الأوضاع تغدو مثالية لإيران، ولهذا ثمن باهظ
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

  • إن تصريحات وزير الدفاع ورئيس الموساد بشأن تعاظم قوّة إيران وحزب الله في لبنان، ومُحاولاتهما المتكرّرة تنفيذ عمليّات ضد إسرائيليين ويهود في العالم منذ بداية العام، مقلقة جداً. وكذلك الأمر بالنسبة إلى تحليل بارنيع الدقيق بشأن إشكالية المحاولات غير الجدّية من جانب الولايات المتحدة لتأجيل اندفاع إيران إلى السلاح النووي، واستعدادها لدفع ثمن كبير، وتخوّفه من استعداد روسيا لمنح طهران قدرات عسكرية تهدّد وجود إسرائيل في مُقابل المساعدة العسكرية الإيرانية لموسكو في الحرب الأوكرانية. لكن هذا كلّه ليس إلاّ جزءاً من الصورة الشاملة لخطورة التحدّي الذي تطرحه الآن إيران أمام إسرائيل.
  • عملياً، تستمر إيران خلال الأشهر الأخيرة في التمركز كدولة على عتبة النووي، وتحسّن مكانتها الإقليمية والدولية، وقدراتها العسكرية، وتعمّق تدخّلها بتعزيز "الإرهاب" الفلسطيني عبر تقوية الفصائل "المتطرّفة" التابعة لها والمنتشرة حول إسرائيل، وذلك بهدف الدفع بمعركة متعدّدة الجبهات. هذا بالإضافة إلى أنها تتعامل بنجاح نسبياً مع التحدّيات الداخلية والخارجية والصعوبات الاقتصادية.
  • كانت الانعكاسات البارزة لهذه الإنجازات الإيرانية دعوة إيران إلى أن تكون جزءاً من قمّة دول الـBRICS (البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا)، والاتفاق مع الولايات المتحدة بشأن تحرير 5 أميركيين كانوا معتقلين بتهم زائفة في إيران في مُقابل تحرير بضعة معتقلين إيرانيين في الولايات المتحدة، وتحويل 6 مليارات دولار كانوا قيد التجميد في كوريا الجنوبية إلى إيران. عملياً، المبلغ الذي تم تحويله إلى إيران أكبر بكثير، إذ وافقت الولايات المتحدة كما يبدو على نقل بضعة مليارات من الدولارات إلى إيران من العراق أيضاً. صحيح أن الأموال من كوريا الجنوبية مخصصة لتمويل مشاريع إنسانية، لكنها أموال سيستعملها النظام المتطرّف في إيران ليس فقط من أجل تعزيز مكانته داخلياً، بل أيضاً لمساعدة التنظيمات التي يرعاها أيضاً في الشرق الأوسط، وتُهدّد إسرائيل مُباشرةً.
  • أمّا الاتفاق مع الولايات المتحدة، فيبدو أنه جزء فقط من التفاهمات الأوسع في المجال النووي التي يتم تطبيقها من دون اتفاق رسمي بشأنها. وبحسب هذه التفاهمات، فإن الولايات المتحدة تمتنع من زيادة الضغوط على إيران عبر العقوبات، وأيضاً التهديدات بتفعيل القوة العسكرية ضد إيران في حال قامت الأخيرة بتخصيب يورانيوم إلى مستويات عسكرية، وذلك في مقابل التزام إيراني بعدم التخصيب إلى هذه المستويات، وتقليل وتيرة زيادة كمّية اليورانيوم المخصّب إلى مستوى 60%. وفي هذا السياق، فإن الولايات المتحدة تتجنب كما يبدو تشجيع دول غرب أوروبا الشريكة في الاتفاق النووي على تفعيل العقوبات من جديد على إيران عبر منظومة SNAP BACK (التي ستنتهي صلاحيتها في مطلع 2026)، بالإضافة إلى إزالة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على منظومة الصواريخ الإيرانية التي تنتهي يوم 18 تشرين أول/ أكتوبر هذا العام. وعلى الرغم من ذلك، فقد أعلنت بريطانيا وفرنسا وألمانيا أنهم سيستمرون في فرض عقوبات إلى حين التزام إيران بما تم الاتفاق عليه. الولايات المتحدة دعمت أهدافاً محدّدة كهذه، في الوقت الذي ردّت فيه إيران بصورة حادة، حتّى إنها أعلنت طردَ ثلث المراقبين في مفاعلاتها.
  • في جميع الأحوال، يبدو أن إيران، وفي إطار هذه التفاهمات، قد قلّلت من وتيرة مراكمة اليورانيوم المُخصّب إلى مستوى 60%، لكنها جمعت حتّى الآن أكثر من 121 كيلوغراماً من المواد المخصّبة بهذا المستوى، وهي كمية تسمح لها بالحصول على مواد مخصّبة لمستوى عسكري تكفي لـ3 مفاعلات نووية خلال أسابيع معدودة. وفي المقابل، رفعت من وتيرة تصنيع اليورانيوم المخصّب إلى مستوى 20% (لديها أكثر من 535 كليوغراماً) وهو ما يمكن تخصيبه إلى مستوى عسكري أيضاً خلال وقت قصير عن طريق استعمال أجهزة الطرد المتطوّرة التي تشغلها  إيران، وبذلك تستطيع الحصول على مواد مخصّبة لـ6 مفاعلات نووية عسكرية. هذا بالإضافة إلى أنها لا تزال تمنع الرقابة على عمليّاتها في المجال النووي، وترفض منح الوكالة الدولية للطاقة الذرية معلومات عن المفاعلات التي وُجدت فيها دلائل على أعمال نووية لم تُبلّغ عنها بتاتاً، من دون أي خطوات ضدها.
  • في نهاية المطاف، فإنه وفي مقابل استعداد إيران لتأجيل الاندفاع إلى النووي العسكري، وهو ما تمتنع من القيام به بسبب تخوّفها، إمّا من ضربة إسرائيلية أو أميركية خلال الفترة الانتقالية بين اتخاذ القرار والوصول إلى السلاح النووي، وإمّا لأن الوضع الحالي يخدم مصلحتها ولأن مكانتها آخذة في التحسّن، إذ حصلت إيران على موافقة صامتة وقبول دولي بمكانتها كدولة على عتبة النووي. الآن، هدفها المركزي في هذا السياق لن يكون الاستمرار في مراكمة اليورانيوم إلى مستويات عالية، إنما إنشاء الأوضاع التي تسمح لها بتقليل الوقت المطلوب لتحويل اليورانيوم المخصب إلى المفاعلات النووية العسكرية، حيث يمكن تركيبه على الصواريخ التي تملكها. هذا الهدف سيكون ممكناً إذا تجاهلت روسيا نقل تكنولوجيا متطوّرة إلى إيران. وفي هذا السياق، فإن المساهمة الروسية التي لمّح إليها رئيس الموساد يمكن أن تكون منظومات دفاع جوي متطوّرة تحسّن من قدرات إيران في الدفاع عن مشروعها النووي في مواجهة ضربة أو الحصول على قدرات جوية متطوّرة، وهو ما تُريده إيران منذ وقت طويل.
  • أمّا في كُل ما يخص ترسيخ مكانتها الإقليمية وزيادة الضغط على إسرائيل، فبرزت محاولات إيران تهريب أدوات قتالية متطوّرة إلى الضفة الغربية ولبنان لمصلحة منظّمات "الإرهابيين" الذين تحت وصايتها وتساعدهم، وعلى رأسهم "حماس" والجهاد الإسلامي، وذلك عبر زيادة العمليات "الإرهابية"، وزيادة تدخّل إيران عبر تقوية العلاقات بين حزب الله وهذه الفصائل. وفي هذا السياق، زار مسؤولون كبار إيرانيون وبينهم وزير الخارجية الإيراني وقائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني سوريا ولبنان، والتقوا رؤساء هذه الفصائل.
  • هذا بالإضافة إلى أن إيران تعزز من علاقاتها مع الصين وروسيا، إذ تزوّد الأخيرة بأسلحة من أجل الحرب في أوكرانيا، ومع دول الشرق الأوسط (وضِمْنَها السعودية)، وفي أميركا اللاتينية وأيضاً أفريقيا.
  • وفي الوقت نفسه، تستمر إيران في التعامل مع الاحتجاجات الداخلية التي ستتصاعد في الأيام القريبة مع مرور عام على مقتل مهسا أميني الذي أدى إلى اندلاع احتجاجات الحجاب، والنظام يتجهّز لقمع التضامن مع الاحتجاجات. كما أن العلاقات مع دول الخليج أيضاً، وعلى رأسها السعودية، قد تحسنت خلال الأشهر الأخيرة، لكنها لا تخلو من الصعوبات، وهو ما برز في قرارات اجتماع وزراء الخارجية العرب ودول التعاون الخليجي. وفي هذه القرارات، برزت معارضة تدخّل إيران في الشأن العربي الداخلي، وجرت إدانة استمرار "الاحتلال الإيراني" لـ3 جزر تدّعي الإمارات أنها لها، وجرى التشديد على أن السيطرة على حقل دورا النفطي، الذي تدّعي إيران ملكيتها عليه جزئياً، يجب أن تبقى في يد الكويت والسعودية، كما عبّر ورزاء الخارجية العرب عن رفضهم التدخّل الإيراني في الصراع بين الأسرى والنظام في البحرين.

معركة كبح

  • بسبب التحدي الإيراني المتزايد، تتزايد أهمية صوغ سياسة إسرائيلية فاعلة لوقفه، إذ إن التصريحات الأخيرة وأيضاً لقاء نتنياهو - بايدن، جزء منها. ويجب على هذه السياسة أن تتضمن المركّبات التالية:
  1. إيضاح حجم خطورة الوضع للجمهور المستهدف - وعلى رأسهم الإدارة الأميركية وأيضاً الدول الغربية، والدول العربية الشريكة في القلق من التهديد الإيراني، وروسيا والصين، والجمهور الإسرائيلي والرأي العام الدولي.
  2. التحضير للعمل وترسيخ الردع الإسرائيلي (والأميركي) في مواجهة إيران. التهديدات التي صدرت عن المسؤولين في أجهزة الأمن مهمة، لكن النجاح في إحباط المبادرات "الإرهابية" والعمليات الإيرانية الأُخرى والتدرب على عمل ضد إيران، وخصوصاً حين يكون بالتعاون مع جيش الولايات المتحدة، أهم بكثير. استمرار إسرائيل في معاظمة قوّتها، والاستعداد الأميركي لمنح إسرائيل أدوات قتالية تحسن من قدراتها يمكن أن يكبح إيران ومسعاها النووي، يوضح أن الولايات المتحدة ملتزمة العمل عسكرياً لتحقيق ذلك. هذا ما سيساهم أكثر لزيادة الردع الإسرائيلي وقدرات العمل إن كانت في حاجة إلى ذلك.
  3. زيادة الجهود الدبلوماسية في جميع الجبهات - الدفع بالتطبيع مع السعودية وتحسين العلاقات مع الدول القلقة من إيران، وعلى رأسها الدول التي لدى إسرائيل اتفاقيات معها، وزيادة حدّة الرسائل الموجهة إلى دول أوروبا بشأن ضرورة تفعيل جميع القدرات التي لديها من أجل وقف زيادة قوة إيران، وضِمنه في سياق الحرب الأوكرانية، بالإضافة إلى استغلال العلاقات مع الصين وروسيا من أجل تقليص المساعدة العسكرية التي تمنحان إيران إياها في المجالات التي تهدد إسرائيل.
  4. تشجيع الشعب الإيراني على الاحتجاج ضد النظام عبر التركيز على الفوائد التي يمكن أن تحصل عليها إيران بعد تغيير قيادتها وسياستها.
  5. زيادة العمليات السرّية لوقف مراكمة القوة الإيرانية والتنظيمات التابعة لها.
  • إسرائيل تعمل في جميع هذه المجالات، وعملياً تُدير معركة متعددة الأبعاد ضد إيران منذ وقت طويل. لدى الطرفين إنجازات في هذه المعركة، وفي المجمل، فإن الميزان يميل لمصلحة إيران منذ دخول إدارة بايدن البيتَ الأبيض، وذلك بسبب امتناع الإدارة من مواجهة النظام في طهران. معنى هذا أنه يجب على إسرائيل أن تعتمد على نفسها أكثر، وأن تعمل بنشاط أكبر في المجالات التي تم ذكرها سابقاً، والامتناع من أن تبدو ضعيفة في مقابل إيران وأذرعها، وأن تأخذ في حسابها خطوات إضافية يمكنها أن تحسّن من الميزان لمصلحتها (تدفيع إيران الثمن واتفاق دفاعي مع الولايات المتحدة في السياق الإيراني هما جزء من الأفكار المطروحة). ومن الواضح أيضاً أن اللقاء بين رئيس الولايات المتحدة ورئيس الحكومة سيكون مهماً جداً من أجل الدفع بهذه الاتجاهات جميعها.
  • هُناك كثير من المحللين الأمنيين الذين يجنّدون التهديد الإيراني كحجة تفرض المصالحة الداخلية أو إيجاد مخرج للصراع المؤلم الداخلي المقلق بحد ذاته. أنا أتفق كلّياً مع ضرورة التوافق الواسع وإيجاد مخرج من الأزمة الداخلية، لكن علينا أن نتعامل مع التهديد الإيراني من دون أن يكون للنقاش الداخلي علاقة بالأمر ، وأن نتجنّد جميعاً للوقوف ضده حتّى لو لم نصل إلى تسوية. من يربط بين الاثنين يريد تقوية الردع، لكن من دون قصد، فهو يمكن أن يضعفه.
 

المزيد ضمن العدد