لدينا جيش قوي فشل في مهمته، والآن هو مصرّ على التكفير عن هذا الفشل
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- يوم السبت الماضي، قبل أسبوع، عاش شعب إسرائيل، إحدى أصعب اللحظات في تاريخه، وهي بالتأكيد اللحظة الأصعب من تاريخ إعلان قيام "الدولة". هذا وقت الوحدة والتضامن المشترك. أمّا وقت الحساب، فسيأتي بعد الحرب. لا ينبغي أن يمنع هذا الأمر المستويين العسكري والسياسي من جولة استخلاص سريعة للعبر، من دون البحث عن مذنبين في هذه المرحلة، من أجل تحسين الأداء القتالي وإعادة الثقة إلى الشعب. لقد تمّ الدفع في اتجاه تأليف حكومة وحدة وطنية، وقد استجاب الساسة الذين أدركوا عظمة اللحظة، ونزلوا إلى الخندق معاً.
- كما كتبت في الماضي، ليس لديّ أدنى شك في أن الهجوم الذي قامت به "حماس"، يُعدّ جزءاً من سعي إيران لإبادة إسرائيل، وفي المرحلة الأولى، جرّها إلى حرب متعددة الجبهات، بواسطة التنظيمات الدائرة في فلكها في كلٍّ من الحدود الشمالية، والجنوبية، ومنطقة "يهودا والسامرة"، وبالتوازي، تخفيف الضغط عنها في مسألة البرنامج النووي. لقد استخدمت حركة "حماس" عقيدة عسكرية ووسائل قتالية متطورة، بعضها مصدره إيران، أو تم إنتاجه، أو تمويل إنتاجه، بأموال إيرانية، ومستندة إلى معرفة وتخطيط إيرانيين، وتدريبات تحت إشراف حزب الله وآخرين.
- هناك مَن يقارن بين النكسة التي أصابتنا يوم السبت، وبين ما جرى في حرب الغفران سنة 1973. وهذا خطأ، لقد كانت النكسة في سنة 1973 هائلة، لكنها كانت موجهة ضد الجنود بصورة أساسية. أمّا هجوم "حماس"، فيمكن مقارنته بهجمة بيرل هاربر (من ناحية المفاجأة) وأحداث برجيْ التجارة العالمييْن (من ناحية المفاجأة والمساس بالمدنيين) وجرائم النازيين (من ناحية الوحشية ضد المدنيين من الشيوخ والنساء والأطفال الرضّع).
- لذلك، فكما عاقبت الولايات المتحدة اليابان بسبب بيرل هاربر؛ وكما أعلنت أن بن لادن والقاعدة في عداد الأموات، بغض النظر عن مكان اختبائهم، وكم من الوقت اللازم للقضاء عليهم؛ وكما أعلنت إسرائيل أن منفّذي عملية ميونيخ، سيُعدمون حتماً؛ ومثل القانون الإسرائيلي القاضي بملاحقة النازيين ومَن يتعاون معهم، وهو قانون لا يحدّه زمن، على هذا النحو، ستتعامل "إسرائيل" مع حركة "حماس"، ابتداءً من زعمائها وحتى أصغر المشاركين في "حملة القتل والذبح"، بغض النظر عن الوقت الذي سيستغرقه الأمر، وبغض النظر عن أماكن اختبائهم. إن قاعدة البيانات التي تحتوي على أسماء المجرمين، تُبنى في هذه اللحظات.
- إن قيادات "حماس": الضيف، وهنية، والسنوار، والعاروري، ومشعل، وغيرهم، ليسوا في مأمن من الأذى الذي سيلحق بهم وبأملاكهم، حتى لو كانوا في بيروت، أو الدوحة، أو استانبول، أو اختبأوا في أي حفرة في هذا العالم. كان من المهم جداً التصريح بأننا سنلاحقهم في جميع أرجاء الشرق الأوسط، وبعدها، سيأتي دور مَن قام بإرسالهم، ومَن قام بتشجيعهم على ارتكاب جرائم الحرب الفظيعة هذه.
- تتمثل الأسئلة الرئيسية هنا في التالي: ما هي الخطوة المقبلة في غزة؟ (وتشمل هذه الأسئلة مسألة الأسرى الإسرائيليين)، ما الذي سيحدث في الشمال، وما الذي سيفعله كلٌّ من إيران والولايات المتحدة، صديقتنا الكبرى.
- فيما يتعلق بغزة، دائماً ناقشت، سواء بصفتي رئيساً لمجلس الأمن الوطني الإسرائيلي، أو بصفتي كاتباً عن الموضوع في إطار عملي في معهد الدفاع عن الديمقراطيات FDD، إن النهج يجب أن يكون مستنداً إلى "انهاء العمل على الفكرة الأولى". كانت تلك القاعدة صحيحة آنذاك، لكنها لم تعد صحيحة الآن. إن الحل في غزة، بعد أن نفرغ من القيام بما يجب علينا القيام به هناك، هو مهم جداً. لكن يجب ألا يفرض قيوداً أو يعرقل تنفيذنا مهمتنا، بعد أن غيّر "إرهابيو حماس" كل قواعد اللعبة.
- من أجل تحقيق الأهداف الكاملة التي حددها المجلس الوزاري المصغر للحرب، على الجيش الإسرائيلي اجتياح قطاع غزة عن طريق البرّ، على الرغم مما يعتري ذلك من مصاعب ومخاطر، لأن العالم لن يسمح لإسرائيل بأن تمارس ما قامت به الولايات المتحدة والتحالف الدولي في العراق في الماضي، أو في الموصل والرقة مؤخراً. إن الحصار الكامل والطويل (عدة أشهر) الذي يشمل قطع الكهرباء والماء والغذاء والدواء عن غزة، في ظل وجود ملايين المدنيين، لن يكون ممكناً لفترة طويلة، وذلك لأسباب كثيرة، منها الضغط العالمي الذي سيتصاعد، ومنها مسألة الأسرى الإسرائيليين داخل القطاع. إن التوجيهات الصادرة إلى سكان غزة بالتوجه إلى جنوبي القطاع، والضغط الذي يمارَس على مصر للسماح لمن يرغب من السكان بقطع الحدود إلى مصر بصورة خاضعة للرقابة، ليسا سوى جزء من الحل الذي سيمهّد للاجتياح البري.
- خلال الاجتياح، لا يجب على الجيش الإسرائيلي أن يرتدي قفازات حريرية، وذلك من أجل تحقيق هدف القضاء على "حماس"، ومن أجل الحفاظ على قواتنا أيضاً. إن بعض الدمار في القطاع، بخلاف تسوية حيّ الرمال، الذي يسكن فيه قادة "حماس"، بالأرض، يهدف أيضاً إلى تسوية المباني العالية الواقعة قرب مداخل الأنفاق الممتدة تحتها بالأرض ومنع الخروج منها. كما سنشهد استخداماً مبكراً للقذائف الخارقة للتحصينات من أجل تحقيق انهيار الأنفاق على مَن فيها، وتعطيل خطط "حماس". جميع الوسائل مشروعة، وأنا على قناعة بأن المستشارين القانونيين الرسميين الإسرائيليين صادقوا عليها، بالاستناد إلى جميع قوانين الحرب.
- في مقالات سابقة، قبل تنفيذ حركة "حماس" لـهجومها، قلت إن على إسرائيل تغيير نهج عملها في الشمال، والتأكد من أن نصر الله، الذي استثمرت إيران كثيراً في حزبه بصفته القوة الرئيسية للمواجهة المستقبلية بين إسرائيل وبينها، سيكون مردوعاً، لا كما يظن نصر الله، بأنه هو الذي يردعنا، بسبب الأخطاء التي ارتكبناها.
- يملك حزب الله مئات الآلاف من الصواريخ [غير دقيقة الإصابة]، وأسلحة مضادة للدروع، وطائرات مسيّرة، وقدرات استخباراتية. وقد تراكمت في لبنان على مدار السنوات الماضية أيضاً صواريخ دقيقة الإصابة وأسلحة مضادة للدروع موجهة. من المهم أن ندرك أنه لولا الجهود الإسرائيلية الهائلة، ونجاحاتها الكبيرة، في إطار الـ"المعركة بين الحروب" التي على الرغم من أنها لم تحقق إغلاقاً محكماً لمسارات تهريب السلاح تماماً، لكان هنالك عشرات الآلاف من الصواريخ الدقيقة الإصابة في لبنان (على الرغم من وجود عدد لا بأس به من هذه الأسلحة هناك الآن).
- لقد تم بناء هذه الترسانة من خلال نقل الصواريخ، وأجزاء من الصواريخ، وتقنياتها، من إيران، عبر سورية، وبطرق أُخرى، من أجل تحويل الصواريخ العشوائية إلى صواريخ دقيقة. وخلال السنوات الماضية، تم بناء قدرات إنتاج صواريخ دقيقة الإصابة في مصانع أُنشِئت على الأراضي اللبنانية. كان يتوجب علينا القضاء على مثل هذا التهديد منذ وقت بعيد. ولكن، ولأسفي الشديد، من المحتمل أن الوقت ليس مناسباً الآن، في ظل الجهود المبذولة في القطاع، إلّا في حال ارتكاب نصر الله خطأً مأساوياً، وانضم إلى الحرب.
- كان الهدف من وصول القوات الأميركية إلى المنطقة مهماً، بالترافق مع الخطاب الاستثنائي الذي ألقاه بايدن، يتمثل في نقل رسالة رادعة موجهة بصورة أساسية إلى إيران، ومنها إلى حزب الله، وهي رسالة مباشرة أيضاً إلى كلٍّ من نصر الله والأسد. تمثّلت الرسالة في التالي: لا تتدخلوا ("DON'T").
- يمكن للجيش الإسرائيلي التعامل مع أكثر من ساحة، إلى جانب الجنوب، وخصوصاً إذا تولّت الولايات المتحدة مسؤولية التعامل مع إيران، هذا في حال قررت إيران التدخل، أو أرسلت توجيهاتها إلى نصر الله بالتدخل. لكن الاجتياح البرّي الذي يهدف إلى إسقاط "حماس"، والقضاء على قدراتها بالكامل، وبصورة خاصة إذا قبِلنا الفرضية التي تقول إن "المجزرة" التي تم تنفيذها في الجنوب، خطط لها الزعيم الإيراني مسبقاً، بهدف جرّ إسرائيل إلى غزة، ثم إرسال حزب الله، وهو ما سيجعل من الصعب على إسرائيل إدارة جبهة إضافية بالتوازي في الشمال.
- سيتعين على المجلس الوزاري المصغر، بالتشاور مع المستوى العسكري، دراسة الخيارات، وبناءً على المعلومات الاستخباراتية المتاحة، اتخاذ القرار الصحيح. ويبدو أن المفاجأة التي كان من الممكن لإسرائيل أن تُحدثها في الشمال، كضربة استباقية، خلال الأسابيع والشهور الماضية، لم تعد متاحة الآن، فالطرفان على أتم الجهوزية والاستعداد لذلك.
- على مدار الأسبوع الماضي، انكشف العالم بكامل فخامته ونفاقه. هناك دعم شامل في كلٍّ من الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا، وهذا الدعم برز في ضوء السلوك الفاضح للمحور الذي يشمل كلاً من قطر، وتركيا، والسلطة، وروسيا، والصين. إن كلاً من الإمارات المتحدة، وحتى السعودية (بعد قيامهما بتعديل إعلانهما الأولّي) تقفان الآن في الجانب الصحيح، لكن الاجتياح البري الشامل في القطاع، من دون القيام بإخلاء شامل للسكان، سيجعل من الصعب على هذين البلدين مواصلة الاحتفاظ بمواقفهما الإيجابية، أو على الأقل تصدير مواقف غير سلبية، إلى جانب مصر والأردن.
- نحن لا نعيش جولة حربية في غزة، نحن في حرب شاملة (ALL OUT)، وعلينا أن ننتصر فيها من دون شك. شعب إسرائيل قوي، والآن، وفي ظل وجود حكومة الوحدة الوطنية، لقد تعزّز المستوى السياسي. لدينا جيش قوي جداً، فشل في مهمته يوم السبت، حسبما أعلن رئيس هيئة الأركان بصدق واستقامة. والآن، هذا الجيش مصرّ على القيام بكل ما يتعين عليه القيام به من أجل التكفير عن فشله، والتعامل مع "حماس" وغزة مرة واحدة، وإلى الأبد، وإعادة المخطوفين بكامل صحتهم وسلامتهم إلى عائلاتهم، واستعادة قدرة الردع في مواجهة أعدائنا في الحلقة النارية التي أضرمتها إيران حولنا، وبصورة أساسية، يتعين على الجيش إعادة ثقة الشعب به وبضباطه، وهي ثقة تضررت بصورة كبيرة. دعوا الجيش الإسرائيلي ينتصر، لن يكون الأمر قصيراً، ولا سهلاً، ولكن لا خيار آخر أمامنا.