إذا كان أوسلو فاشلاً، فلماذا لا يزال اليمين يتمسك به؟
تاريخ المقال
المصدر
- لدى مؤيدي اتفاق أوسلو حجة لفظية تذكّر قليلاً بالذين يتمسكون بمواقف شيوعية؛ تقول إن الاتفاق لم يفشل قط، لأننا لم ننفذه حتى النهاية. بكلمات أُخرى: البناء في المستوطنات، وفرض شروط مستحيلة، وطبعاً اغتيال رابين، منعنا من السير في الطريق التي وافق عليها الحالمون الذين وقّعوا تفاصيل إعلان المبادىء. ويضيفون أنه حتى بعد مرور 30 عاماً، لم يجر أبداً التخلي عن طريق أوسلو.
- منذ توقيع الاتفاق، ذهبت إسرائيل 13 مرة إلى صناديق الاقتراع، وفي معظم هذه الانتخابات، فاز الليكود وتولى رئيس حكومة منه المنصب في معظم هذه الفترة. في ولايته الأولى، حاول نتنياهو وقف تقدم العملية، ومع ذلك، وقّع اتفاق واي بلانتيشن [1998] وانسحب من الخليل. وبعد ولاية قصيرة ومضطربة لإيهود باراك، واجه أريئيل شارون الانتفاضة الثانية، وقاد الفكرة التي وُلدت نتيجة فشل الاتفاق؛ الانفصال بأي ثمن. الليكود دفع قدُماً بفكرة الانفصال، الأمر الذي أدى إلى انقسامه. ومنذ سنة 2009، جربت إسرائيل مناورات مختلفة ومتعددة، من تجميد الاستيطان إلى جمود سياسي كامل، لكن في المحصلة لم يتغير شيء. أوسلو لا يزال هنا، ولن يذهب إلى أي مكان.
- أثارت العاصفة التي نشبت في الأسبوع الماضي، جرّاء تزويد السلطة الفلسطينية بناقلات جند مدرعة وبسلاح ووسائل سيبرانية، ارتباكاً لدى اليمين. في البداية، وجهوا إلى حكومة لبيد - بينت التهمة، وقالوا: "هذا قرار يعود إلى كانون الثاني/ يناير 2022." إذ ليس من المنطقي أن توافق حكومة اليمين بالكامل على تزويد السلطة الفلسطينية بالعتاد. وفي رأيهم المعقول أكثر، ليست لدى رئيس الحكومة ووزير الدفاع فكرة عن ماذا تنقل المؤسسة الأمنية وإلى من.
- لاحقاً كذبوا خبر السلاح، وبطلب من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، صرّح نتنياهو أن المقصود أخبار ملفقة، وأن الحكومة لن تنقل إلى السلطة أي سلاح، بل فقط ناقلات جند مدرعة ستحل مكان العتاد القديم. ظاهرياً، يبدو هذا منطقياً، لكنه يفاقم من طرح السؤال: لماذا نقوي نحن السلطة الفلسطينية؟
- الجواب جاء في نشرة الأخبار المسائية، فالتوجه الجديد هو: كيف يمكننا أن نطلب من السلطة الفلسطينية منع "الإرهاب" - كما تعهدت في اتفاقات أوسلو- إذا لم نزوّدها بعتاد يساعدها في القيام بذلك؟ وهذه الحجة تبرر ضمنياً نقل السلاح أيضاً. من الطبيعي إذا كنا نريد من السلطة القضاء على "حماس" وعلى الجهاد الإسلامي أن تكون لديها الأدوات التي تحتاج إليها لذلك.
- لكن هذه الحجج سمعناها أيضاً من الذين دفعوا قدُماً باتفاق أوسلو، وفي ذلك اليوم انتقدنا العيوب الأخلاقية والسياسية التي ينطوي عليها الاتفاق. أولاً، السلطة الفلسطينية تعمل من دون "المحكمة العليا ومن دون بتسيلم" أي من دون أي رقابة على سلوكها، مع السلاح والمدرعات التي زودناها بها. ثانياً، هذا يقوّض الحجة الإسرائيلية الأكثر نجاحاً بشأن مواجهة "الإرهاب"، وهي أنه من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها بنفسها، ومعنى هذا خصخصة المواجهة ضد "حماس" والجهاد الإسلامي...
- لكن في نظر اليمين هناك خلل سياسي عميق آخر: لماذا تحولت المحافظة على السلطة الفلسطينية إلى هدف بديهي؟... في نظر اليمين، ليس هناك ما يبرر ثقتنا بالسلطة، وأفضل دليل على ذلك أن عملية السلام ماتت تماماً في العقد الماضي، تماماً كما أراد اليمين، وذلك عبر عملية طويلة جداً وعبثية قادها نتنياهو بحكمة شديدة.
- في نظر اليمين، أيُّ هجوم وإطلاق لصاروخ وكل قتيل هو دليل قوي على فشل اتفاق أوسلو. لكن الواقع انقلب رأساً على عقب أيضاً في حكومة اليمين بالكامل، ونتنياهو الذي بذل قصارى جهده في تفسير إخفاقات أوسلو هو الآن يعتمد عليه بالكامل. وهكذا، بقي من دون جواب السؤال المركزي الذي يطرحه مؤيدو أوسلو؛ إذا كان أوسلو فاشلاً إلى هذا الحد، لماذا لا يزال اليمين يتمسك به؟