بين حرب يوم الغفران وصفقة "السلام" السعودية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • بمرور السنوات، تبدو حرب فيتنام في وعي الكثيرين من أبناء جيلي رمزاً لحرب فاشلة ومؤلمة خصوصاً. الظروف التي أدت إلى غرق الولايات المتحدة في الوحل الفيتنامي يمكن أن نفهمها لاحقاً بواسطة نظريات، مثل نظرية الدومينو وعقيدة ترومان. ولكن، كي نفهم حقاً عناصر المأساة، وبعمق، من الناحية العاطفية، واستمرارها الذي يبدو محيراً اليوم، يجب أن نفهم أيضاً النفسية الأميركية في نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد اعتقد كثيرون، حينها، أن خطر انتشار الشيوعية هو مثل عودة خطر النازيين، الذي يجب أن ينقذوا العالم منه في أقرب وقت، وبحزم كبير.
  • الأمة هي مجموع الذاكرة الجماعية، وبصورة خاصة للصدمات والمخاوف المشتركة. بالطبع، في إسرائيل أيضاً، تُعتبر حرب يوم الغفران، الحرب التي أحدثت أكبر صدمة في الذاكرة الجماعية، وأدت بمرور السنوات إلى ترسيخ نظريات عامة تؤثر حتى اليوم بعمق في إدراك الواقع. ويبدو في نظر عدد مهم من الإسرائيليين، أن الدروس المركزية التي استُخلصت من هذه الحرب هي دروس عسكرية. ويدور معظم الحديث اليوم بمناسبة مرور 50 عاماً على هذه الحرب حول الفشل الاستخباراتي. لكن في أوساط أُخرى، هي أوساط الوسط - اليسار، نموذج من الدرس الذي استُخلص من  حرب يوم الغفران هو المتعلق بالرفض العنيد، عشية الحرب، للسعي للسلام مع العالم  العربي، وفي طليعته مصر.
  • أجزاء من هذا المعسكر، الذي يرى حتى اليوم في غولدا مئير نموذجاً صارخاً من الغطرسة الوطنية المطلقة التي أدت إلى الكارثة، بمساعدة الإيمان الأعمى بالتفوق العسكري على حساب التسوية السياسية، يعكسون نظرتهم هذه على الواقع الحالي. وبسبب هذا الإخفاق التاريخي الذي حال دون التوصل إلى اتفاق سلام مع مصر في وقت سابق، هم مستعدون لتأييد أيّ تسوية "سلمية" بأي ثمن، وهذه المرة، حان دور "السعودية". وعلى الرغم من أن المقصود ليس "سلاماً" لأنه لا توجد حرب معها، بل هو التعبير علناً عن علاقات تطبيع موجودة عملياً، ومن دون فحص التداعيات المعقدة التي يمكن أن تكون لهذه التسويات على تحقيق السلام المنتظر الحقيقي: السلام مع الفلسطينيين، في المدى البعيد.
  • من ناحية أُخرى، بدأت تظهر التغييرات الأولى في هذه النظرية. في الجولة الأولى لـ"اتفاقات أبراهام" كان الوسط - اليسار أكثر سذاجةً، وسارع في أغلبيته إلى استقبال الصفقة بحرارة، انطلاقاً من الاعتقاد أنها ألغت "خطة الضم"، وستساعد الفلسطينيين. من الواضح اليوم أن الاتفاقات مع الإمارات، ومع البحرين، ومع المغرب، لم تمنع تشكيل ائتلاف هو الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، وسيطرة الكهانية على المناطق، وتعميق الانتهاكات للوضع القائم في المسجد الأقصى.
  • من الممكن رسم خطوط متشابهة كثيرة بين سنة 2023 وسنة 1973، لكن يجب ألّا ننسخ دروس الماضي من خلال تجاهُل الصلات الجديدة. إسرائيل لم تعد كما كانت، والسعودية ليست مصر، والشرق الأوسط ليس الشرق الأوسط نفسه، واتفاق سلام، هدفه كبح البرنامج النووي الإيراني، لا يشبه اتفاقاً يمكن أن يسمح بحصول السعودية على النووي؛ وكلمات "السلام والعرب" يجب ألّا تعمي أولئك الذين يعتبرون أن السلام الحقيقي مهم بالنسبة إليهم. ربما هناك درس واحد لا يزال هو نفسه: في سنة 2023، لا يزال هناك مَن يعتقد أن في الإمكان إجراء مصافحات في البيت الأبيض، ويتجاهلون برميل البارود في الضفة وغزة. هم لا ينتبهون إلى أنهم هذه المرة هم الذين يقومون بدور غولدا مئير.