيران ومحطة موقتة للرحلات المتوجهة إلى آسيا. في سنة 2022، زار إسرائيل 1400 سائح من الإمارات و400 سائح فقط من البحرين.
- العلاقات الاقتصادية مهمة بالنسبة إلى الجمهور البحريني أكثر من العلاقات الأمنية بين الدولتين. 40% تقريباً من البحرينيين مستعدون لإقامة علاقات تجارية معينة مع إسرائيل تفيد الاقتصاد المحلي، في مقابل 10% منهم مستعدون للتعاون مع إسرائيل ضد إيران. الفائدة الاقتصادية المحتملة يمكن أن تصل إلى قطاعات في البحرين خارج دوائر السلطة التي تعتبر أن التطبيع مع إسرائيل لا ينتهك التضامن مع الفلسطينيين، بل يمكّنها أيضاً من استعادة الازدهار الاقتصادي المنتظر، وهو ما سيقنع هذه القطاعات بفائدة العلاقات. في نهاية سنة 2022، الشكاوى بشأن هذا الموضوع، التي كانت تُسمع فقط من أفواه المعارضين، وصلت أيضاً إلى دوائر السلطة. مصدر مقرّب من المنامة اعترف لوسائل الإعلام الإسرائيلية بأن البحرين كانت تريد استثمارات إسرائيلية فيها، وليس فقط رجال أعمال من إسرائيل يأتون في زيارات خاطفة، بهدف جمع الأموال لمشاريع في إسرائيل.
- خطوات الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تساعد العلاقات، ولقد عبّرت العائلة المالكة في البحرين عن استنكارها لكلام وزراء اليمين في الحكومة بشأن الموضوع الفلسطيني. بخلاف تعاقُب زيارات القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية إلى البحرين خلال الفترة 2012-2022، قام وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني بزيارة إلى إسرائيل ضمن إطار "منتدى النقب" في سنة 2022، وحتى الآن، لم يُسجَّل أي لقاء رسمي بين مسؤولي البلدين. وما لا يقل أهمية أن اتفاق التجارة الحرة بين إسرائيل والبحرين، والذي قامت بصوغه مستويات مهنية، انتهى قبل عام، وكان من المتوقع أن يشجع التجارة بين البلدين، لكن القيادتين لم تقرّه حتى الآن.
- المصاعب التي تواجهها السلطة في البحرين إزاء التقدم في التطبيع لم تنحصر في المستوى الدبلوماسي. في أيار/مايو الماضي، وقّعت مجموعة من 40 شخصية دينية بحرينية بارزة رسالة حادة أُرسلت إلى وزير التعليم البحريني، تطالبه فيها بإلغاء "تغييرات مشبوهة" في مناهج التعليم الرسمية: إلغاء أحاديث وتفاصيل من حياة النبي محمد (تتناول علاقته باليهود). الرسالة التي جاء فيها أنه لا يمكن "تبرير التغييرات بحجة التسامح والتعايش" أثارت عاصفة في وسائل التواصل الاجتماعي، وأشار مستخدمو الإنترنت في البحرين إلى تغييرات أُخرى وجدوها في الكتب الدراسية، مثل إضافة اسم إسرائيل إلى خريطة العالم، وإزالة دروس في علم الاجتماع تتناول اليهود، وإضافة درس يتناول التطبيع بين البحرين وإسرائيل. فور نشر الرسالة، سارع ولي العهد إلى إعلان وقف فوري للتغييرات، وذكرت وزارة التربية إقامة لجنة خبراء لكي تفحص من جديد كل التغييرات التي طالت مناهج التعليم. وهكذا أثبت المجتمع المدني البحريني قدرته على كبح الحديث العام المشجّع على مظاهر معينة للتطبيع مع إسرائيل سبق حدوث مثلها في الإمارات وفي السعودية، من دون أن تلاقي معارضة شعبية كبيرة.
خلاصة واستنتاجات
- سياسة الحكومة الإسرائيلية في الساحة الفلسطينية والاحتجاج البحريني ضد التطبيع مع إسرائيل لا يشكلان تهديداً للعلاقات في هذه المرحلة، على الرغم من الجمود الذي تعانيه. يجب أن نفهم أن معارضة إسرائيل والاتفاق معها تأتي في إطار صراع المعارضة البحرينية ضد العائلة المالكة، لكن يجب ألّا نستخف بخيبة الأمل البحرينية من التطبيع والاستخفاف بالتحريض المحلي ضدها. في المدى البعيد، خيبة الأمل هذه يمكن أن تقوّض العلاقات الأمنية والعسكرية المزدهرة بين الدولتين، وأن تؤثر بصورة سلبية في قرارات أُخرى للدولة، تتناول ماهية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والثمن والربح اللذين ينطوي عليهما هذا التطبيع.
- وعلى الرغم من مصلحة الحكم في البحرين في إقامة علاقات مع إسرائيل بمعزل عن القضية الفلسطينية، فإنه لا يمكن تجاهُل الأهمية الكبيرة لهذه القضية وسط الجمهور في البحرين. سلوك الحكومة الإسرائيلية حيال الأحداث في الضفة الغربية يخلق عقبات في وجه المنامة التي ترغب في تعاوُن اقتصادي ومشاريع مدنية تبدد خيبة الأمل من التطبيع، وواقع يشجع على معارضته. وعلى الرغم من صغر حجم البحرين ووزنها الاقتصادي، فإن أهمية العلاقات معها تعود إلى موقعها الاستراتيجي وتعاوُنها مع الولايات المتحدة (توجد على أراضيها قيادة الأسطول الخامس)، وكونها مرتبطة بالسعودية. لذا، فإن أهمية الاتفاق بين إسرائيل والبحرين أكبر بكثير من حسنات التعاون الثنائي – فالاتفاق يشكل بالون اختبار بالنسبة إلى السعودية التي تفحص حسنات وسيئات العلاقات مع إسرائيل، على خلفية المبادرة الأميركية للدفع قدماً بالتطبيع بين القدس والرياض.